أفريقيا برس – الجزائر. يجمع الدكتور أسير طيبي، بين مهنة الطب والسياسة، وفيما يجتهد في علاج مرضاه، يسعى الى تقديم وصفة سياسية الى مجتمعه عبر منصة حزب التجديد والتنمية منذ اعتماده من طرف وزارة الداخلية العام 2013.
لكن اذا كان لمهنة الطب أحكامها وآلياتها، فان قيادة حزب سياسي حديث النشأة، والنضال من تجسيد مشروعه في أرض الواقع، يصطدم في الجزائر بالعديد من المعوقات والمطبات، التي تجعل ممارسة السياسة من أصعب الخيارات، خاصة في ظل الغلق الممنهج وغياب تكافئ الفرص والمكاييل المتعددة.
في حديثه مع “أفريقيا برس”، نفى بديبلوماسية القاعدة القائلة بأن الأحزاب الصغرى تولد صغيرة وتبقى صغيرة، والأحزاب الكبرى تولد كبيرة وتبقى كبيرة، لكنه لا يمكن تعليل كيف ازدان التجمع الوطني في 1996 وحاز على الأغلبية البرلمانية في عامه الأول، بينما يتخبط حزب التجديد والتنمية منذ العام 2013، في البحث عن مقار لهياكله وعن تمويل عمومي عن استوديو تلفزي للتعبير عن أفكاره ومشروعه.
يجري الحديث في الجزائر عن تعديل جديد لقانون الأحزاب والانتخابات، ما هي رؤيتكم كحزب سياسي للطرح؟
كل تعديل على أي قانون هو مرتبط طبعا على ضعفه أو تناقضه مع القوانين المعمول بها، والقانون بصفة عامة إذا كان كاف ويجيب على الإرادة السياسية لن يعدل، بمعنى آخر، الحديث في الجزائر عن تعديل جديد لقانون الأحزاب و الانتخابات أصبح ضروري لضمان السير الحسن لكل آليات الديمقراطية في البلاد.
ألمح الرئيس عبد المجيد تبون، في آخر ظهور اعلامي له، إلى عدم تفاعل كبير للطبقة الحزبية مع المشروع، كيف تفاعلتم مع المقترح وماذا وجدتم فيه؟
حزب التجديد والتنمية يثمن هذا الاصلاح، ومشاركة كل القوات السياسية في هذا التعديل مهم بل واجب، وهذا ما تقدم به رئيس الجمهورية، إلا بعدما تسلمنا نسخ من مشروع القانون الانتخابات والأحزاب. رد حزبنا بجملة من الاقتراحات والأفكار متعلقة ببعض البنود. لكن السؤال الذي نطرحه هو هل وصلت اقتراحاتنا إلى الرئيس؟
من خلال هذا المنبر نؤكد أننا طرحنا عدد من الاقتراحات متعلقة بشروط تأسيس الأحزاب، تحديد عدد العهدات لقيادة الحزب، وحق الأحزاب السياسية في استعمال وسائل الإعلام العمومية، فضلا عن تعديلات أخرى تتعلق بقانون البلديات مثل توسيع تنظيم الحواضر الكبرى من خلال قانون أساسي، وتوسيع ومرافقة ودعم الدولة للبلديات، وتحسين الوضع القانوني لرئيس البلدية، وضرورة وضع قانون خاص بالأمناء العامون للبلديات.
فضلا عن تخفيف شروط مشاركة الأحزاب السياسية في الاستحقاقات الانتخابية، كتخفيض عدد التوقيعات المطلوبة لكل مقعد، وتقليص العتبة الإقصائية للحصول على مقاعد في المجالس المحلية، وترقية مشاركة المرأة في العمل السياسي، وتحديد الإطار القانوني الذي من شأنه تشجيع تشكيل التحالفات السياسية والانتخابية، بهدف بروز عائلات سياسية كبرى.
يسود اجماع في المشهد السياسي على تراجع دور ونفوذ الأحزاب كمؤسسات سياسية، برأيكم ما هي الأسباب وما هو دلالات ذلك؟
حقيقة، نرى تراجع دور الأحزاب السياسية وعدم لعب دورها كمؤسسات دستورية وهذا الوضع لديه أسبابه، فعكس ما تحصلت عليه الأحزاب التي اعتمدت في 1989 من تمويل مالي ومقار وامتيازات أخرى، لم تتحصل الأحزاب المعتمدة في 2011 إلا على ورقة الاعتماد، ولحد الآن لم نتلق أي دعم من طرف الدولة، وأصبح الحزب ينفق على نشاطاته من طرف رئيس الحزب وبعض المناضلين، وبالتالي يصعب على هذه الأحزاب تنفيذ برامجها و رؤيتها السياسية. ولهذا اقترحنا أن تستفيد هذه الأحزاب من مقار (وطنية وولائية) بشكل كراء رمزي، وتمويل مالي سنويا يراقب استعماله من طرف المحاسب القانوني ومتابعة من وزارة الداخلية والجماعات المحلية.
من دون هذا الدعم من الدولة بكل شفافية، يدفع هذه الأحزاب إلى بحث تمويل غير قانوني، وربما من طرف جهات تبحث على نفوذ في المجالس المنتخبة، وهذا ما جاء على لسان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بإبعاد المال الوسخ في الانتخابات.
يعتبر حزبكم “التجديد والتنمية”، من الأحزاب التي ولدت في مسعى اصلاح سياسي بدأ العام 2011، فهل المناخ السياسي السائد يوفر بيئة أفكاركم ومشروعكم؟
حزب التجديد والتنمية الذي اعتمد في 19 مارس 2013، ويناضل كباقي الأحزاب ويحاول تقديم مواقفه بما يتعلق بالمستجدات الداخلية والدولية، عبر الوسائل النادرة المتاحة لنا، أي منصات التواصل الاجتماعي، لقد سمعت رئيس الجمهورية يرد على سؤال صحفي يتعلق بفتح الإعلام العمومي لأحزب، يقول: الأمر يعود الى مديري القنوات، فهم يتحملون مسؤولية فتح هذا الفضاء للأحزاب. وبالتالي نوجه سؤالنا لهؤلاء لما هذا الغلق؟ كل رئيس حزب مسؤول على كلامه، فإن تعدى القانون، يحاسب عليه. نحن عندنا مسؤولية تجاه بلدنا وشعبنا وتاريخنا ونعرف جيدا كيف نحافظ على الجبهة الداخلية وتقويتها، وكيف نلتزم بأخلاق الحوار واحترام مؤسساتنا. نحن أبناء هذا الوطن.
دخل المجتمع المدني بدعم من السلطة كمنافس قوي للطبقة الحزبية، هل فراغ الطبقة الحزبية هو الذي كرس الظاهرة، أم تداخل في الصلاحيات أو ارتباك في ترتيب المؤسسات؟
المجتمع المدني في بلدنا يحتاج الى عمل كبير من تنظيم وتحسيس و إطار قانوني خاص به يجعله يقوم بدوره في أوساط الشعب عبر مختلف الجمعيات التي تخضع الى دفتر الشروط ومتابعة ميدانية وتقييم موضوعي للعمل المقدم في السنة. والأحزاب السياسية هي مؤسسات دستورية تعمل تحت قانون يسيرها وينظمها، وهي الحلقة الضرورية بين الحاكم والمحكوم.فلا المجتمع المدني يستطيع قيام بدور الحزب، ولا الحزب يلعب دور المجتمع المدني. كل له صلاحياته ودوره.
تشهد الاستحقاقات الانتخابية والسياسية نفورا شعبيا لافتا من صناديق الاقتراع ومن الطبقة الحزبية، إلى ماذا تردون ذلك وما قراءتكم للظاهرة؟
الاستحقاقات الانتخابية باتت محل نفور شعبي، وهذه ظاهرة لا تقتصر على بلدنا فقط، بل تشهدها العديد من البلدان والتجارب، ومقاربة الديمقراطية تختلف من بلاد إلى آخر، والآليات تعددت فأصبح السياسيون غير مرغوب فيهم، ونتائج الانتخابية مطعون فيها، وهذا ما يجعل المواطن البسيط لا يثق في الانتخابات، ويهتم بالقدرة الشرائية وحل انشغالاته اليومية كأولوية من الانخراط في مسار سياسي أو حزبي.
المسألة باتت تحتاج الى اصلاح حقيقي بداية من قانون الانتخابات والسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات والإدارة، كما يجب أن نزرع في أبنائنا ثقافة الانتخابات والشفافية والمسؤولية وحب الوطن، كآليات راسخة للتداول والحساب والمساءلة والنزاهة، فخارج ذلك لا يمكن الوصول الى اقامة تجارب وبناء أوطان.
تعيش الجزائر في مناخ اقليمي متوتر وجل الحدود ملتهبة، ما هي المقاربة التي تحملونها لتأمين البلاد من الأخطار المحتملة؟
أكيد نعيش مناخ إقليمي صعب جدا، خاصة على حدودنا، وكذلك على الصعيد الدولي. فالصراعات بين الدول الكبرى حول التموقع الجيواستراتيجي وتأمين مصادر الطاقة، يحتم على كل دولة قراءة واستشراف التغيرات والتحولات بدقة، ولذلك يبقى أمن الجزائر من الأولويات ولا يرتكز فقط على قواتنا الدفاعية وجيشنا الوطني الشعبي و الأجهزة الأمنية، بل كذلك على المواطنين في مختلف المستويات، ليكونوا هم جدران الدفاع الأولى، لكن ذلك لا يتحقق الا بالاعتناء بذلك المواطن وتمكينه من حقوقه وعيشه الكريم وردم الهوة بينه وبين المؤسسات والنخب الحاكمة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس