أفريقيا برس – الجزائر. تكشف التصريحات المتعالية التي صدرت عن أكثر من مسؤول فرنسي، وعلى رأسهم إيمانويل ماكرون، بعد تأييد مجلس قضاء تيزي وزو، عقوبة الصحفي الرياضي الفرنسي، كريستوف غليز، أن الساسة في باريس لم يستخلصوا العبر من قضية بوعلام صنصال، وأنهم ماضون في طريق تعقيد وضعية رعيتهم، الذي اعترف بعظمة لسانه بأنه أجرم في حق الجزائر والجزائريين، وطلب الصفح من هيئة المحكمة.
وعلى الرغم من أن قرارات العدالة سيدة، وهو مبدأ يؤمن به الفرنسيون ويقدسونه كما يقولون، إلا أنهم يتعمدون القفز على قناعاتهم عندما يتعلق الأمر بالجزائر، وكأن الزمن توقف بهم قبل سنة 1962، عندما كانت الجزائر محتلة من قبل جيش الاحتلال الفرنسي. والمثير أن يصدر موقف من هذا القبيل من قبل الرئيس الفرنسي شخصيا، الذي يفترض أن يكون حذرا جدا في تصريحاته.
ومن جمهورية الصين الشعبية، حيث كان يؤدي زيارة رسمية له، أطلق الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الجمعة، تصريحات أقل ما يقال عنها إنها استفزازية، حيث وصف قرار العدالة الجزائرية بأنه “غير عادل”، في تصرف لا يمكن أن يصدر من رئيس دولة عندما يتعلق الأمر بعدالة دولة أخرى، وخاصة دولة مثل الجزائر، التي تتميز بحساسية مفرطة عندما يتعلق الأمر بالتدخل في شؤونها الداخلية، ولاسيما من فرنسا ذاتها.
وقال ماكرون: “لقد أحطنا علما بالحكم، إنه مفرط وغير عادل”، في تدخل سافر في سير العدالة الجزائرية.
وكان مجلس قضاء تيزي وزو قد أيد حكم سبع سنوات سجنا بحق كريستوف غليز، الذي اعترف بجرمه وطلب الرأفة من القاضي، فيما قالت النيابة في الجلسة إن المتهم لم يأت من أجل الصحافة، بل لأمور أخرى، علما أن المتهم توبع بجريمة دعم الإرهاب، كما أخفى هويته المهنية ودخل بتأشيرة سياحية، وهو أمر مخالف للقوانين والأعراف الصحفية.
وعلى الرغم من عدم تجاوب السلطات الفرنسية مع المطالب الجزائرية بتسلم العشرات من المتورطين في قضايا إرهاب وفساد، تقول الرئاسة الفرنسية “سنواصل العمل مع السلطات الجزائرية لضمان إطلاق سراحه وعودته إلى فرنسا في أقرب وقت ممكن”، وفق ما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية (فرانس براس) الجمعة، في الوقت الذي توفر باريس ملاذا آمنا لمجرمين وفاسدين على أراضيها، رغم وجود اتفاقيات ثنائية للتعاون القضائي.
وتدرك باريس أن تصريحات من هذا القبيل من شأنها أن تزيد في تعقيد وضعية كريستوف غليز، وهي التي عاشت على وقع قضية أخرى مشابهة (قضية صنصال)، بحيث جربت السلطات الفرنسية كل الأساليب، من تهديد أحيانا، وتودد أحيانا أخرى، إلا أنها لم تجن إلا الريح، وهو ما حول هذه القضية إلى اقتتال سياسي فرنسي داخلي بين السلطة والمعارضة.
ومعلوم أن بوعلام صنصال ما كان ليغادر السجن بعفو من الرئيس عبد المجيد تبون، لولا لجوء الرئيس الفرنسي إلى وساطة الرئيس الألماني، فرانك فالتر شتاين ماير، الذي تمكن من إقناع الطرف الجزائري بقرار العفو لاعتبارات المرض والسن، وهي الحالات التي لا تتوفر في كريستوف غليز.
ولم يكن الرئيس الفرنسي هو الوحيد الذي خاض في قضية كريستوف غليز، فحتى وزير الداخلية لوران نونياز، الذي حاول لعب ورقة التهدئة بعد ما أيقن أن سياسة القبضة الحديدية لم تفد مع الجزائر، تدخل بشكل خاطئ، مهددا زيارته التي تحدث عنها إلى الجزائر، أمام خطر الفيتو الجزائري، علما أن ما يروج عن هذه الزيارة يبقى مصدره واحد وهو الجانب الفرنسي من دون سواه.
ففي حوار لإذاعة “فران إنفو”، الخميس المنصرم، تحدث لوران نونياز عن حرص السلطات الفرنسية على إطلاق سراح غليز، ورهن تقدم الحوار مع الجزائر بهذه القضية: “نأسف بشدة لهذا القرار. المناقشات جارية، وسنواصلها، واضعين نصب أعيننا رغبتنا القوية في إطلاق سراح كريستوف غليز. سيكون هذا عاملا حاسما في المناقشات التي ستجرى مع الجانب الجزائري”.
ويتضح من كلام نونياز أن تقدم الحوار بين البلدين مرهون بإطلاق سراح كريستوف غليز، الذي أدين بقرار قضائي سيادي، ومع ذلك يتحدث وزير الداخلية الفرنسي عن “إطلاق سراح”، وهذا يعتبر تدخلا سافرا في قضاء دولة ذات سيادة، ما يؤكد أن الجانب الفرنسي لم يع درس بوعلام صنصال جيدا، ويهدد بنسف ما يشاع عن وجود تقدم في الحوار الغائب حاليا.
ولم يقتصر الاستفزاز الفرنسي فقط على كبار المسؤولين الفرنسيين، بل تعداه إلى السجين الذي استفاد من العفو الرئاسي، بوعلام صنصال، فقد خرج لتوه لينتقد السلطات الجزائرية بعد قرار القضاء العادل بحق كريستوف غليز، بالنظر إلى التهم التي اعترف بها، لأن ما يصدر عن صنصال من استفزازات تقع مسؤوليته على الدولة الفرنسية، التي عليها التزامات بلجمه طالما أنه استفاد من عفو ولم تبرئه العدالة.
المصدر: الشروق
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس





