المغرب العربي الكبير… للجفاف

8
المغرب العربي الكبير... للجفاف
المغرب العربي الكبير... للجفاف

عبد الحميد اجماهيري

أفريقيا برس – الجزائر. وضعت القمّة العربية في الجزائر ما سمَّته الأمن المائي العربي في مستوى التهديدات التي تمثلها التدخلات الخارجية في الأمن القومي العام. وقد تبدو الإشارة، كما ركز عليها أمين عام جامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، في تقديره نتائج القمّة كما لو أنها شكلت حوارا رئيسيا، بالقوة نفسها وبالحدّية نفسها التي تمثلها تدخلات القوى الإقليمية المؤثّرة في منطقة الشرق الأوسط أو في شمال أفريقيا. وورد في البلاغ الختامي للقمة “رفض التدخلات الخارجية بجميع أشكالها في الشؤون الداخلية للدول العربية”. والحال أن الأمن المائي، أو بالأحرى الفقر المائي العربي، ورد في البيان الصادر عن قمّة الجزائر في سياق بلاغة واحدة جمعت الأمن من أطرافه، كما يتصوره العقل السياسي العربي.

وكانت الفقرة المخصّصة له، بهذا المعنى، أكثر من فضفاضة، تعاكس الواقع في البند المتعلق بالماء. وقد جاءت كالتالي: “تعزيز العمل العربي المشترك لحماية الأمن القومي العربي بمفهومه الشامل، وبكل أبعاده السياسية والاقتصادية والغذائية والطاقوية و(المائية) والبيئية، والمساهمة في حل وإنهاء الأزمات التي تمر بها بعض الدول العربية، بما يحفظ وحدة الدول الأعضاء وسلامة أراضيها وسيادتها على مواردها الطبيعية، ويلبّي تطلعات شعوبها في العيش الآمن الكريم”.

كان من اللافت حقا أن يتزامن صدور بيان القمة العربية التي ضمت أطول جدول أعمال ربما في تاريخها، مع صدور تقرير أكثر دقة وإثارة للمخاوف بشأن مستقبل الماء، بناء على الاحتباس الحراري، يخص ست دول عربية (منها مصر) نصفها في منطقة المغرب العربي (أو المغرب الكبير)، الجزائر وتونس والمغرب. بل كان التقرير صادما في عنونة المرحلة المقبلة، قريبا من الإجهاد المائي الذي يصيب الدول العربية، ومنها دول التقرير، حيث تحدّث عن وضعية “على شفير الهاوية”، فالتقرير الصادر عن “مختبرات غرينبيس للبحوث” في جامعة إكستر في المملكة المتحدة يتحدّث عن “تداعيات تغيُّر المناخ على ستة بلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”. ويبيّن أن “منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعاني من ظاهرة الاحترار بوتيرة تقارب ضعف المعدل العالمي، ويوضح مدى عرضة المنطقة للآثار والتداعيات الخطيرة الناجمة عن تغير المناخ، بما في ذلك الشحّ الحادّ في المياه”.

ومن المثير كذلك أن البيان الصادر عن القمة سَبَقَ تنظيم مصر قمة المناخ (كوب 27)، وفي قلبه، بطبيعة الحال، الآثار المناخية، وما طرحته منذ قمّة باريس ثم مراكش من ضرورة توفير التمويل المناخي من الملوّثين التاريخيين، على حد قول غِوا نكت، المديرة التنفيذية لمنظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تتهم بصريح العبارة هؤلاء “الملوِّثين التاريخيين” الذين “أسهموا في الخسائر والأضرار ويرفضون الالتزام بمبدأ “تغريم الملوِّث” والتعويض عن الخسائر والأضرار التي تتكبدها مجتمعات الجنوب العالمي، وما زالت تعاني منها”. وهو ثاني مؤتمر في أرض أفريقية من هذا الطراز، بعد أن احتضن المغرب المؤتمر الثاني والعشرين للأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية (كوب 22) في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 بمراكش، ومثّل أحد أبرز الأحداث التي ميزت السنة باعتباره علامة فارقة في مسار انخراط المغرب في خدمة قضايا البيئة والتنمية المستدامة. وهو ما يُظهر أن الوعي بخطورة النوعية المائية، من داخل المنظومة الوطنية أو القارّية أو الدولية حاصل ودينامي، في حين أن معالجته على المستوى الاقليمي ما زالت معلقة بقضايا أخرى أبعد عن الماء والحياة!

بالرغم من التماثل الذي يقيمه العقل الاستراتيجي العربي بين تهديد الماء والتهديد الخارجي، فإن المعضلة خلافية لا يتم تناولها بما يكفي من الجدّية الجماعية، في وقت تكرّر فيه كل التقارير أن القضية قضية موت أو حياة (…)، وتتخذ المشكلة أشكالا مختلفة من دولة إلى أخرى. بل يمكن أن تصبح معضلة الماء تهديدا داخليا يُضاف إلى التهديدات الخارجية، ولربما يكون أقوى خطرا منها.

بالنسبة لمصر، هناك تهديد في هبة النيل نفسها التي جعلتها إكراميةً للنيل القادم من أدغال أفريقيا، وقد تتخذ مسألة المياه حساسيةً مفرطة وخطورة كبرى، لن نفاجأ إذا كانت الحرب إحدى وسائل مناقشتها. والحرب في منطقتنا لا تقوم فقط من أجل القضية العادلة فلسطين، وقضية التوازنات الاستراتيجية بين القوى المتنازعة، أو من أجل وحدة التراب والإنسان، بل قد تقوم حول المياه، ونبوءة الحروب حول المياه قادمة، وتقترب أكثر من أي نبوءة أخرى بإيجاد حلول لها. ولعل مصر نفسها ستحدّد مواقفها من الدول العربية، بما فيها دول المغرب الكبير نفسها، بناءً على الموقف من سد النهضة ومن العلاقة مع إثيوبيا. وقد شاهدنا وتابعنا تحاليل ومواقف عديدة من هذا النوع.

وهذا القلق الإيكولوجي يتحوّل رويدا رويدا إلى قلق سياسي واستراتيجي “بَيْني”، في دول المغرب الكبير. وقد تحققنا في الصيف الماضي كيف أن معضلة الحرائق، الناجمة عن التغير الحراري وندرة المياه، قد صارت بندا في جدول أعمال النزاع في المغرب الكبير وصلت الى حد تبادل الاتهامات بالحرائق وتبرئة الطبيعة لفائدة اتهام الجوار المغاربي!

يضاف الى ذلك أن إشكالية المياه لا تُعالج في البلدان المغاربية بشكل موحد، بالرغم من تقارب الجغرافيا وتضاريسها، ووحدة البرّ والبحر معا على ساحل طويل من طنجة إلى تونس، مرورا بالشريط الساحلي المتوسطي للجزائر. وهو ما يفتح إمكانات هائلة للتحلية المغاربية لمياه البحر وتوفير مليارات من الأمتار المكعبة من المياه المتعددة الاستعمال.. وكما هو البحر الأبيض المتوسط، يمثل المناخ المتقارب فرصة للانتقال إلى أسلوب جديد في إدارة التنمية المستدامة ومعالجة معضلة الماء والجفاف، بحيث الصحراء الواسعة والشمس الدائمة، فرصة مغاربية فريدة في “ما يتعلق بالتخفيف والتكيف مع التغيرات المناخية من أجل تحقيق رهانات التنمية المستدامة التي تحترم البيئة، لا سيما على مستوى تطوير الطاقات النظيفة، وخاصة الطاقة الشمسية…”. والاستفادة المتبادلة من ريادة دولة، مثل المغرب، في هذا المجال بعد أن صارت مرجعا دوليا (قرّرت المملكة زيادة حصة الطاقات المتجددة إلى 52 ٪ بحلول عام 2030)، والاستفادة من الخزّان النفطي والغازي في الجزائر وليبيا مثلا في ترويض البحر والصحراء على إنتاج الطاقة.

وعندما نستحضر دفتر المنازعات الطويل، يبدو أن من حسن الحظ أن أغلب دول المغرب الكبير، ومنها الدول المتصارعة تملك ينابيع أنْهارها في ترابها، وكان الوضع سيكون أفظع لو أن بعض الأنهار تجد منابعها في أراضي الدول المجاورة، ما يفتح أبواب الجحيم “المبلل” على مصراعيها، وتنضاف إلى ما هو موجود من عناصر إشعال الحرائق.

وحسب مدير الحملات لدى “غرينبيس”، أحمد الدروبي، فإن “أزمات الغذاء في العالم ستتفاقم بنسبة كبيرة مستقبلا”، وهو امتداد منطقي لكون الجفاف أو الإجهاد المائي له آثار “مختلفة ومتفاقمة على المحاصيل الزراعية بشكل مباشر، وفي المنطقة، تأثرت المحاصيل خلال السنوات الماضية، ويمكن أن يحدث هذا أكثر مستقبلا”. ويتزامن هذا الوضع مع معضلة الحرب، وما خلفته من تقاطعات جيو استراتيجية في المنطقة، إضافة إلى تعميق جرح الغذاء والماء. وبذلك تصبح الحرب الحليف الموضوعي للجفاف في قضية الغذاء. وما زال الأمن الغذائي عنصرا في تغذية المنازعات المغاربية، ولطالما عيَّرتْ البلدان بعضها بعضا أكثر مما تطرح وضعية خطر تتطلب وحدة التحليل ووحدة التفكير. ولقد اعتدنا في المغرب أن نردّد منذ الأربعينات أن الماء يحكم. وفي المغرب يعادل الحكمُ سقوطَ المطر، بمقتضى هذه العبارة التي تنسب خطأ إلى الجنرال الفرنسي ليوطي (أول مقيم فرنسي عام في المغرب بعد الاحتلال)، وقد قالها في الواقع تيودور ستيغ الذي شغل منصب الحاكم العام للمغرب المستعمَر من 1925 إلى 1929، وهي تعني أن الماء قد يقلب التوازنات السياسية والاجتماعية في بلدٍ ما، كما قد يُحدث أسباب زعزعة التوازنات على مستوى إقليم جيوسياسي واستراتيجي، مثل المغرب الكبير أو شمال أفريقيا‫!‬‬‬

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here