أفريقيا برس – الجزائر. تستقبلُ مصالح الصحة الاستشفائية وعلى طول السنة، أشخاصا ضحايا لعض من حيوانات متشردة أو أليفة، وأخطرها الإصابة بداء الكلب، الذي ينتقل عبر عضات الكلاب الضالة المُصابة، و”الكلب” أو “السعار” داء فيروسي قاتل عند إهمال العلاج الفوري، والمُؤسف أن كثيرا من العائلات تتجاهل تلقيح حيواناتها الأليفة، وأخرى تغض الطرف عند مُلاعبة أطفالها للحيوانات المُشردة، ما جعل الجزائر تحصي 15 وفاة بداء الكلب سنويا، كان يمكن تفاديها بإجراءات وقائية بسيطة.
فقد طفلان حياتهما مؤخرا بولاية أم البواقي، بعد تعرضهما لعضة من كلب متشرد ومسعور، وأصيب آخرون بجروح، ورغم التكفل العلاجي بالضحايا لكنهما فارقا الحياة مُتأثريْن بخطورة إصابتهما.
هذه الفاجعة دفعت السلطات إلى إطلاق حملات وطنية للقضاء على الكلاب الضالة وتكثيف حملات تلقيح الحيوانات، ضمن خطة حكومية للقضاء على المرض بحلول عام 2030، خاصة وأن الجزائر تحصي وفاة 15 شخصا سنويًا بداء الكلب، غالبيتهم أطفال.
تحت شعار “تحركوا.. أنتم وأنا وكل المجتمع”
ولأن داء الكلب أو السعار يعتبر داءا فيروسيا خطيرا وقاتلا، في حال إهمال العلاج الفوري، فقد خصصت له المنظمة العالمية للصحة يوما عالميا، يصادف 28 سبتمبر من كل سنة، وحمل هذه السنة شعار “تحركوا.. أنتم، أنا، وكل المجتمع”، بمعنى أن المسؤولية مشتركة للقضاء على هذا الداء الخطير، بين الهيئات الرسمية وأفراد المجتمع ككل، للوصول إلى صفر وفيات بشرية، وبما أن الجزائر عضو بارز في هذه المنظمة، فهي تسخر جميع الإمكانيات البشرية والتقنية والعلاجية، للقضاء على داء الكلب.
وفتحت حادثة وفاة الطفلين، النقاش مجددا حول داء الكلب ومدى امتلاك العائلات ثقافة صحية لمواجهة هذا الداء الفيروسي الخطير، في ظل توجه الجزائريين السنوات الأخيرة لتربية مختلف أنواع الحيوانات في المنازل، زيادة على تقاعس بعض رؤساء البلديات وعبر مكاتب النظافة والتطهير، في القضاء على الحيوانات الضالة التي باتت منتشرة خاصة عبر الأحياء السكنية الجديدة المتواجدة على أطراف المدن، والتي رصدت لها الدولة ميزانية ضخمة لتهيئتها وإعمارها. دون إغفال مشاغبات بعض الأطفال، الذين يتعمدون مضايقة الكلاب الضالة، فتهجم عليهم.
القطط والبقر تنقل داء الكلب أيضا
وفي الموضوع، قال المختص في الصحة العمومية، فتحي بن أشنهو، إن مرض الكلب سببه فيروسي، والفيروسات لا علاج لها من غير التلقيح، مشيرا إلى أن هذا المرض تنقله حيوانات مختلفة وليس الكلاب فقط، ومنها البقر والقطط والثعالب والذئاب.. ولكن يبقى الكلب أخطرها، بسبب تواجده غالبا بالقرب من البشر.
ومن العوامل المساعدة على ظهور داء الكلب في الجزائر، بحسب تأكيد بن أشنهو، هو تزايد أعداد الكلاب المتشردة وغير الملقحة في الشوارع، وكما أن ترك النفايات في الأحياء يعتبر مصدر جذب لهذه الحيوانات، ما يزيد من احتكاكها بالسكان، خصوصًا الأطفال الذين يقضون أوقاتًا طويلة في الشارع، وقال إن القضاء على داء الكلب الخطير يحتاج عملا ميدانيا بحتا، تتضافر فيه جهود هيئات عديدة، ومنها المؤسسات التعليمية عن طريق تخصيص دروس للتوعية من هذا الداء، والبياطرة من خلال خرجات مستمرة للتوعية بضرورة تلقيح الحيوانات المنزلية.
والأهم بحسب الطبيب، يتمثل في مكاتب النظافة والتطهير المتواجدة عبر البلديات ” والتي عليها القيام بواجبها في القضاء على الكلاب الضالة، المنتشرة خصوصا داخل الأحياء السكنية الجديدة وعلى محيط الإقامات الجامعية المعزولة، بعدما تعرض عدة أشخاص لهجوم من الكلاب، خاصة تلاميذ المدارس والجامعات والموظفون والمصلون صباحا”.
تهديد حقيقي للصحة العمومية
ويرى بن أشنهو، أن القضاء على الكلاب الضالة، أصبح مؤخرا أكثر “إنسانية” بعيدا عن ما كان يعرف بـ” القالوفة”، ومنها تعقيمهم من التكاثر وتلقيحهم.
وينصح المختص في الصحة العمومية، كل شخص تعرض لعضة كلب، بالمسارعة لغسل مكان الإصابة جيدًا بالماء والصابون، والتوجه مباشرة إلى أقرب مصلحة صحية لتلقي المصل المضاد للداء.
وختم قائلا، بأن داء الكلب هو تهديد حقيقي للصحة العمومية في الجزائر، لكنه في المقابل مرض يمكن الوقاية منه بشكل فعال عبر تعزيز حملات التلقيح، ومحاربة ظاهرة الكلاب المتشردة، ورفع مستوى الوعي لدى الأسر والمجتمع.
الأطفال يمثلون 42% من المتعرضين لداء الكلب
ومن جهتها، أكدت المفتشة البيطرية، هدى سميرة جعفري، على أن داء الكلب يتفاقم عند إهمال الوقاية، وعلينا اللجوء إلى الحلول العلمية والإنسانية، خاصة وأن الأطفال دون سن 15 عامًا يمثلون نسبة تزيد عن 42% من المصابين بداء الكلب في الجزائر.
وبحسب المتحدثة تحولت الحيوانات الضالة، إلى مصدر تهديد حقيقي للصحة العمومية، خاصة مع نقلها لداء الكلب، مؤكدة أن الإحصائيات الرسمية تشير إلى أن حالات التعرض لعضات الكلاب في الجزائر كانت بين 110 و130 ألف حالة سنويا قبل سنوات قليلة، لتقفز اليوم إلى أكثر من 200 ألف حالة سنويا، والأخطر، بحسبها أن هذه الحالات ترتبط في كثير من الأحيان بداء الكلب، وهو مرض فيروسي قاتل بنسبة 100% عند ظهور أعراضه، إذ يهاجم الجهاز العصبي وينتهي بالموت في غضون أيام.
وأضافت الخبيرة البيطرية، أنه رغم حملات التلقيح ضد الكلاب والقطط المنزلية التي تقوم بها السلطات البيطرية، إلا أن المصدر الرئيسي للعدوى يبقى الكلاب الضالة المنتشرة في محيط التجمعات السكانية ومناطق الظل.
والحل، بحسب هدى جعفري، والذي أثبت فعاليته عالميا هو برنامج TNVR والذي يعني “إمساك الكلب – تعقيمه – تلقيحه – إرجاعه لبيئته” وهذا الإجراء تطبقه عدة دول مثل الهند، تركيا وتونس والبرازيل.
ويعتمد هذا البرنامج على الإمساك بالكلاب الضالة بوسائل آمنة ثم تعقيمها لتقليل تكاثرها، وتلقيحها ضد داء الكلب، قبل إرجاعها إلى بيئتها، والنتيجة هي تراجع تدريجي في أعداد الكلاب وحماية المجتمع من العدوى، دون الحاجة إلى القتل العشوائي الذي أثبت أنه “غير فعال لأنه يفتح المجال لظهور كلاب جديدة أكثر عدوانية” على حد قولها.
وتنصح الطبيبة البيطرية، الأولياء بالتحلي بدرجة عالية من المسؤولية لحماية أبنائهم من هذا الخطر، عن طريق منعهم من اللعب مع الحيوانات الضالة أو محاولة إطعامها. وتوعيتهم بخطورة لمس الكلاب والقطط المتشردة، مع الحرص على تلقيح الحيوانات الأليفة المنزلية بانتظام، ومراقبة أماكن لعب الأطفال وعدم تركهم لفترات طويلة في الشارع دون إشراف.
الكلب “المُعقم” لا يصبح شرسا
ومن جهته، تأسف الطبيب البيطري حسان حجيرة، مما وصفه تجاهل خطورة داء الكلب طيلة سنة كاملة، فلا تجد منشورا توعويا واحدا أو خرجات تحسيسية من مختلف الهيئات، وخاصة السلطات المحلية وأطياف المجتمع المدني موجهة للأطفال والأولياء، للتحذير من الاحتكاك المباشر بالكلاب المتشردة، وبدعوة الأطفال خصوصا لعدم التعرض لها كي لا يكون رد فعلها الهجوم، على حد قوله.
ويرى البيطري، بأن حملات قتل الكلاب الضالة والتي كانت معتمدة ومنذ سنوات” أثبتت فشلها في القضاء على هذه الكلاب ومنع تكاثرها”، وهو ما جعله ينضم للمطالبين بضرورة اللجوء لحلول أكثر فعالية، وهي التطعيم والتعقيم.
وقال حسان حجيرة: “التعقيم يجعل سلوك الكلب هادئا وينزع عنه صفة الشراسة”.
حملة تكوينية للهلال الأحمر لتلقيح الحيوانات
وبدوره، أطلق الهلال الأحمر الجزائري حملة وطنية كبرى للوقاية والتحسيس من داء الكلب من المقر الوطني للمنظمة الوطنية لمكافحة داء الكلب، والتي تهدف إلى نشر ثقافة الوقاية وتعزيز الوعي الصحي، من خلال التشجيع على التلقيح والمتابعة الطبية باعتباره السبيل الأمثل للحد من انتشار الداء وحماية الصحة العمومية.
وفي هذا الصدد، كشفت المكلفة بالإعلام على مستوى الهلال الأحمر الجزائري، هناء بطيب، أن حملة التوعية من مخاطر داء الكلب، ستشمل جميع ولايات الوطن، وتعتمد على تكوين أعوان تلقيح من أطباء ومتطوعي الهلال الأحمر الجزائري، للمساهمة في تلقيح أكبر عدد ممكن من الحيوانات، إضافة إلى توزيع مطويات وكتيبات توعوية على التلاميذ داخل المؤسسات التعليمية، وعلى المواطنين في الساحات العمومية والشوارع.
وقالت محدثتنا، بأن الهلال الأحمر، سينظم أيضا موائد مستديرة مع وسائل الإعلام “قصد توسيع دائرة التوعية، إلى جانب مشاركة فعالة لأطباء ومتطوعي الهلال الأحمر الجزائري، الذين سطروا برنامجًا ميدانيًا لضمان استمرارية الحملة على مدار السنة”.
ويأتي هذا المسعى، بحسب المكلفة بالإعلام، في إطار شراكة فعالة بين المرصد الوطني للمجتمع المدني والهلال الأحمر الجزائري، لبناء شبكة وطنية من المكونين الأكفاء، والعمل على القضاء التدريجي على داء الكلب الخطير.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس