حتى لا نكرّر “سيناريوهات “سابقة “فاسدة”

4
حتى لا نكرّر
حتى لا نكرّر "سيناريوهات "سابقة "فاسدة"

أفريقيا برس – الجزائر. منذ انتخابه رئيساً للجمهورية، لم يتوقف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون عن التأكيد على أن مستقبل الدولة الجزائرية يمر عبر تعزيز الديمقراطية الحقة، ليس فقط في بعدها التمثيلي المرتبط بالانتخابات، بل من خلال إرساء مقومات الديمقراطية التشاركية؛ بـ “إقحام” المواطن بشكل فعلي في صناعة القرار المحلي وتسيير شؤونه.

وقد تجسد هذا التوجه في تعليمات مباشرة وجّهها رئيس الجمهورية للسلطات العمومية، ما دفع وزارة الداخلية إلى إطلاق ما سُمّي بـ “الإستراتيجية الوطنية لترقية الديمقراطية التشاركية على المستوى المحلي”، في محاولة لبناء مقاربة جديدة في إدارة الشأن العام.

فهل ستكون هذه المبادرة قادرة حقاً على تجنّب أخطاء الماضي؟ وما الذي يتطلبه الأمر من أجل نجاحها؟ وهل يتقبّل المنتخبون المحليون، وحتى الإدارة التنفيذية الولائية، وجود كيانات شفافة تشاركهم التسيير؟

شدّد وزير الداخلية، إبراهيم مرّاد، في أكثر من سانحة، على أن هذه المبادرة ليست مجرد شعار سياسي، وإنما خطوة فعلية نحو تكريس الحكم الرشيد، وحوكمة تسيير الشأن المحلي، عبر فتح قنوات حوار وتشاور بين الإدارة، والمنتخبين، والمجتمع المدني.

وقال الوزير بأن “الدولة سائرة بخطى عازمة وثابتة على درب الديمقراطية الحقة”، وأن “هذه المقاربة التشاركية ستجد طريقها إلى النصوص القانونية من خلال مراجعة قوانين البلدية والولاية بما يحدد صلاحيات الأطراف المختلفة ويعطي للمواطن مكانة فعلية في مراقبة السياسات المحلية وصياغتها”.

غير أن الرهان الحقيقي، مثلما يؤكد عليه مختصون في الحوكمة، لا يكمن في “الإعلان عن الإستراتيجية”؛ بقدر ما يرتبط بمدى استعداد المنتخبين المحليين والجهاز التنفيذي على مستوى الولايات لتقبل وجود “كيانات” تشاركهم سلطة القرار؛ فالمجالس الشعبية البلدية والولائية اعتادت على “احتكار” صلاحيات التسيير والتدبير و”التفكير”، وقد ينظر بعض المنتخبين بعين الشك إلى هياكل جديدة تفرض عليهم رقابة إضافية أو تقاسم المسؤولية.

في المقابل، هناك من يعتبر أن هذه الشراكة يمكن أن تشكل فرصة للمنتخبين لتعزيز شرعيتهم وتقوية جسور الثقة مع المواطن، خاصة في ظل حالة العزوف السياسي وتراجع الثقة التي طبعت المشهد المحلي خلال السنوات الماضية.

أظهرت تجارب سابقة، على غرار برنامج “كابدال”، أن فكرة “التشاركية” ممكنة وفاعلة عندما تتوفر شروط الدعم المالي والتأطير القانوني والشفافية، غير أن غياب الاستمرارية وعدم وضوح الصلاحيات جعلها محدودة الأثر في كثير من البلديات. لذلك، يؤكد أساتذة الاختصاص في قضايا الحكامة والإدارة المحلية، أن ما يميز المرحلة الحالية هو وجود إطار دستوري وتشريعي مستجد يضمن للمجتمع المدني والشباب فضاءات دائمة للعمل والمساءلة، مثل المرصد الوطني للمجتمع المدني، والمجلس الأعلى للشباب، ما يفتح المجال أمام صيغة أكثر جدية من تلك التي عرفتها البلاد سابقاً، خاصة في عهد الرئيس السابق، عندما استحوذت “جمعية”، تقول بأنها تتابع تنفيذ “برنامج رئيس الجمهورية”، حتى على صلاحيات الولاة وراح أعضاؤها يسيّرون و”يستبيحون” المال العام وعقارات الدولة وغيرها من التجاوزات، تبين للشعب فيما بعد مآلات هؤلاء.

إلى ذلك، تبقى مسألة الثقافة السياسية للمواطن عاملا “جوهريا” لنجاح التجربة؛ فالديمقراطية التشاركية لا تُبنى فقط من خلال النصوص والقرارات، بل تحتاج إلى وعي شعبي يترجم إلى مبادرة، واقتراح، ومتابعة يومية. وهنا يبرز دور الجمعيات المحلية والفاعلين في المجتمع المدني، “الحقيقيين” الغيورين على بلدياتهم، إذ إن حضورهم القوي والفاعل هو ما سيحول المبادرة من مجرد شعار إداري إلى ممارسة حقيقية على الأرض.

وبين الطموح السياسي والرهانات الميدانية، الظاهر أن البلاد تسير إلى مرحلة اختبار حقيقية لمفهوم الديمقراطية التشاركية في تسيير الجماعات المحلية، وسيعني نجاح التجربة ترسيخ علاقة جديدة بين المواطن والدولة تقوم على الثقة والمساءلة، أما فشلها فسيعيد إنتاج الأخطاء السابقة نفسها ويُغذي شعور الإحباط والقطيعة.

وبين هذا وذاك، تبقى الإرادة السياسية، ووضوح القوانين، وتقبّل المنتخبين والإدارة للشراكة، العوامل الحاسمة في رسم ملامح المستقبل.

المنتظر

وينتظر من هذه الخطوة التي جاءت تحت مسمى “التشاركية”، إضفاء شرعية أكبر على مشاركة المواطن من خلا إنشاء هيئات تشاركية محلية، تمكّن المواطنين من التعبير عن آرائهم، والمساهمة في تقييم السياسات، وإبداء المقترحات، ومراقبة الأداء المحلي، ما من شأنه أن يعزز شعور الانتماء والشفافية.

التحديات و”مقاومة” منتظرة من “الخلايا النائمة”

الأكيد أن كل مبادرة أو برنامج أو إستراتيجية يتم الإعلان عنها، أضحت تقابلها “مقاومة” من “الخلايا النائمة”، و”الخلايا الحيّة” أيضا، والأكيد أيضا أن بعض المنتخبين قد يرون في الكيانات التشاركية منافساً لسلطتهم، أو قد يخشون فقدان الزخم الحصري في اتخاذ القرار والاستفادة من الريع، وقد يكون هناك تردد في مشاركة الصلاحيات أو فتح أبواب جديدة للمساءلة.

ويبقى التحدي الأكبر ليس في المبدأ، بل في التطبيق وخلق آليات فعّالة تشتمل مشاركة حقيقية، وتوزيع سلطة، وضمانات قانونية ومالية.

المصدر: الخبر

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here