تبادل التصعيد يضع العلاقات الجزائرية-الفرنسية في مأزق

1
تبادل التصعيد يضع العلاقات الجزائرية-الفرنسية في مأزق
تبادل التصعيد يضع العلاقات الجزائرية-الفرنسية في مأزق

أفريقيا برس – الجزائر. وضع تحقيق صحفي لجريدة “لوجورنال دو ديمانش” الفرنسية، الذي سينشر على حلقات، أزمة العلاقات الجزائرية-الفرنسية على خط عدم الرجوع، بعدما وجه أصابع الاتهام لشخصيات مدنية وعسكرية في هرم السلطة الجزائرية بملاحقة المعارضين في فرنسا وارتكاب أعمال منافية للأعراف الدبلوماسية. وهو ما قابلته الجزائر بخطوة جديدة تتمثل في ترحيل عدد جديد من الموظفين الدبلوماسيين الفرنسيين، مما يوحي بأن الأزمة، التي مر عليها تسعة أشهر كاملة، تتجه إلى المزيد من التعقيد واستنفاذ فرص التسوية تدريجيًا.

أعرب وزير الخارجية الفرنسية جان نويل بارو عن استياء بلاده من قرار السلطات الجزائرية القاضي بترحيل عدد من الموظفين الدبلوماسيين الفرنسيين العاملين في الآونة الأخيرة في مصالحها الدبلوماسية والقنصلية، وتوعد بالرد عليه بشكل فوري وحازم ومناسب، وهو ما يوحي إلى ترحيل فرنسا لعدد من الموظفين الدبلوماسيين الجزائريين العاملين في فرنسا.

علق رئيس الدبلوماسية الفرنسية على القرار بالقول: “قرار غير مفهوم وقاس، وأن مغادرة عناصر في مهام مؤقتة هي غير مبررة وغير قابلة للتبرير، فكما فعلتُ الشهر الماضي، سنرد بشكل فوري وحازم ومتناسب على هذا القرار الذي يمس بمصالحنا. وهو قرار مستهجن لأنه لا يصب في مصلحة الجزائر ولا في مصلحة فرنسا”، لكنه لم يتطرق إلى الأسباب التي أوردتها برقية للوكالة الرسمية، والتي شرحت فيها خلفيات الترحيل.

وكان وزير الخارجية الفرنسية قد صرح في غضون الأسبوع الماضي بأن سفير بلاده بالجزائر، ستيفان روماتي، لا يزال في باريس، وأن الوضع في حالة جمود، محملًا المسؤولية للطرف الجزائري، خاصة بعد قرارها السابق الذي تم بموجبه طرد 12 دبلوماسيًا فرنسيًا.

وذكرت مصادر فرنسية أن الأشخاص المعنيين هم موظفون في مهام إسناد مؤقتة، دون تحديد عددهم أو مهلة طردهم، بينما لم يصدر بعد أي بيان رسمي في هذا الصدد عن وزارة الخارجية الجزائرية، بل تم إعلان القرار عن طريق وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية.

صرح الناشط السياسي والجمعوي محمد هنيش لـ “أفريقيا برس” بأن “السلطة الجزائرية مطالبة الآن أكثر من أي وقت مضى بتقديم الرد اللازم والمناسب لنظيرتها في فرنسا، بعدما تحول رموزها إلى مصدر اتهام صريح من طرف صحيفة محلية، بالضلوع في عمليات ملاحقة للمعارضين السياسيين، وانتهاك الأعراف الدبلوماسية”.

وأضاف: “ما جاء في صحيفة (لوجورنال دو ديمانش) هو انزلاق غير مسبوق وإساءة كبيرة لمسؤولين سامين في الدولة، على رأسهم رئيس الجمهورية وقيادات عليا في مؤسستي الجيش والاستخبارات، وذلك من شأنه أن يعيق الفرص النادرة المتبقية لتطبيع العلاقات، لأن المسألة الآن تتعلق بالقيادة السياسية للبلاد”.

وأوردت صحيفة “لوجورنال دو ديمانش” الفرنسية تقريرًا يتضمن معلومات في غاية الخطورة، حصلت عليها حسب معد التحقيق الصحافي الفرانكوجزائري محمد سيفاوي، من مصادر مسؤولة في باريس والجزائر، ومن تقارير استخباراتية وأمنية سرية ووثائق إدارية، حول ضلوع شخصيات في هرم السلطة الجزائرية، أوعزوا إلى عناصرهم في فرنسا لملاحقة المعارضين السياسيين والمدونين المستقلين.

وأشارت إلى وقوف شخصيات مسؤولة في هرم السلطة، بما في ذلك رئاسة الجمهورية وقيادة جهاز الاستخبارات، وذكرت بالاسم “الرئيس عبدالمجيد تبون، مدير ديوان الرئاسة بوعلام بوعلام، واللواء جبار مهنا الذي كان يقود دائرة الأمن الخارجي سابقًا، ومساعدة العقيد عثمان، ومدير الأمن الخارجي حاليًا اللواء رشدي فتحي موساوي”، وراء عمليات ملاحقة ومحاولات اختطاف وحجز، وهو ما يعتبر انتهاكًا صريحًا لأعراف العمل الدبلوماسي الرسمي.

ويرى في هذا الشأن الناشط السياسي محمد هنيش أن “المصادر والتقارير السرية والوثائق الرسمية توحي إلى أن المسألة محبوكة بشكل جيد بين الصحيفة المنتمية لتيار اليمين المتطرف، وبين دوائر القرار الفرنسي، التي زودتها بمعطيات قد تدخل في خانة معاملات الدول ولا يمكن تسريبها لوسائل الإعلام إلا لحاجة في نفس يعقوب”.

وكانت قضية اختطاف واحتجاز المدون الجزائري المعارض، الحاصل على صفة اللجوء السياسي في فرنسا أمير بوخرص (أمير دي زاد)، قد منحت جرعة إضافية للأزمة المتفاقمة، بعدما تم فتح الملف مجددًا، وتوقيف ثلاثة أشخاص تم سجنهم على ذمة التحقيق، اثنان منهم يحملان الجنسية المزدوجة، والثالث موظف في قنصلية جزائرية بباريس.

وذكر التحقيق أن “التحقيق والمعلومات المتوفرة لديها أفضت إلى تورط السلطة العليا في البلاد في مخطط ملاحقة الناشطين ومحاولات التصفية التي استهدفت أمير بوخرص، عبد الرحمن سمار، وهشام عبود، وتعبئة أعيانها لإجهاض الحركات الاحتجاجية المناهضة لها بواسطة التهديد والعنف”.

ولفت إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سبق له أن طلب رفع الغطاء الدبلوماسي عن بعض الموظفين في السفارة والقنصليات لفتح المجال أمام القضاء للتعاطي مع الشبهات التي تطالهم، وأن سكرتيرًا أول في السفارة الجزائرية بباريس، ونائب قنصل ضاحية كريتاي الباريسية، ضالعان في الملف ويستوجب التحقيق معهما لتفكيك فصول القضية.

ويعرف الصحافي الفرانكوجزائري الذي أعد التقرير محمد سيفاوي، بمواقفه المعارضة للسلطة، والمناهضة لقيم وثوابت يتبناها قطاع عريض من أفراد الجالية الجزائرية في فرنسا، ويعد واحدًا من تيار سياسي وأيديولوجي متطرف، كما هو الشأن بالنسبة لبوعلام صنصال، وكمال داود، بما في ذلك التضييق على الممارسات الدينية للمسلمين، والتشدد في فرض الاندماج الكلي على المهاجرين.

وتلتزم السلطات الجزائرية الصمت لحد الآن، فلم يصدر عنها أي تعليق أو موقف صريح من الجهات المختصة تجاه المساس برموزها في هرم القيادة السياسية والعسكرية، لكن متابعين لتطورات الأزمة يرون أن الاتهامات المذكورة هي التي ستقطع أي أمل في تطويق التصعيد بين البلدين، ولا يستبعد أن تكون بداية القطيعة.

ذكرت برقية لوكالة الأنباء الرسمية أنه تم إبلاغ القائم بأعمال السفارة الفرنسية لدى استدعائه من طرف وزارة الخارجية، بأنه “خلال الفترة الأخيرة، رصدت المصالح المختصة تعيين ما لا يقل عن خمسة عشر موظفًا فرنسيًا لمباشرة مهام دبلوماسية أو قنصلية فوق التراب الجزائري، دون أن تستوفى بشأنهم الإجراءات الواجبة، المتمثلة في الإبلاغ الرسمي المسبق أو طلب الاعتماد، كما تقتضيه الأعراف والاتفاقيات الدولية ذات الصلة”.

وأضافت: “هؤلاء الموظفون الذين كانوا في السابق يحملون جوازات سفر لمهمة، قد أُسندت إليهم جوازات سفر دبلوماسية قصد تسهيل دخولهم إلى الجزائر. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن القائمة ذاتها ضمت موظفين اثنين تابعين لوزارة الداخلية الفرنسية، كان يعتزم أن يعملا على تأدية جزء من مهام من تم إعلانهم مؤخرًا أشخاصًا غير مرغوب فيهم”.

لفتت إلى أن هذه الممارسات المخالفة جاءت في ظرف تشهد فيه العلاقات الثنائية عراقيل أخرى، تمثلت، من جهة، في رفض متكرر لدخول حاملي جوازات السفر الدبلوماسية الجزائرية إلى الأراضي الفرنسية، ومن جهة أخرى، في تعطيل مسار اعتماد قنصلين عامين جزائريين معينين بباريس ومرسيليا، إلى جانب سبعة قناصل آخرين، الذين لا يزالون في انتظار استكمال إجراءات اعتمادهم منذ أكثر من خمسة أشهر.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here