العلاقات الجزائرية ـ الفرنسية تعود لنقطة الصفر.. وزيارة تبون إلى فرنسا باتت مهددة

5
العلاقات الجزائرية ـ الفرنسية تعود لنقطة الصفر.. وزيارة تبون إلى فرنسا باتت مهددة
العلاقات الجزائرية ـ الفرنسية تعود لنقطة الصفر.. وزيارة تبون إلى فرنسا باتت مهددة

أفريقيا برس – الجزائر. لم تمض أكثر من سنة على استعادة العلاقات الجزائرية الفرنسية عافيتها، حتى انتكست من جديد، على وقع قضية لم تكن تماما في الحسبان، تتعلق بالناشطة السياسية أميرة بوراوي التي غادرت الجزائر هربا من الملاحقة القضائية، ووجدت المساعدة من السلطات الفرنسية، وهو ما اعتبرته الجزائر عملا عدائيا ينتهك سيادتها.

ردّ فعل الرئاسة الجزائرية، كان سريعا، بإعلان استدعاء سفير الجزائر في فرنسا، فورا للتشاور. وجاء في البيان أنه “في أعقاب المذكرة الرسمية التي أعربت من خلالها الجزائر عن احتجاجها بشدة على عملية الإجلاء السرية وغير القانونية لرعية جزائرية يعتبر تواجدها على التراب الوطني ضروريا بقرار من القضاء الجزائري، أمر رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، باستدعاء سفير الجزائر في فرنسا، السيد سعيد موسي، فورا للتشاور”.

وقبل ذلك، أدانت الخارجية الجزائرية بشدة عملية إجلاء رعية جزائرية، في إشارة إلى أميرة بوراوي التي لم تذكرها بالاسم. وأورد بيان الخارجية معلومات خطيرة، تفيد بتعرض السيادة الوطنية للانتهاك من قبل موظفين دبلوماسيين وقنصليين وأمنيين تابعين للدولة الفرنسية، شاركوا في عملية إجلاء سرية وغير قانونية لرعية جزائرية يعتبر تواجدها على التراب الوطني ضروريا بقرار من القضاء الجزائري. وأضافت الخارجية أنه في هذه المذكرة الرسمية، ترفض الجزائر هذا التطور “غير المقبول والذي لا يوصف” الذي يلحق “ضررا كبيرا” بالعلاقات الجزائرية- الفرنسية.

وتشبه سرعة التعاطي مع هذه الحادثة التي تحولت إلى قضية دولة، ما وقع قبل سنة ونصف، عندما استدعت الجزائر سفيرها في باريس، عنتر داود، على خلفية تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون الذي تحدث نهاية أيلول/ سبتمبر 2021، مع أحفاد المهاجرين الجزائريين سواء من الذين شاركوا في حرب التحرير أو قاتلوا بجانب فرنسا (الحركى) أو من العمال واليهود وغيرهم، مهاجما النظام الجزائري، الذي وصفه بالنظام “السياسي العسكري الذي بنى نفسه على ريع الذاكرة الاستعمارية وكراهية فرنسا”، وتحدث بسوء عن التاريخ الجزائر، مشككا في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي.

واستمرت تلك الأزمة نحو أربعة أشهر، إلى أن بدأت العلاقات تعود تدريجيا إلى طبيعتها، بعودة السفير الجزائري إلى باريس، وتبادل المكالمات الهاتفية بين الرئيسين، وصولا إلى زيارة ماكرون للجزائر في آب/ أغسطس الماضي، والتي توجت بالتوقيع على إعلان الجزائر من أجل شراكة متجددة، الذي تعهد فيه الطرفان بفتح صفحة جديدة في العلاقات تقوم على احترام السيادة وتبادل المنافع الاقتصادية وترك مسائل الذاكرة بيد المؤرخين عبر إنشاء لجنة مشتركة مخصصة لذلك.

وتأتي هذه الأزمة الجديدة في وقت كان الطرفان يحضران عن كثب لزيارة الرئيس عبد المجيد تبون في أيار/ مايو المقبل إلى باريس، وهي الزيارة التي تبدو مهددة بقوة في حال لم يتم احتواء الأزمة الجديدة، إذ لا يعقل أن يذهب الرئيس الجزائري إلى هناك وسفير البلاد لم يعد إلى منصبه.

وقد أعطى الإعلام الرسمي الجزائري، إشارات واضحة لذلك، حيث ذكرت صحيفة المجاهد الحكومية، أن الجزائريين “قد سئموا من هذه التصرفات غير الودية من قبل فرنسا”، متسائلة كيف لهذه “السياسة الفرنسية التي تتميز بالتقدم بخطوة واحدة والتراجع بعشر خطوات، أن تساعد على تهدئة النفوس، بل إنها تضفي برودة على العلاقات الثنائية وذلك قبل أسابيع من زيارة الدولة التي من المنتظر أن يقوم بها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، إلى فرنسا؟”.

وخلصت الصحيفة إلى أن هذا التصرف الذي جاء بعد عدة لقاءات واتصالات بين قيادتي البلدين، تحسبا لزيارة الدولة للرئيس تبون إلى فرنسا، قد يؤدي إلى تأزم الوضع وتعكير الجو الهادئ الذي كان يميز العلاقات بين البلدين في الآونة الأخيرة.

وفي سياق التفاعل مع الأزمة الجديدة، هاجم حزب جبهة التحرير الوطني، بشدة ما وصفه “انتهاك السيادة الوطنية من قبل جهات رسمية تابعة للدولة الفرنسية”، معتبرا أن “هذه الخطوة المستفزة، والتي نعتبرها انزلاقا خطيرا، تأتي بعد تصريحات سابقة لمسؤولين فرنسيين، أساءت للجزائر وتاريخها”، مجددا “رفضه القاطع لكل شكل من أشكال التدخل، مهما كانت طبيعتها أو مصدرها، والتي اعتاد مستعمر الأمس، وبقاياه اليوم من لوبيات وكيانات لا تخفي عداءها للجزائر، على القيام بمثل هذه التصرفات غير المسؤولة”.

واعتبر حزب الأغلبية في البرلمان الجزائري، أن ما أقدمت عليه السلطات الفرنسية “يعد تعديا صريحا مع سبق الإصرار والترصد، على دولة كاملة السيادة”، مشددا على أن “الجزائر، التي ترفض مثل هذه الممارسات، التي تعد بلطجة سياسية، ستبقى عصية على كل أعدائها بفضل فطنة ووعي ووحدة كل أبنائها وتمسكهم بكل مؤسساتهم الدستورية، وعلى رأسها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون”.

وعبّر الحزب عن استيائه وتذمره، من هذه الممارسات الاستفزازية واللامسؤولة، التي تتكرر في كل مرة، والتي تنم عن نزعة عدوانية وعدائية للجزائر، مؤكدا أن فرنسا لم تتخلص بعد من عقدتها الاستعمارية وأنها ما تزال أسيرة ماضيها البغيض، في تجاهل بائس لحقائق ثابتة، وهو أن الجزائر دولة مستقلة وسيدة، محذرا من أن هذا التصرف “من شأنه أن يدخل العلاقات بين الجزائر وفرنسا ليس فقط في حالة من الشك، إنما يطرح علامة استفهام كبرى حول جدية السلطات الفرنسية الرسمية في إقامة علاقات طبيعية بين دولتين سيدتين”.

من جانبها، ذكرت حركة البناء الوطني، المشاركة في الحكومة، أنها لن تسمح لأحد كان أن يتعرض لسيادة وطننا أو يتدخل في شؤونه الداخلية، وأكدت على ضرورة احترام مبدأ الندية ورعاية مصالح الآخر الذي بات أمرا محتوما لاستشراف مستقبل مشترك مبني على حسن الجوار واحترام إرادة الشعوب.

وأضافت الحركة: “إننا لسنا دعاة حرب أو عداوة دائمة أو محترفي مشاكل وتوترات، إنما نحن دعاة مصالح دائمة نحرص على جوار البحر الأبيض المتوسط المستقر والآمن والمزدهر، بعيدا عن اختراق السيادات. نثق أن التاريخ يعيد نفسه في من باعوا وطنهم بثمن بخس على موائد السفارات الأجنبية، وسيواجهون اليوم أو غدا لا محالة عدالة الجزائر وإرادة شعبها الحر”.

وتبدو هذه الاتهامات بالعمالة موجهة لأميرة بوراوي التي سخرت في منشوراتها على فيسبوك، من مقالات ذكرت أنها وصلت لفرنسا بمساعدة المخابرات الفرنسية، وقالت إنها لا تخجل من حملها الجواز الفرنسي، وأنها كانت مضطرة للمغادرة بسبب الملاحقات القضائية المستمرة ضدها، وأوضحت أنها تعرضت للاختطاف من قبل الأمن التونسي على الرغم من أن قاضي التحقيق أعاد لها جواز سفرها في تونس، لكنها تحفظت على ذكر الطريقة التي خرجت بها من الأراضي الجزائرية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here