أفريقيا برس – الجزائر. أخذت جهود استرجاع العقار غير المستغل من أشباه المستثمرين، حيزا معتبرا من أنشطة ولاة الجمهورية، في سياق تنفيذ مخطط الحكومة لاسترجاع العقار بكافة أنواعه من غير مستغليه، بغرض تطهير هذا الملف ووضع حد لظاهرة المضاربة التي تفاقمت على حساب الاستثمار الذي تنشده الدولة لجذب رؤوس الأموال، ودعم الاقتصاد المحلي والوطني مع امتصاص جيوش البطالين في الجزائر.
وتجسيدا لما أمر به رئيس الجمهورية باسترجاع العقارات من غير مستحقيها وشطب غير الفاعلين من البطاقة الوطنية للمستثمرين، تم استرجاع 47 قطعة أرضية منحت في سياق الاستثمار الصناعي عبر مختلف مناطق النشاطات بولاية مستغانم، بينما لجأ أربعة من رجال الأعمال إلى إعادة مساحات عقارية لمديرية الصناعة في مستغانم بصفة طوعية، لتحاشي تسديد الرسوم التي يفرضها القانون على المخالفين.
وبحسب ما توافر من معطيات، فإن اللجنة الولائية لمتابعة العقار الصناعي، قامت بإلغاء 47 قرار استفادة من عقارات لإقامة مشاريع استثمارية عبر تراب ذات الولاية الساحلية منها مشاريع معامل لصنع الحلويات، الأجبان والحليب ومشتقاته والسبائك الحديدية، إضافة إلى مشاريع لها صلة بصناعة القوالب الإسمنتية وتجارة مواد البناء بالجملة.
وكشفت مصالح ولاية سيدي بلعباس عن استعادة 23 وعاء عقاريا بالمنطقة الصناعية في عاصمة الولاية، وقررت اللجنة الولائية المكلفة بمعاينة مدى تجسيد المشاريع الاستثمارية، إلغاء هذه المقررات التي استفاد منها رجال أعمال في الفترة الممتدة بين 2014/2019 ولم يتم تجسيد ذات المشاريع على أرض الواقع لأسباب غير مفهومة حسبما أشار إليه ذات المصدر.
على هذا النحو، تم إلغاء 9 مقررات استفادة من عقارات في مناطق النشاطات في مدينة الشلف، من غير مستحقيها، الذين حصلوا على مساحات تتراوح بين 4000 و6000 م2 في سنوات 2007/2012/2014/2017، لكن كافة المشاريع التي كانت مدونة على الورق لم تر النور، وتفيد مصادر مطلعة لـ”الشروق” أنه تم استعادة هذه العقارات في سياق تنفيذ توجيهات الحكومة بتطهير العقار الصناعي والموجه للاستثمار، وذلك بعد استلام المستثمرين غير الجادين، إعذارات رسمية عقب تحقيقات جادة وزيارات ميدانية إلى المواقع المخصصة لتنفيذ المشاريع، مع العلم أن الشلف كانت معنية بإنجاز مصنع لإنتاج الحليب ومشتقاته على الطريق الوطني رقم 04 واحتضان سوق للخضر والفواكه بجي الحسنية على مساحة 7000 م2 وحظيرة سيارات بأربعة طوابق، لكن لا شيء تحقق على أرض الواقع.
مصانع ومحطات خدمات وهمية
في المقابل، تحقق مصالح الأمن، في أربع قضايا فساد، تخص تحويل عقارات مخصصة لتطوير وترقية الاستثمار، إلى أغراض المضاربة في بلديات، الشلف، أم الدروع ووادي سلي وأولاد بن عبد القادر، بحيث كان مقررا إنجاز مصانع مختلفة ومحطة بنزين، لكن التحقيقات الميدانية أثبتت أن المساحات التي تفاوتت بين 800 و5000 م2 حولت عن طابعها الأصلي.
على صلة بالحرب المفتوحة ضد “الاستثمار الوهمي”، أعلنت مديرية الصناعة لولاية وهران، عن استرجاع 375 قطعة أرضية كان رجال أعمال حصلوا عليها في الفترة 2007/2019، غير أنها ظلت عقارات غير مستغلة، وأعطى والي وهران سعيد سعيود تعليمات لمديرية الصناعة باستمرار عملية تطهير العقار الصناعي في مختلف بلديات الولاية، لإعادة ضبط الأمور لإجبار المستثمرين على احترام الالتزامات أو إعادة العقارات إلى الدولة.
وأعلنت مصالح ولاية وهران خوض معركة قضائية لاستعادة بعض العقارات غير المستغلة، بسبب عقود الملكية التي حصل عليها أصحابها في وقت سابق، وأبلغت مديرية الصناعة لذات الولاية، هؤلاء الأشخاص في ثلاث مناسبات، إعذارات لإجبارهم على إعادة أملاك الدولة غير المستغلة، لكن رفضوا المثول لذلك، وهو ما حذا بمديرية الصناعة إلى طرق أبواب العدالة لانتزاع هذه الحقوق غير المستحقة من أشخاص تقاعسوا عن تجسيد مشاريعهم على أرض الواقع.
كما أعلنت مديريات الصناعة في غرداية، ورقلة، المسيلة، عين الدفلى، باتنة، البليدة وتبسة في الأسبوعين الماضيين عن استرجاع عقارات تتراوح مساحاتها بين 700 و 9000م2، منحت في إطار تشجيع الاستثمار، وكشفت مصالح ولاية المسلية في هذا السياق، في حصيلة رسمية عن إلغاء استفادة 73 مستفيدا من عقارات وذلك تتويجا لمعاينات ميدانية، إلى جانب توجيه العديد من الإعذارات. وشكلت عملية تطهير العقار غير المستغل، أولوية هامة في أنشطة الولاة تنفيذا لمخطط الحكومة الذي يرمي إلى استعادة كافة الأوعية العقارية من المستثمرين غير الفاعلين ومنحه لمستثمرين جادين.
“ولاة سابقون وراء فضائح العقار”
بحسب الدكتور خلادي عز الدين، أستاذ الاقتصاد بجامعة مستغانم، فإن عملية تطهير العقار الصناعي لها ما يبررها لاعتياد أشباه المستثمرين على عقلية “الريع العقاري” التي سادت في وقت سابق على حساب الاستثمار الحقيقي، الذي ظل مهمشا بسبب غياب المتابعة الدورية وتواطؤ مصالح وزارية مع ولاة سابقين معظمهم في السجون لتورطهم في قضايا فساد، موضحا أنه يستحسن اللجوء إلى خيار التسوية الودية، لتفادي المحاكم، لأن المقاربة القضائية أحيانا غير مفيدة كونها قد تؤخر استعادة هذه الأراضي بسبب طول الإجراءات القضائية.
وأضاف ذات الخبير الاقتصادي في حديث لـ”الشروق”، أن هذه المعركة المفتوحة من شأنها إعادة جسور الثقة بين المستثمر الحقيقي والدولة، وإعطاء إشارة انطلاق لاستثمار واعد، لافتا إلى أن “المستثمرين الحقيقيين لم يحصلوا بالمرة على العقار، بخلاف الأشخاص الذين كانوا مقربين من الولاة السابقين، مستفسرا عن مصير المشاريع التي حصل عليها العشرات من الأشخاص في المدن الساحلية لإقامة منتجعات سياحية”، مشيرا إلى أنه حان الوقت لاستحداث وكالة وطنية من مهامها تسيير العقار الصناعي المسترجع وتسليمه لمستثمرين حقيقيين بدراسة أسعار خاصة حسب معايير دقيقة، مضيفا أن الفوارق الهامة بخصوص أسعار المتر المربع من ولاية إلى أخرى، إضافة إلى مرافقة العملية بتحديد دفاتر شروط خاصة تعطي للدولة ضمانات باسترجاع أملاكها العقارية في غضون 12 شهرا في حال عدم انطلاق المشاريع. وخلص محدثنا إلى القول إن الطلب على العقار في الجزائر يظل قويا وأخذ في التزايد، وهو ما يستدعي مواصلة تطهير العقار من غير مستغليه في مناطق النشاطات بالمدن الكبرى التي تسير العقار بشكل فوضوي، ومن ثم الانطلاق نحو استثمار نظيف ونزيه.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس