أفريقيا برس – الجزائر. بات انجراف التربة، وتراكم الطمي في السدود المائية، في ظل التغيرات المناخية والطقس العنيف، معضلة حقيقية تواجهها الجزائر على غرار الكثير من دول العالم، فعلى الرغم من أن السدود تعد شريانا حيويا لتخزين المياه وتوليد الكهرباء، إلا أن الطمي المتراكم خلفها يهدد البيئة، ويؤدي إلى كوارث طبيعية كالفيضانات في حال رميه خارج السدود… استغلال الطمي وتحويله إلى مادة ثمينة تستخدم في الزراعة وصناعة الاسمنت فكرة تتجه نحو التجسيد من طرف الوكالة الوطنية للسدود والتحويلات، باعتماد بحوث ودراسات جامعية.
في السياق، أكد الدكتور بوعلام رميني، أستاذ بجامعة البليدة مختص في المياه والسدود، أن التغير المناخي يستهدف السدود، إذ إن كميات كبيرة من الطين تتراكم في السدود وعند رميه خارجا يتسبب في كوارث.
وقال إن الطمي المتراكم في السدود، يحتوي على نسب عالية من المعادن والعناصر المغذية للتربة، مثل النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم، إضافة إلى المعادن الدقيقة الضرورية لنمو النباتات، مشيرا إلى أن تقارير بيئية كشفت أن هذا الطمي يشبه إلى حد كبير التربة الخصبة في محيط الأنهار، لكنه يبقى محجوزا خلف السدود، ما يقلل من التجدد الطبيعي للتربة الزراعية في مجاري الأنهار.
من ناحية أخرى، بحسبه، فإن ترك هذا الطمي دون إزالة يهدد العمر الافتراضي للسدود ويزيد الضغط على المنشآت الخرسانية، الأمر الذي يدفع بعض الدول إلى تنفيذ عمليات باهظة التكلفة لإزالة الترسبات.
وأكد أن فوائد الطمي كمكانية استغلال الطمي في الزراعة بحكم أنه تربة خصبة بلا تكلفة، كبيرة، فقد أثبتت تجارب ميدانية في دول مثل السودان، مصر، المغرب، والهند أن استخدام طمي السدود في استصلاح الأراضي يمكن أن يحقق نتائج مبهرة، بينها زيادة خصوبة التربة بفضل نسبة عالية من المواد العضوية، وتقليل الاعتماد على الأسمدة الكيميائية التي تُعد مكلفة ومُلوِّثة للبيئة، وتحسين قدرة التربة على الاحتفاظ بالماء، ما يجعلها أكثر ملائمة للمناطق الجافة.
ويرى الدكتور بوعلام رميني، أن ذلك يؤدي إلى رفع إنتاجية المحاصيل، خاصة القمح والذرة والخضروات، موضحا أن الطمي يمثل حلا علميا لمواجهة تدهور التربة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، إذا ما تم نقله وتجهيزه بشكل منظم.
طمي السدود لصناعة الأسمنت المستدام.. بديل بيئي واقتصادي
وإضافة إلى الزراعة، كشف دراسات لجامعة عين تموشنت وبالتنسيق مع التجارب الميدانية لشركة “هولسيم الجزائر”، عن إمكانية الاستفادة من الطمي كبديل جزئي عن طين المحاجر أو الرمل في صناعة الأسمنت والطوب الحراري، بحيث يمتلك الطمي تركيبة معدنية تجعل من السهل دمجه مع مكونات البناء التقليدية.
وفي هذا السياق، كشفت المسؤولة عن مشروع الاستثمار المستدام ونظافة البيئة في شركة “هولسيم الجزائر”، كريمة فريحة، عن الانطلاق قريبا في إنتاج اسمنت مستدام صديق للبيئة يدخل في الاقتصاد التدويري وذلك اعتمادا على طمي السدود وهذا بعد موافقة الوكالة الوطنية للسدود والتحويلات، بحيث أثبتت تجارب ميدانية لممثلين عن الشركة وخبراء وباحثين جامعيين أن هناك نتائج جد ايجابية تحمل أهم مزايا استخدام الطمي في الصناعات الإنشائية، وأن الاسمنت المصنوع منه يحمل نفس مواصفات الإسمنت العادي ولكن أفضل منه من حيث أنه صديق للبيئة ومصنوع من مواد طبيعية.
وقالت المتحدثة، إن المشروع سيساهم في خفض تكلفة الإنتاج لكونه مادة متوفرة مجانا تقريبا، كما يقلل الاعتماد على التعدين الجائر للرمال والطين من المحاجر، ويساهم أيضا في خفض الانبعاثات الكربونية المرتبطة بصناعة الأسمنت، وإنتاج مواد بناء ذات خصائص عالية الصلابة بعد معالجتها.
عقبات أمام الاستغلال الكامل
ولكن رغم الإمكانيات الواعدة، يمكن استغلال الطمي أن يواجه عدة تحديات، حسب السيدة كريمة فريحة، كضعف البنية التحتية لنقل الطمي من مناطق السدود إلى الأراضي الزراعية أو المصانع، وارتفاع تكاليف التجفيف والمعالجة في بعض الحالات.
ومن جهته، قال عبد اللطيف عزيرة، المدير العام للوكالة الوطنية للسدود والتحويلات، إن موضوع استغلال الطمي من بين الحلول الأكثر فعالية، بحيث هناك تعاون بين شركة “هولسيم” وجامعة عين تموشنت، لكن لا بد بحسبه، من إجراءات إدارية لتسوية وضعية العملية مضيفا” نحن بصدد القيام بها حتى يمكن استغلال طمي السدود في ظل سياسة حكيمة وواضحة لتنظيم استخراجه وتوجيهه للزراعة وصناعة الإسمنت”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس





