450 سائح فرنسي زاروا مدينة قسنطينة خلال يوم واحد

8
450 سائح فرنسي زاروا مدينة قسنطينة خلال يوم واحد
450 سائح فرنسي زاروا مدينة قسنطينة خلال يوم واحد

أفريقيا برس – الجزائر. أمام جسور المدينة المعلقة، في ساحة نصب الأموات، وشارع الكدية، حيث متحف سيرتا، بين زوايا قصر الباي، في ساحة جامع الأمير عبد القادر، في أزقة المدنية القديمة الضيقة من السويقة إلى رجبة الصوف ورحبة الجمال. الميزة الأولى في ربيع 2024 هو التواجد القوي جدا على غير العادة، للسياح الأجانب، من كل القارات، من الذين يتهاطلون على قسنطينة مثل زخات مطر الربيع، حتى صار تواجدهم وهم يحملون كاميرات تصوير ويرتشفون القهوة أو الشاي، ويتجاذبون الحديث مع الناس، ينافس تواجد أهل المدينة.

عرفت قسنطينة خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، فقط على سبيل المثال إنزالا سياحيا كبيرا من مختلف الجنسيات الأوروبية، طافوا خلالها عبر مختلف المعالم السياحية بمدينة الصخر العتيق التي تعرف مؤخرا، عودة قوية للسياح الأجانب في ما يشبه ظاهرة بداية سنة 2024.

“تناسق رهيب!”

وإن كانت الأفواج السياحية التي زارت قسنطينة خلال 72 ساعة الأخيرة، من مختلف الجنسيات الأوروبية بين الإيطالية واليونانية والألمانية والبولونية والأمريكية، فإن اللافت للانتباه هو الإنزال الكبير للسياح الفرنسيين بمدينة سيرتا والذي كان بعدد 450 سائح فرنسي حلوا يوم السبت فقط، في جولة قادتهم لأهم المعالم الأثرية التي تزخر بها المدينة التي يتجاوز تاريخها الثلاثة آلاف سنة، مدينة سجلت حضورها التاريخي بأسماء من ساريمباتيم وسيرتا وقيرطا لحضارات متعاقبة، لعل أشهرها أن كانت عاصمة للمملكة النوميدية أكبر المملكات في القرن الثاني قبل الميلاد، والتي امتدت بحدودها لتشمل أجزاء واسعة من الجزائر وتونس وليبيا وتصل بحدودها إلى غاية واد ملوية بالمغرب وتضم أجزاء شاسعة من موريتانيا، وتحمل بعدها وإلى اليوم اسم الإمبراطور الروماني قسطنطين العظيم، الذي أعاد بناءها في القرن الثالث للميلاد.

ومن بين أهم المعالم السياحية التي عرفت حركية عالية وغير عادية بفعل هذا الإنزال السياحي الكبير غير المعهود والذي افتقدته قسنطينة منذ عقود، جسورها الثمانية ونصب الأموات وكورنيشها الذي يخترق الصخر بإطلالة عالية منقطعة النظير، على وادي الرمال وسفوح سهل الحامة بوزيان، والمدينة القديمة التي تجمع بأزقة السويقة تأريخا ماديا لـ500 عام من الحضور العثماني والأندلسي، وتضم بمعمار أوروبي يؤرخ للمرور الأوروبي عبر حي القصبة وحي سان جون بلوزداد حاليا، وأحياء أوروبية لا تزال تحافظ على هندستها المعمارية الاستيطانية رغم التلف الذي لحق ببعض منها في أحياء سيدي مبروك والمنظر الجميل، وبنايات أخرى تشكل تأريخا لتلك الحقبة التي امتدت بقرنين من الزمان مثل المقر المركزي للبلدية ومبنى البريد ومبنى مجلس القضاء القديم ومسرح المدينة، وحدائق وساحات تمتد من وسط المدينة، وأشهرها ساحة لابريش وحديقة سوسة وحديقة السيكوار بسيدي مبروك الأعلى. وامتدت رحلة السياح الأوروبيين، لأهم المعالم بالمدينة والمنجزة بعد الاستقلال وأبرزها جامع الأمير عبد القادر، وهو ما عبر عنه أحد السياح الألمان من أبناء مدينة درسدن بأن قسنطينة مدينة ساحرة تجمع بسحرها الخاص بين الحضارة الشرقية والغربية في تناسق رهيب يأسر الأعين ويؤثر على العقول.

التلفيريك.. الغائب الأكبر

وبعودة الانتعاش السياحي لمدينة قسنطينة سواء للأفواج الأجنبية أو حتى الإقبال السياحي لمختلف المواطنين من كل أنحاء الوطن فيما يعرف بالسياحة الداخلية، وجب التكفل السريع من السلطات المحلية بإعادة تشغيل تلفيريك قسنطينة المتوقف منذ سنة 2018، والذي لا يزال تاريخ عودته للعمل غير معلوم، بعد أن كان جزم وتأكيد من مديرية النقل لوالي الولاية، بأن عودته ستكون شهر مارس الذي انقضى وانقضى شهر أفريل وينقضي الثلث الأول من شهر ماي من دون عودة مأمولة في القريب العاجل لهذه الوسيلة التي حتما ستدعم السياحة بما يُمكّن السائح الجزائري أو الأجنبي من اكتشاف قسنطينة وصخرها العتيق الذي يشقه وادي الرمال في مناظر ساحرة، لو هيئت له الإمكانيات ليس فقط التلفريك، بل حتى المصعد المؤدي لسفوح وادي الرمال.. وغيره لتحولت السياحة إلى مورد هام من العملة الصعبة سينعش الخزينة العمومية، فضلا عمّا هو واجب وإلزام توفره من مرافق ضرورية لإنعاش السياحة، بالقرب من هذه المعالم.

وقد سجل السياح نقصا في هذا الجانب، فالسائح الذي يحبذ قضاء وقت طويل في نصب الأموات يعيش خلاله قريبا من السحاب لا يجد أين يقضي حاجته البيولوجية إلا بالعودة للفندق الذي يأويه، كما أن انعدام التجارة السياحية حوّل هذه المعالم نقطة رمادية أخرى وجب تداركها من طرف السلطات المحلية، إما بإنشاء فضاءات خاصة بالحرفيين يكون أساسها التسويق الثقافي للمدينة التي تزخر بفنون متعددة وحرف لا تحصى ولا تعد، سيكون إعادة تأهيلها وبعثها مجالا آخر لخلق فرص عمل لدى الشباب وحفاظا على التراث المادي منه وغير المادي، والأكيد أنه سيكون سبيلا لإنفاق السياح من حافظات نقودهم التي تعود على حالها في ظل غياب استراتيجية تسويقية لأهم مقومات السياحة المبنية على عنصر التذكار الذي يرغب السائح دائما اصطحابه معه من مكان الزيارة، والمهم أيضا أن هذه الفضاءات لن تكون مجانية فهي مورد مالي آخر بعائدات تأجيرها الذي سيشكل جانبا مهما من أعباء العناية والتكفل بمحيط المعالم من تنظيف وعناية وتهيئة وحراسة دائمة.

مدينة سياحية عالمية

وأكد السيد يايسي رشيد رئيس الديوان المحلي للسياحة بقسنطينة، بأن الإقبال السياحي على قسنطينة يتزايد يوما بعد يوم، نتيجة عدة عوامل أهمها توفر الأمن وإعادة تأهيل بعض المعالم السياحية بالمدينة بعد سنوات من الإهمال، مبرزا الدور الذي لعبه ويلعبه الصالون الدولي للسياحة بقسنطينة في الترويج للسياحة بهذه المدينة التاريخية والثقافية بامتياز.

فقسنطينة يقول السيد يايسي البرلماني السابق مدينة سياحية عالمية دون مزايدة، معيبا اهتمام غالبية وكالاتها السياحية الناشطة بتنظيم رحلات العمرة فقط، دون تنشيط حقيقي للمجال السياحي بالمدينة، فالبحث عن أسواق السياح خامل يصل درجة الركود، وأفواج السياح التي تزور قسنطينة في غالبيتها تزور قسنطينة ضمن برنامج زيارات منظم لوكالات سياحية من خارج الولاية أغلبها من العاصمة تجوب عديد مناطق الوطن، وقسنطينة نقطة ضمن البرنامج، مشيرا أنه بات من الضروري توطئة وتهيئة أرضية سميكة للسياحة بقسنطينة، ليس بتنظيف المعالم فهذا حسبه عمل يومي، بل بضرورة مواكبة ما يفرضه التسويق السياحي من مرافق مصاحبة لهذا النشاط، وتكوين لمرشدين مؤهلين إلماما واسعا باللغات الأجنبية وثقافة وتاريخ المدينة، وهو ما إن وجد سيكون استثمارا حقيقيا يحقق عائدات للدولة بالعملة الصعبة خارج مداخيل المحروقات سيرتقي ليكون منافسا لها كمدخول إن اعتني به، مبرزا أن الإرادة السياسية في أعلى الهرم متوفرة لذلك بما ضمنته التزامات السيد رئيس الجمهورية ضمن برنامجه الانتخابي ويحتاج لتجسيد في ما دون ذلك من المستويات وخصوصا المحلي.

ودون بخس لمجهودات السلطات المحلية في إعادة تهيئة وتأهيل لبعض المعالم السياحية، إلا أن البعض الآخر لا يزال لحد الساعة مهملا وينتظر التفاتة جادة ليكون مقصدا ومزارا سياحيا بقسنطينة مثل درب السياح ودار الإبداع بالطريق الجديدة، التي من المفروض أنها متحف يجمع ثقافة المدينة بما تزخر به من مختلف الحرف والفنون التي تشكل تراثا عالميا إن وجد العناية ومن ينفض الغبار على الجوهرة المكنونة، التي نجحت وبشكل فردي مهندسة معمارية بقسنطينة تدعى بوعبلو أسماء في أن تجعل جزءا من منزلها متحفا ومعرضا أطلقت عليه دار بلدي أصبح مقصدا أو محجا للمهتمين بثقافة المدينة والوطن عموما، يجسّد الجهود المبذولة لترقية الثقافة والسياحة وهو مثال يحتذى به من طرف الناشطين في هذا المجال بعيدا عن مسمى ننتظر الدعم من أجل النشاط.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here