كريمة دغراش
أفريقيا برس – الجزائر. في توقيت حساس تواجه فيه منطقة شمال أفريقيا جملةً من التحديات الأمنية والسياسية، وقّعت تونس والجزائر اتفاقاً عسكرياً مشتركاً يقضي بتعزيز التعاون في مجالي الدفاع والأمن. غير أن هذا الاتفاق يثير تساؤلات بشأن دلالاته وأهدافه: فهل هو اتفاق روتيني في سياق التعاون الثنائي المعتاد، أم أنه يحمل أبعاداً أعمق تمهّد لإعادة صياغة التوازن في المنطقة؟
ويشمل الاتفاق، الذي وصفه الجانبان بـ”التاريخي”، مجالاتٍ متعددة مثل التدريب وتبادل الخبرات والمعلومات، والتنسيق الثنائي، والعمليات المشتركة، والتعاون في أمن الحدود.
ترجمة لعمق العلاقات
أُعلن عن الاتفاق من العاصمة الجزائرية، وبالرغم من أنه يبدو في ظاهره اتفاقاً فنياً تقنياً بين بلدين جارين، إلا أنه يطرح تساؤلاتٍ حول أبعاده السياسية المحتملة. فمنذ وصول الرئيسين عبد المجيد تبون وقيس سعيّد إلى الحكم، بلغ التنسيق بين تونس والجزائر مستويات غير مسبوقة، تُرجمت في توافق واضح للمواقف من القضايا الإقليمية والدولية.
ويرى العميد السابق في الحرس الوطني التونسي والمحلل السياسي خليفة الشيباني أن توقيع الاتفاق، على أهميته، جاء في توقيت “مفاجئ” نسبياً، مشيراً إلى أنه “يترجم عمق العلاقات بين البلدين واستمرارية التعاون العسكري الممتد منذ ثمانينيات القرن الماضي”.
ويشارك الكاتب الجزائري والباحث في الشؤون الأمنية والاستراتيجية عمار سيغة هذا التقدير، مؤكداً أن الاتفاقية “خطوة هامة لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين”، واصفاً إياها بأنها “شاملة وتكميلية للاتفاقيات السابقة، في وقت باتت فيه التحالفات العسكرية ترسم سياسات الدفاع شرقاً وغرباً”.
ويشير سيغة إلى أن الاتفاق الجديد يأتي استكمالاً لاتفاقيات سابقة مثل اتفاقيتي عامي 1983 و2001.
تحديات أمنية مشتركة
لا يمكن فصل الاتفاق عن التحديات الأمنية المتزايدة التي تشهدها المنطقة. فشمال أفريقيا يعيش على وقع تهديدات متشابكة فرضتها الجغرافيا، من الجماعات الإرهابية وشبكات التهريب والمخدرات، إلى موجات الهجرة غير النظامية.
ويؤكد الشيباني أن الاتفاق جاء في “ظرف حساس تتزايد فيه التهديدات في منطقة الساحل، وتتنامى الضغوط على الحدود بين تونس والجزائر”، موضحاً أن “البلدين يواجهان واقعاً أمنياً متغيراً لا يمكن التعامل معه بالآليات القديمة، بل يتطلب تنسيقاً ميدانياً شاملاً”.
ويُجمع سيغة على هذا التحليل، قائلاً إن “تنامي التحديات الأمنية في السنوات الأخيرة جعل الجزائر وتونس من أكثر الدول تضرراً، وهو ما دفع قيادتي البلدين إلى التفكير في وضع رؤية دفاعية مشتركة تقوم على تعزيز الأمن الإقليمي المشترك”.
ويضيف أن “تفاصيل الاتفاقية لم يُكشف عنها رسمياً لأسباب أمنية واستراتيجية، غير أن تقاطع التحديات المشتركة يجعل من التنسيق أمراً حتمياً، خصوصاً في ظل استمرار حالة عدم الاستقرار في ليبيا والفوضى التي تشهدها منطقة الساحل الأفريقي”.
رسائل سياسية
ورغم الطابع العسكري للاتفاق، إلا أنه يحمل أيضاً رسائل سياسية واضحة. فالجزائر، التي تملك أحد أقوى الجيوش في العالمين العربي والأفريقي، تسعى إلى توسيع حضورها الإقليمي من خلال شراكات وتحالفات ثنائية، في حين ترى تونس في هذا التقارب مع جارتها الكبرى دعماً ضرورياً في ظل ظروفها الاقتصادية والسياسية الصعبة، ولا سيّما في ما يتعلق بضبط حدودها وتعزيز أمنها الداخلي.
ويؤكد الشيباني أن “المراحل التاريخية التي مرّ بها البلدان أثبتت دائماً أن أمن تونس من أمن الجزائر، وأمن الجزائر من أمن تونس”.
دلالات تتجاوز الجغرافيا
اللافت أن الاتفاق العسكري الجزائري – التونسي يأتي بالتزامن مع توقيع اتفاقيات مماثلة في مناطق أخرى، من بينها الاتفاق العسكري بين السعودية وباكستان، ما يثير تساؤلات حيال إمكانية وجود توجه إقليمي جديد في صياغة التحالفات الدفاعية.
ويرى العميد الشيباني أن “تنامي هذه الاتفاقيات يعكس وعياً عربياً متزايداً بأن الجامعة العربية فقدت دورها الفعّال، ولم تعد المظلّة الجامعة للعرب، بل غدت هيكلاً بلا تأثير، وهو ما يدفع الدول للبحث عن تحالفات ثنائية خارج إطارها”.
أما الباحث عمار سيغة، فيلفت إلى وجود أوجه شبه واختلاف بين الاتفاقيتين الجزائرية – التونسية والسعودية – الباكستانية، موضحاً أن “كلاهما يعكس رغبةً في بناء توازنات جديدة وتعزيز الردع في مناطق مضطربة، لكن الاتفاق الجزائري – التونسي يركّز على تطوير القدرات العملياتية والدفاعية وضمان تنسيق مشترك للخبرات والمعلومات والتدريب، بينما تركز الاتفاقية السعودية – الباكستانية على بناء قوة ردع استراتيجية على خلفية التطورات الأخيرة، بما في ذلك النزاعات بين الهند وباكستان من جهة، وإسرائيل وإيران من جهة أخرى”.
المصدر: النهار
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس