العلاقات الجزائرية الروسية أمام اختبار الصحراء الغربية

العلاقات الجزائرية الروسية أمام اختبار الصحراء الغربية
العلاقات الجزائرية الروسية أمام اختبار الصحراء الغربية

أفريقيا برس – الجزائر. قبل ساعات قليلة من التصويت الحاسم لمجلس الأمن حول قضية الصحراء الغربية، تمرّ العلاقات الجزائرية الروسية، بكل زخمها وتاريخها، باختبار صعب وغير مسبوق. فصوت موسكو، التي تترأس دورة المجلس الأممي، هو الذي يرجّح مصير ومستقبل القضية التي تدعمها الجزائر منذ خمسة عقود، وهو أيضًا ما سيحدد مستقبل سردية “الصداقة التاريخية والاستراتيجية” بين البلدين، خصوصًا بعد تعرضها في السنوات الأخيرة لهزّات متتالية، بدءًا من عدم تحمس روسيا لطلب الجزائر الانضمام إلى مجموعة “البريكس”، مرورًا بتصريحات وزير الخارجية المثيرة خلال قمة جوهانسبرغ، وصولًا إلى الندوة الصحفية الأخيرة التي عقدها مع الإعلام العربي في بلاده.

وبالتوازي مع توجّه أنظار المتابعين في شمال إفريقيا والمنطقة عمومًا إلى ما سيسفر عنه اجتماع مجلس الأمن نهاية الشهر الجاري بشأن قضية الصحراء الغربية، تُثار تساؤلات حول مصير ومستقبل علاقات الجزائر مع من كانوا يُوصفون بـ”الشركاء التاريخيين”، وعلى رأسهم روسيا، وبدرجة أقل الصين. فالسياق السائد يميل لصالح الطرح المغربي المدعوم من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وبشكل غير معلن من الصين، بينما يبقى الحسم بيد روسيا التي قد ترجّح الكفة أو تعيد التوازن.

وفي ظل توازنات معقدة تطبعها المصالح، ويتنامى فيها صراع النفوذ في المنطقة بين القوى الكبرى، تبدو الجزائر مجبرة على إعادة صياغة مواقفها وخياراتها، مهما كانت نتائج اجتماع مجلس الأمن، إذ باتت الأولوية تُمنح اليوم للعبة المصالح، لا لإرث الماضي الذي أسس لعالم قائم على الاستقطاب الأيديولوجي. ولذلك فإن العلاقات التي سترسم بعد الاجتماع بين الجزائر والمحور الشرقي لن تكون كما كانت من قبل، خاصة في ظل صعود مؤشرات الخذلان من موسكو وبكين.

ويرى المحلل السياسي عمر براس أنه “إذا كان الفيلسوف ألكسندر دوغين، الملهم الأول للنخب السياسية الروسية وعلى رأسها فلاديمير بوتين، قد أوصى بالتحالف مع العالم الإسلامي والعربي ضمن محور الجنوب، سواء في الشرق الأوسط أو شمال إفريقيا، فإن واقعية الرجل تصر على عدم خوض الحروب من أجل العرب. ولذلك خابت آمال أولئك في صديقهم الروسي في كل المحطات التاريخية، كما حدث في الحروب العربية الإسرائيلية، وكذلك في القضية الفلسطينية، فإن الموقف لن يكون أفضل في المفصل التاريخي الذي تعيشه الجزائر هذه الأيام”.

لا نخوض حربًا من أجل العرب

صرّح لـ”أفريقيا برس” بأن “خمسة عقود من الدعم الجزائري لجبهة البوليساريو، ومن المرافعة في مختلف المحافل القارية والدولية من أجل حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، تواجه في الساعات القادمة أكبر تحدٍّ، بسبب التحول اللافت في مواقف أصحاب حق الفيتو، وعلى رأسهم روسيا وبكين. وهذا تطور غير مسبوق يتطلب مراجعة عميقة من طرف الجزائر لخياراتها ومواقفها، خاصة في ظل التنكر الروسي رغم سردية التاريخ، والتذبذب الأمريكي رغم مؤشرات الانفتاح التي أبدتها الجزائر”.

وأضاف: “العالم تغيّر، وكما بكين وواشنطن، فإن روسيا اليوم باتت تتصرف وفق مصالح مباشرة، وليس في الوارد دعم الجزائر دبلوماسيًا في ملفات كقضية الصحراء الغربية أو دعم العرب في غزة. والجزائر، التي لم تعد تنتمي إلى محور واحد، تدفع فاتورة تقاطع المصالح وصراع النفوذ بين القوى الكبرى في العالم على المنطقة. فما فقدته في الساحل بسبب التمدد الروسي، مرشحة لأن تفقد المزيد في جنوبها الغربي، بسبب رغبة الأمريكيين في تحقيق التوازن في المنطقة من خلال موطئ نفوذ تحت يافطة السلام”.

ومنذ تحصيل استقلالها عن فرنسا في صيف عام 1962، انخرطت الجزائر في المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي سابقًا، كردّ فعل على الإمبريالية الاستعمارية، ووفاءً للقوى السياسية التي ساندت ثورة التحرير. وظلت على هذا النهج إلى نهاية ثمانينيات القرن الماضي، حيث تبنّت النهج الاشتراكي سياسيًا واقتصاديًا وأيديولوجيًا.

ورغم دخولها عهد الانفتاح على الغرب وتراجعها عن النمط الاشتراكي، خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار جدار برلين، بقيت الجزائر قريبة من روسيا، الوريث الشرعي للقطب السوفياتي، خصوصًا في مجال التسليح. وظلّ شعار الصداقة يتصدر علاقات البلدين، لاسيما بعد إبرام صفقات تسليح وتدريب، أبرزها تلك التي وقعها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عام 2007، والتي قدّرت بسبعة مليارات دولار.

ومع الأريحية المالية التي عرفتها الجزائر خلال العقدين الأخيرين، ترددت معلومات متواترة عن تعاون عسكري ومناورات مشتركة وصفقات تسليح، شملت منظومة الدفاع “أس-400” وطائرات “سو-57″، وهو ما أزعج الإدارة الأمريكية وبعض العواصم الغربية. غير أن اندلاع الحرب في أوكرانيا، وظهور تحولات إقليمية ودولية لافتة، أصابا سردية الصداقة التاريخية بالفتور، وساقاها تدريجيًا إلى رفوف الأرشيف.

فرصة مراجعة الخيارات والأولويات

منذ أسبوع فقط، اكتفت وزارة الخارجية الروسية ببيان مقتضب حول الاتصال الهاتفي الذي جرى بين سيرغي لافروف ونظيره الجزائري أحمد عطاف، ويبدو أن ما كانت تهتم بتأكيده هو أن الطرف الجزائري هو من طلب التواصل، أكثر من التطرق إلى التفاصيل أو المحتوى، خاصة وأن المكالمة جاءت قبل أيام قليلة من موعد التصويت في مجلس الأمن.

وفي المقابل، كان اللقاء الذي جمع بين سيرغي لافروف ونظيره المغربي ناصر بوريطة قد تحدث عن “شراكة شاملة” بين البلدين، ما يشير إلى تأكيد المسار الروسي المنحاز للطرح المغربي، وهو ما سبق أن أعلنه لافروف في لقائه مع الصحافة العربية في موسكو، عندما أكد دعم بلاده لأي توافق في مجلس الأمن حول قضية الصحراء الغربية، الأمر الذي يوحي بتمهيد موسكو لدعم المَوْقفين الفرنسي والبريطاني والأمريكي في هذا الملف.

ومنذ التصريح المستفز الذي أدلى به سيرغي لافروف على هامش قمة مجموعة “البريكس” المنعقدة في صيف عام 2023 بجنوب إفريقيا، حين حصر الحصول على عضوية المجموعة في “التأثير والوزن والهيبة”، دخلت علاقات البلدين في حالة تراوحت بين الفتور والتذبذب. وقد انتهت مؤخرًا بتصريح مماثل خلال الأسابيع الأخيرة، عندما حوّل لافروف سؤالًا صحفيًا إلى ملاسنة وتلميحات ضمنية موجهة إلى السلطات الجزائرية، في تجسيد لخلافات عميقة تعبّر عن اقتراب “الصداقة التاريخية” من علبة الأرشيف، في ظل التوجهات المستجدة في البلدين وتعارض المصالح، بدءًا من الساحل إلى الصحراء الغربية، مرورًا بملف الغاز والانفتاح على الأمريكيين.

بوادر فك الارتباط

سجّل مسار التفكك بين روسيا والجزائر عدة محطات أفضت إلى وضع السردية التاريخية والتحالف الاستراتيجي على حافة الانهيار، خاصة في ظل تحوّل العقيدة الدولية إلى منطق المصالح المتبادلة، التي تذوب فيها الاصطفافات السياسية والأيديولوجية التقليدية. وتتمثل أبرز هذه المحطات في:

– الخروج التدريجي لموسكو من حيادها الضبابي: تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأخير حول مبادرة الحكم الذاتي “إذا حصل توافق”، يُعد مؤشرًا غير مسبوق على تغيّر المواقف الرمادية السابقة، حيث أعرب عن نية بلاده بعدم عرقلة تمديد مهام بعثة “المينورسو” وفق الشروط الأمريكية – الفرنسية، وهو ما يعني ضمنيًا التخلي عن مطلب الاستفتاء على تقرير المصير.

– الساحل الإفريقي ساحة نفوذ روسي: بعد الفراغ الذي تركته فرنسا، بات الساحل الإفريقي مجال نفوذ روسي، لا سيما في مالي والنيجر وبوركينافاسو، وحتى ليبيا، حيث تمددت موسكو عبر مجموعة “فاغنر”، ثم “الفيلق الإفريقي”. ويُعد هذا المجال عمقًا حيويًا للجزائر، وأي خلط للأوراق هناك يمثل تهديدًا لمصالحها. ومع ذلك، تواصل موسكو ترسيخ نفوذها العسكري والسياسي والاقتصادي، ما أفرز تباينًا استراتيجيًا واضحًا، جسّده لافروف بإثارته مسألة الحدود المرسمة في المنطقة والموروثة عن الاستعمار.

– انفتاح الجزائر على الولايات المتحدة الأمريكية: الانفتاح المتزايد على واشنطن وتوسيع التعاون العسكري بين البلدين، إلى جانب تصريحات السفير الجزائري في واشنطن صبري بوقادوم حول “تعاون ثنائي مفتوح لا تعترضه إلا السماء”، ودخول شركتي “شيفرون” و”إكسون موبيل” بقوة إلى قطاع الطاقة الجزائري، أثار مخاوف موسكو من شراكة عملية مع الغرب دون قطع فعلي مع الشرق، ما يجعل الجزائر شريكًا رماديًا أكثر من كونها حليفًا.

– الجزائر كبديل للغاز الروسي: تحولت الجزائر إلى مورد أساسي للغاز لعدة دول أوروبية، بعد تراجع الإمدادات الروسية، شكّل تهديدًا مبطنًا لمصالح موسكو في أوروبا، وبدّد إحدى أبرز أوراق ضغطها على خصومها في القارة. كما اعتبرت الجزائر رفض طلب انضمامها إلى مجموعة “البريكس” خذلانًا روسيًا، خصوصًا بعد تفضيل موسكو دولًا أخرى مثل مصر وإثيوبيا والسعودية والإمارات، رغم الرصيد التاريخي الذي يجمع البلدين.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here