أفريقيا برس – الجزائر. حافظت أحزاب السلطة في الجزائر، على مواقعها في مجلس الأمة، بعد انتخابات التجديد النصفي، التي وضعت جبهة التحرير الوطني في الصدارة، ثم التجمع الوطني الديمقراطي وجبهة المستقبل، بينما تتطلع الأنظار الى هوية الشخصية التي تخلف صالح قوجيل في رئاسة الهيئة، لاسيما في ظل التسريبات التي تتحدث عن تعيين رئيس الحكومة والوزير والمستشار الرئاسي السابق عبد العزيز بلخادم، ليكون الرجل الثاني في السلطة بموجب الدستور، بما في ذلك من دلالات وايحاءات عن شكل ومستقبل السلطة خلال السنوات القادمة.
غاب عنصر المفاجأة عن نتائج انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة الجزائري، (الغرفة الثانية للبرلمان)، وجاءت متماهية مع الحضور الحزبي على مستوى المجالس المحلية والولائية التي ينتخب منتسبوها أعضاء الهيئة، حيث حافظت جبهة التحرير المستحوذة على أغلبية المجالس المحلية، على صدارة النتائج وتلاها التجمع الوطني الديمقراطي وجبهة المستقبل.
ولم تحصل الأحزاب المحسوبة على المعارضة كجبهة القوى الاشتراكية وحركة مجتمع السلم، الا على ثلاثة مقاعد فقط، بينما تراجع المستقلون بشكل لافت بحصيلة لم تتعد الستة مقاعد، وهو ما لا يعكس تصنيفهم كقوة ثالثة في البرلمان والمجالس المحلية، الأمر الذي يشي الى استفادة أحزاب السلطة من النصوص التشريعية التي وضعتها السلطة، والتي حظرت التجوال السياسي وتحديد العمل النيابي في ولايتين فقط.
وتتوجه الأنظار الى هوية رئيس الهيئة الذي سيخلف صالح قوجيل (95 عاما)، حيث تتضارب التسريبات بين عودة رئيس الحكومة والوزير والمستشار الرئاسي، والأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني عبدالعزيز بلخادم، في اطار توازنات جديدة بين أقطاب السلطة، وبين رجل القانون والعضو في مجلس الأمة حاليا عن الثلث الرئاسي قدور براجع.
ويعزى الاهتمام الى ثقل وأهمية المنصب في تركيبة السلطة، فهو الرجل الثاني في الدولة بموجب الدستور، الذي يخوله شغل منصب رئيس الجمهورية في حالة الشغور القسري، فضلا على أنه يمثل علبة توازن بين المصالح العليا للدولة، وبين التجاذبات السياسية الداخلية، ولذلك جاء استحداث الغرفة في منتصف تسعينيات القرن الماضي كمصفاة للتشريعات التي تصدر عن الغرفة الأولى.
وقال مصدر مطلع، لـ “افريقيا برس”، بأن “انتخابات التجديد النصفي عادة ما تكون امتدادا للحضور السياسي الذي تفرزه الانتخابات المحلية، ولذلك فهي تعتبر انعكسا طبيعيا للقوى السياسية المهيمنة عليها، على اعتبار أن أعضاءها هم الذين ينتخبون أعضاء الغرفة، وتفاديا لأي خروج عن أوتار السلطة، خوّل الدستور صلاحية تعيين أعضاء ما يعرف بالثلث الرئاسي، والذي يكون عادة تكريما لكوادر السلطة المخلصين والمحافظين على مصالحها”.
وأضاف: “أهمية الاستحقاق تكمن في هوية الشخصية التي تترأس الغرفة، بموجب الصلاحيات التي يخولها إياها الدستور، فضلا على أن الحالة السياسية السائدة تضع الرئيس الجديد للهيئة، في ثوب الشخصية السياسية المؤهلة لخلافة رئيس الجمهورية الحالي عبدالمجيد تبون، في قصر المرادية العام 2029، خاصة في ظل شح الرصيد البشري والحزبي للسلطة للاستمرار في مواقعها، فعادة ما كان يجري تحضير هؤلاء سنوات قبل الاستحقاق، وهو غير متاح حاليا”.
وجرت انتخابات التجديد الجزئي لمجلس الأمة، لاختيار 58 عضوا جديدا، (عدد محافظات الجمهورية) الواجب تمثيلها في الغرفة التشريعية الثانية للبرلمان، وهو الاستحقاق الذي خاضه 426 مرشحا ينتمون إلى 20 حزبا سياسيا و177 مرشحا مستقلا، وهو ما يبرز طبيعة المنافسة القوية على منصب “السيناتور”.
ويرى المحلل السياسي عمر براس، بأن “انتخابات التجديد الجزئي لمجلس الأمة، هو استحقاق لا يحمل أي مؤشر على التغيير داخل دواليب السلطة، لكن تزامن شغور منصبه بعد رفض المحكمة الدستورية التجديد لرئيسه الحالي صالح قوجيل، مع حاجة السلطة لتحضير خليفة الرئيس تبون في الموعد الرئاسي القادم، يعطي أهمية هوية الرئيس الجديد للهيئة، الذي يرجح أن يكون وجه السلطة القادم في اطار التداول الهادئ”.
وأضاف، لـ “افريقيا برس”، بأن “تردد أكثر من اسم بخلفيات سياسية ومهنية ثرية، تعكس حجم الاهتمام الذي توليه دوائر صنع القرار، ليكون رئيس مجلس الأمة القادم مصدر أمان واستمرار للسلطة، وحتى مرشحها للاستمرار في قصر المرادية، خاصة في ظل التصحر الذي يميز المشهد السياسي في البلاد، حيث لم تبرز أي شخصية سواء في صفوف المعارضة أو السلطة لتكون الخطة البديلة أو التي تخلف الرئيس تبون”.
وتتداول دوائر ضيقة بالجزائر اسمين بارزين، لخلافة صالح قوجيل، وهما عبدالعزيز بلخادم، وقدور براجع، وكلاهما شخصيتين مخضرمتين، ولهما رصيد سياسي ومهني ثري، فالأول يعد من وجوه الحقبة البوتفليقية، حيث شغل عدة مناصب سامية في الحكومة، فضلا عن الأمانة العامة لجبهة التحرير الوطني، فضلا على أنه ظل بعيدا عن لوبيات المال والسياسة التي أدارت البلاد على مدار عقدين كاملين.
ويقول أنصاره، بأن بلخادم، فضلا على أنه لم يتورط في ملفات الفساد المالي والسياسي التي ميزت حقبة الرئيس الراحل بوتفليقة، انتهى به المطاف مغضوبا عليه من طرف محيطه، حيث صدر في حقه قرار خلال السنوات الأخيرة من حكم بوتفليقة، مفاده “عدم ممارسة أو شغل أي منصب رسمي أو سياسي في البلاد”، بعد خلاف صامت نشب بينهما.
بينما يعد قدور براجع، احدى الشخصيات القانونية، التي شغلت عدة مناصب قضائية، أبرزها المحكمة العليا (أعلى هيئة قضائية في البلاد)، وتم تعيينه العام 2022 من طرف الرئيس تبون، ضمن الثلث الرئاسي في مجلس الأمة، وهو ما يؤهله للسباق عن المنصب، ولو أن القرار يعود في نهاية المطاف الى استقرار دوائر القرار الفعلي على واحد منهما.
وكانت عدة شخصيات محسوبة على المرحلة البوتفليقة، قد سجلت ظهورا متصاعدا أمام الرأي العام في الآونة، سواء عبر التصريحات الإعلامية، أو الفعاليات الجانبية، الأمر الذي طرح الفرضية المذكورة منذ عدة أشهر، لما ظهر عبد العزيز بلخادم، ضمن الشخصيات الرسمية التي تمت دعوتها لحفل تنصيب رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون، لولاية رئاسية ثانية في شهر سبتمبر الماضي.
ويبدو أن السلطة الفعلية في الجزائر، ترجح ورقة عبدالعزيز بلخادم، كشخصية مخضرمة عانت في سنواتها الأخيرة، من تهميش واقصاء محيط الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، وتملك قبولا معتبرا لدى قواعد الحزب (جبهة التحرير الوطني)، ولدى الشارع الجزائري.
ويرى متابعون للشأن الجزائري، بأن عودة بلخادم، تشكل تطبيعا بين أركان النظام السياسي القائم في البلاد، حيث تتكرس رسكلة الوجوه غير المتورطة في ملفات الفساد المالي والسياسي واستعادتها لأداء دورها في المشهد السياسي، بينما يتم القطع كلية مع المتورطين في الفساد، وآخرهم الوزيرعبدالقادر خمري، الذي يتابعه القضاء المحلي في ملف فساد طالت قطاع الشباب، تورط فيه الى جانب العشرات من العاملين معه آنذاك.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس