أفريقيا برس – الجزائر. أكدت المكلفة بالإعلام على مستوى المندوبية الوطنية للأمن في الطرق، فاطمة خلاف، على تسجيل منحى تصاعدي جديد في عدد حوادث المرور بالجزائر خلال الـ 10 أشهر الأولى من العام الجاري مقارنة بنفس الفترة من عام 2024.
وفي حديث للإذاعة الوطنية اليوم الاثنين، كشفت خلاف عن تسجيل 23 ألف و322 حادث مرور، خلال الفترة الممتدة من جانفي إلى 31 أكتوبر 2025، بزيادة قدرها 3,15% مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية.
وبخصوص عدد الوفيات، كشفت خلاف عن تسجيل 03 آلاف و256 حافة وفاة، بزيادة مئوية بلغت 1,31%، في حين بلغ عدد الجرحى 31 ألف و998 جريح، بزيادة مئوية قدرها 4.42% خلال ذات الفترة.
ووفقا للمعطيات التي قدّمتها فاطمة خلاف، يُعدّ تورط الحافلات في عدد حوادث المرور ضئيلا مقارنة بالسيارات، حيث تورطت الحافلات خلال العشرة أشهر الأولى من العام الجاري 2025، بـ 787 حادث مرور، أي ما نسبته 2.63% من اجمالي الحوادث، في حين تورط الوزن الثقيل بـ 7% من اجمالي الحوادث.
وفي إطار الجهود المبذولة للحد من حوادث المرور، أكدت المتحدّثة عن معالجة 416 نقطة سوداء ممن تكثر فيها حوادث المرور في الجزائر من أصل 724 نقطة سوداء.
وفي تحقيق أجرته “الشروق” حول ظاهرة إرهاب الطرقات والارتفاع المستمر في عدد الضحايا سنويا، تم الوقوف على خروقات كبيرة وخطيرة في طريقة منح رخصة السياقة للمواطنين.
رخص بلا قيمة وامتحانات في 30 ثانية.. حوّلت الطرق إلى مقابر مفتوحة
تشهد الجزائر في السنوات الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا ومخيفًا في عدد حوادث المرور، حيث سجّلت الحماية المدنية خلال شهر نوفمبر نحو 160 حالة وفاة و5.755 جريحًا. كما كشفت المندوبية الوطنية للأمن عبر الطرقات عن رقم مهول في عدد وفيات حوادث المرور خلال إحصائيات 2024، حيث تجاوز 3.700 حالة وفاة، في حين بلغ عدد الجرحى 35.556 عبر كامل التراب الوطني.
وفي ظل هذا المنحى التصاعدي في أعداد الوفيات والجرحى، إضافةً إلى تسجيل خسائر مادية سنوية كبيرة تجاوزت 100 مليار دينار (662,7 مليون أورو)، عمدت “الشروق” إلى إجراء تحقيق موسّع لمعرفة الأسباب الكامنة وراء تفشّي هذه الظاهرة التي مست بشكل أساسي فئة الشباب حديثي العهد برخصة السياقة.
وانطلاقًا من المعطيات المقدّمة من طرف المندوبية، التي أكدت ضلوع العامل البشري بنسبة تجاوزت 96% في هذه الحوادث، اتخذنا واقع تعليم السياقة وطبيعة الامتحانات المعمول بها في الجزائر، وكذا المعيار الذي يعتمده مفتش السياقة “الإنجينيور” في منح رخصة السياقة، أساسًا لهذا البحث.
تحايل أفقد رخصة السياقة قيمتها الحقيقية
وفقًا للقرار الوزاري المؤرخ في 9 جمادى الثانية الموافق لـ14 فيفري 2019، الذي يحدد برنامج تعليم سياقة المركبات في الجزائر، يجب على مدارس السياقة اتباع تسعيرة موحدة تُقدَّر بـ 34.000 دج، مع إلزامية تقديم 30 ساعة سياقة للمترشحين و25 ساعة دروسًا خاصة بقانون المرور. إلا أن تطبيق هذا القرار يكاد يكون مستحيلاً، خصوصًا فيما يتعلق بساعات السياقة الثلاثين، حيث يلجأ مدراء مدارس تعليم السياقة إلى خفض عدد هذه الساعات تلبيةً لطلبات المترشحين الراغبين في تخفيض التسعيرة.
وأكد السمان سامر، الأمين العام لمدارس تعليم السياقة لدى الاتحاد العام للعمال الجزائريين، تخلّي بعض المدارس عن تطبيق هذا القرار، موازاةً مع رغبة المترشحين في دفع تسعيرة لا تتجاوز 25 ألف دج، مقابل التنازل طوعًا عن الحصول على الساعات القانونية الكاملة.
كما طالب السمان سامر بضرورة اعادة النظر في تسعيرة تعليم السياقة المحددة بـ800 دج للساعة، معتبرًا أن قيمتها الشرائية أصبحت ضعيفة مقارنة بسنة 2019، إضافة إلى ارتفاع أسعار السيارات وقطع الغيار، فضلًا عن المصاريف المرتبطة بالضرائب والتأمين، ما يشكل ضغوطًا كبيرة على أصحاب المدارس.
رفع التسعيرة إلى 2000 دج وتسقيف عدد المترشحين
في ظل هذا الاضطراب الكبير الذي يعرفه نشاط تعليم السياقة في الجزائر، يطالب العديد من المهنيين بضرورة إدراج تعديلات لضبط القطاع، أبرزها رفع تسعيرة الدروس التطبيقية. وفي هذا السياق، دعا السمان سامر إلى رفع تسعيرة الساعة الواحدة إلى 2000 دج بدلًا من 800 دج، بينما شددت نبيلة فرحات، رئيسة الجمعية الوطنية للممرّنين المحترفين، على أهمية تسقيف عدد المترشحين في كل مدرسة عند حدود 55 مترشحًا سنويًا بمعدل 5 مترشحين شهريًا، على أن يُرفع العدد إلى 110 مترشحين في حال توفر ممرّن مؤهّل ومركبة ثانية.
امتحان سياقة في 30 ثانية… استنكار شديد ومطالب بتغيير الوضع
يُعدّ المعيار غير المناسب الذي يعمل به مفتشو السياقة، أحد أبرز أسباب ارتفاع حوادث المرور في الجزائر، بسبب التجاوزات المسجلة في هذا المجال. ففي الوقت الذي يُلزم فيه القانون المفتش بإجراء امتحان ركن السيارة (الكرينو) عن قرب، يقوم بعض المفتشين بإجراء امتحانين لمترشحين مختلفين في الوقت نفسه امتحان “الكود” وامتحان “الكرينو”، ما يفقد الامتحان قيمته الحقيقية، وفي هذا الشأن تقول نبيلة فرحات: “القانون يمنع منعًا باتًا إجراء امتحانين في آن واحد، ومثل هذه التصرفات تفقد رخصة السياقة قيمتها الحقيقية، لذا يجب تدارك الوضع ومعاقبة المتسببين في هذه التجاوزات”.
أما امتحان السياقة (الكوندويت)، الذي يُعد الركن الأساسي لتحديد أهلية المترشح، فمسافته أصبحت تتراوح بين 100 و200 متر فقط، في ظرف زمني قد لا يتجاوز 30 ثانية، في مشهد يشبه سباقات السرعة، وفي هذا الشأن تطالب فرحات، بالاعتماد على المعايير الدولية التي تفرض امتحانًا تدوم مدته بين 30 و45 دقيقة يشمل كل الوضعيات: طرق كبيرة وصغيرة، صعودًا ونزولاً، ووسط المدينة، والطريق السيار… قبل منح الرخصة.
رخص خارج إطار القانون ومطالب بقطع الاتصال بين المدراء والمفتشين
يرى العديد من المهنيين أن الاتصال المباشر بين مدراء المدارس ومفتشي السياقة أحد أهم أسباب تدني قيمة الرخصة. وفي اتصال مع مدير مدرسة تعليم السياقة، أودية زين الدين، دعا هذا الأخير إلى قطع هذا الاتصال بشكل عاجل، كما هو معمول به في الدول المتقدمة، حفاظًا على شفافية الامتحانات وجودة المترشحين. في حين ذهبت نبيلة فرحات أبعد من ذلك، إذ اتهمت بعض المفتشين والمدارس بـ“بيع الرخص للمواطنين مقابل مبالغ معتبرة”، وهو ما يفاقم أعداد الحوادث، التي بلغت سنة 2024 نحو 26.272 حادثًا، بزيادة 15.06%، إضافة إلى خسائر مادية كبيرة.
بيروقراطية وغياب مراكز امتحان لائقة
تُعدّ البيروقراطية وغياب مراكز امتحان بمعايير دولية أحد العوامل السلبية المؤثرة في القطاع. فبالرغم من جهود وزارة الداخلية والنقل لإصلاح النشاط وإنشاء منصة رقمية بالتعاون مع مركز “سيريست”، إلا أنّ تجسيد المشروع عبر كل الولايات يواجه العديد من العراقيل.
وفي تصريح سابق، أكد لحسن بوبكة، مدير الدراسات بالمندوبية الوطنية للأمن في الطرق، إطلاق تحضيرات لإنشاء مراكز امتحانات جديدة في ولايات وهران وتمنراست وجيجل وبسكرة، في انتظار توفير مراكز إضافية في ولايات أخرى مثل العاصمة.
سيارات مهترئة لا تسمح بالتكوين الجيد
من بين الإشكالات الأخرى التي يعرفها نشاط تعليم السياقة، قدم السيارات، ما يؤثر سلبًا على جودة التكوين. وفي هذا الشأن يقول السمان سامر: “إن جزءًا كبيرًا من المركبات المستعملة قديم، ولهذا نطالب الدولة بمساعدة المدارس، من أجل تجديد مركباتها عبر إلغاء الرسوم الجمركية على استيراد السيارات أو عقد اتفاق مع ’فيات الجزائر‘ لتزويد المدارس بسيارات جديدة وبأسعار معقولة”.
إن الارتفاع الكبير والمخيف في عدد حوادث المرور وما ينجر عنه من وفيات وجرحى يستدعي الوقوف مليًا على الأسباب الرئيسية، وفي مقدمتها طريقة منح رخصة السياقة. ولتحسين الوضع، يجب استحداث مراكز امتحان خاصة، وقطع الاتصال المباشر بين المكوّن والمفتش، واعتماد معايير حديثة تضمن تكوينًا فعليًا يواكب التطورات المعتمدة في الدول المتقدمة.
المصدر: الشروق
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس





