أفريقيا برس – الجزائر. تعتبر التحاليل الطبية حلقة أساسية في المنظومة الصحية لتشخيص مختلف الأمراض والوقاية منها، غير أنها تواجه العديد من التحديات من حيث المحافظة على مستويات الجودة ومواكبة التطورات التكنولوجية، في ظل عدم مراجعة نسب التعويض وعدم تحيين الرزنامة الوطنية لها، ما أنهك جيوب المرضى وجعل المهنيين في مواجهات يومية لشكاوى الغلاء، حيث يبقى التعويض رمزيا لا يكاد يرى له أثر.
وفي هذا السّياق، أكّد الدكتور ياسين ميزي أوعلاوة رئيس النقابة الجزائرية لمخابر التحاليل الطبية “سلام”، على هامش أيام “سلام” المنعقدة بفندق “الأوراسي” بمشاركة حوالي 450 مشارك، أنّ تخصص التحاليل البيولوجية يواجه عدّة تحديات أهمها توفير الجودة ومسايرة المستجدات العصرية في القطاع بما يضمن له الاستمرارية ويساعد المريض والطبيب الجزائري على تشخيص الأمراض بدقة وهذا ما يتأتّى بواسطة اقتناء عتاد جديد وتكنولوجية عالية، خاصة أن التكنولوجية في البيولوجية الطبية متسارعة جدا وزادت بشكل لافت مع موجة كورونا أين دخل على الخط آلات جديدة وكواشف جديدة وهنالك بعض آلالات التي تم اقتناؤها خلال الجائحة للكشف عن الفيروس غير أنها تبقى صالحة للكشف عن أمراض أخرى مثل تشخيص السرطان والعدوى فيروسية أو البكتيرية الأخرى وبالتالي يمكن توظيف تلك الآلات في تحاليل أخرى.
الاستثمار في التكنولوجيات الدقيقة يضمن الجودة
وقصد توسيع مجال انتشار المعلومة تم برمجة العديد من المداخلات والمحاضرات خلال “أيام سلام” في هذا السياق تتعلق بالعدوى الفيروسية والأمراض ذات الانتشار بالعلاقات الجنسية وأخرى حول تحاليل وتقنيات مستعملة في طب المساعدة على الإنجاب وأخرى عن الكشف عن أمراض السرطان، بالإضافة إلى محاضرتين عن معايير مراقبة ومتابعة الجودة والذهاب نحو اعتماد النوعية، فالعقد الأخلاقي الذي يربط الطبيب البيولوجي مع المريض يستوجب تقديم تحاليل ذات جودة ومصداقية.
وبالموازاة دعا ميزي أوعلاوة إلى ضرورة توفير ظروف ممارسة صحية بعيدا عن المنافسة غير الأخلاقية وغير الشرعية تسمح للمخبر البيولوجي بالاستثمار والذهاب نحو الجودة، كما ركّز على أهمية وجود سياسة أسعار لاتهدف إلى خفض الأسعار فقط وإنّما إلى وجود السعر الأنسب لتوفير الجودة، و”بالموازاة، يجب مرافقة المواطن والمريض خاصة من خلال اعتماد سياسة تعويض، فتخفيض السعر دون مرافقة سيكون على حساب الجودة، وهذا ما لمسناه جليا خلال جائحة “كورونا” فسياسة الأسعار نحو الأسفل ليست سياسة وجيهة في جزائر 2023 ومن غير المعقول أن يتم تعويض الأدوية بشكل جيّد بينما التحاليل الطبية التي تعد أساس العلاج غير معوضة إلا بشكل ضئيل جدا ورمزي”.
تعويض المرضى بـ”دنانير” عن تحاليل بالملايين
وقال ميزي أوعلاوة، إنّ المرضى المزمنون ملزمون بإجراء كشف كامل للتحاليل الطبية كل 3 أشهر وهو ما تفوق تكلفته 15 ألف دج تثقل كاهل المريض الجزائري وهي تفوق ذلك بكثير بالنسبة لمرضى السرطان الذين ينفقون أموالا باهظة في التحاليل دون تعويضها أو مقابل تعويض رمزي جدا، ناهيك عن بقية المرضى أو النساء الحوامل أو بعض الأمراض الصعبة التشخيص التي تتطلب تحليلا عديدة.
ولفت رئيس نقابة “سلام” الانتباه إلى أنّ أبسط حصيلة لتحاليل طبية روتينية يتراوح ثمنها بين 5 آلاف دج و10 آلاف دج وهذا تحليل يطلب على الأقل مرة في العام بالنسبة للأشخاص الأصحاء لاكتشاف الأمراض في وقتها وتقليل التكاليف الطبية وتعقيداتها، متسائلا كيف يمكن للمواطن الحرص على إجرائه في غياب التعويض وكيف يمكن لنا ضمان الوقاية في هذه الحالة.
وأضاف المتحدث: “نطالب كنقابة جزائرية لمخابر التحاليل الطبية الوصاية والمصالح المختصة بالتدخل لوضع حد لهذه الأعباء المكلفة والمرهقة للمرضى ومسايرة تطورات صحية وتعويضية تتماشى مع المستجدات والمرور قدما نحو سياسة الجودة وتحيين المعلومات ومسايرة التطور وعقلنة الأسعار”.
وقال ميزي: “يمكننا مطالبة المخابر بتخفيض الأسعار لكن لا يجب أن يكون ذلك على حساب مستويات الجودة، فالتكنولوجيا المتطورة أيضا لها تكلفتها، ويجب دوما إيجاد توازن بين الجودة والسعر، ويجب أن نعلم أيضا أنّ مخبر التحاليل الطبية مؤسسة اقتصادية لديها مستخدمين وتسدد ضرائب وهي مؤسسة اقتصادية بأتم معنى الكلمة وإذا لم تكن مربحة لا يمكن توفير الاستمرارية لها”.
مطالب بتحيين رزنامة التحاليل الطبية
وتأسّف ميزي أوعلاوة لعدم تحيين رزنامة التحاليل الطبية التي تعود إلى السبعينيات، كما أنّ السعر المرجعي لا يزال، بحسبه، في حدود 2 دج وهو ما يفسر التعويض الضئيل جدا الذي يتلقاه المريض نظير تحاليله الطبية التي تناهز الملايين، مستشهدا بتحليل الكشف عن نسبة السكر في الدم الذي يبلغ ثمنه بين 1500 دج و2000دج غير أنّ سعره المرجعي لا يزال في حدود 30 دج ويقاس على ذلك تحاليل طبية بمليون ونصف تعوض بأقل من ألف دج.
وفي السّياق، تحدّث البيولوجي النقابي عن “إمكانية إسقاط عديد السياسات المعمول بها في مجال الدواء والفحوصات الطبية على مجال التحاليل الطبية من خلال المبادرة إلى إبرام تعاقدات مع المخابر على غرار التعاقدات الحاصلة مع الصيدليات ومراكز تصفية الدم وبعض العيادات الطبية والجراحية، فكل هذا المسار لا يمكن أن يكون في غياب تحاليل طبية مطلوبة من قبل الأطباء وغير متوفرة في غالبيتها في المستشفيات، خاصة في الحالات الاستعجالية التي تستقبل عيناتها المخابر الخاصة لتجد هذه الاخيرة نفسها منغمسة في التحليل الاستعجالي الذي يدفع ثمنه المريض من جيبه رغم أنه متكفل به على مستوى القطاع العمومي”.
وفي سياق ذي صلة، دعا ميزي أوعلاوة إلى عقلنة الأطباء في وصف التحاليل الطبية وتفادي الإفراط في ذلك وهي أمور يقنّنها الضمان الاجتماعي، مثلما هو الحال عليه بالنسبة للأدوية المقنن وصفها وفق ضوابط معينة وكذا وجود سعر مرجعي وعليه يجب على الضمان الاجتماعي التدخل من أجل تحديد هذه الجوانب وفق المستجدات الحاصلة.
70 بالمائة من القرارات العلاجية ترتكز على التحاليل الطبية
وأشار ميزي أوعلاوة إلى أنّ “المهنيين في قطاع التحاليل البيولوجية يطالبون بمراجعة تعويض التحاليل الطبية منذ سنوات، غير أن المسؤولين المتعاقبين لم يأخذوا الأمر بعين الاعتبار فالجميع ينظر إلى التحاليل الطبية على أنّها اختصاص غير مهم.
وألح ياسين ميزي أوعلاوة على أهمية تغيير النظرة العامة عن التحاليل الطبية ومنحها المكانة اللازمة لها في المنظومة الصحية، كاشفا عن دراسة حديثة تشير إلى أنّ 70 بالمائة من القرارات العلاجية والإكلينيكية تبدأ من التحاليل الطبية، وعليه إذا كانت التحاليل الطبية خاطئة أو غير مطابقة فسيجد المريض نفسه في وضعية علاجية خاطئة يتحمل تبعاتها سنوات عديدة في اتباع علاج خاطئ، فالتحاليل الطبية والأشعة هي القاعدة التقنية للبروتوكولات العلاجية، كما أنّ طبيب اليوم ليس مثل طبيب الثلاثينيات ويجب أن يتأكد من التشخيص قبل وضع العلاج من خلال تحاليل وأشعة تؤكد فرضياته ويقدم على إثرها العلاج المناسب، ناهيك عن المخاطر الصحية الفيروسية المستجدة.
تحاليل الحمل والكشف عن الأمراض المزمنة تتصدر القائمة
وبخصوص أكثر التحاليل الطبية المطلوبة من قبل الجزائريين أوضح رئيس نقابة “سلام”، أنّها تواكب أكثر الأمراض انتشارا ومنها تحاليل الكشف عن نسبة السكري في الدم وتحاليل مستوى الدهون في الدم وكل ما يمس الأيض، فقر الدم والآن نتجه نحو تحاليل الهرمونات الغدة الدرقية والمرأة الحامل حيث تتجاوز تحاليل الحامل 50 بالمائة من التحاليل التي تجرى في المخابر والأمراض المزمنة وهنالك أيضا تحاليل تخص الكشف عن مشاكل العجز عن الإنجاب عند الرجال والنساء حيث تحول العقم إلى مشكل حقيقي لدى الأزواج الجدد، ناهيك عن تحاليل خاصة بمرض السرطان الذي تفشى بشكل كبير جدا، وهي تحاليل في الغالب غير متوفرة في المستشفيات.
المنافسة غير الشرعية تؤثر سلبا على مهنة التحليل الطبي
بدوره، أفاد عادل عقون نائب رئيس النقابة الجزائرية لمخابر التحاليل الطبية، بأن المنافسة غير الشرعية تؤثر بشكل سلبي على مهنة التحليل الطبي مؤكدا توجيه مراسلات عديدة لوزارة الصحة لمناقشة الأمر ناهز عددها 12 طلبا دون جدوى، حيث قال: “نرغب في إسماع صوت المهنيين للسلطات الوصية والخروج من هذه الممارسات غير النزيهة التي تضر بالمهنة وتعرضها للتهديد وتشكك في مصداقيتها”.
ويدعو عقون عادل إلى الحرص على العمل بأجهزة معترف بها عالميا فهنالك معايير جد صارمة ولا يمكن لأي مورد بيع أي جهاز دون مطابقته للمواصفات والمقاييس العالمية، وهذا في ظل التطور العلمي الحاصل.
واستشهد عقون ببعض التقنيات الجديدة المستعملة في مجال الكشف عن “خضاب الدم الغلوكوزي” أو ما يعرف بـ”الهيموغلوبين غليكي” منها “آش بي آل سي” التي تتطلب جهازا غاليا وتقنية فعالة تقدم نتائج أفضل جودة وسرعة وعليه عندما نفرض المقاييس العالمية المتطورة في مجال التحاليل الطبية فإننا بطريقة غير مباشرة سنمنع الممارسة غير القانونية لأنّ “النوعية يدفع ثمنها” ولن يكون هنالك مجال للأسعار المتباينة كثيرا.
وأضاف عقون: “نحن كمخابر معتمدة نسعى لمواكبة التطور في أحدث الأجهزة ولدينا الكفاءات العلمية والتقنية والأجهزة التي نستعملها في الجزائر هي نفسها المستعملة في العديد من الدول المتطورة في العالم وتقدّم تشخيصا أدق من تلك القديمة أو التي تستعمل الكواشف الرخيصة”، حيث وجه نداء إلى المواطن من أجل التحري الدقيق لأفضل مخابر التحليل وأجودها والابتعاد عن الصيدليات أو العيادات التي تقدمها والتي قد لا تحوز أحدث التقنيات أو حتى ترخيصا بالنشاط.
أكثر من 60 بالمائة من تحليل مرضى السرطان تتم في المخابر الخاصة
من جانبها، أفادت حميدة كتاب، الأمينة العامة لجمعية “الأمل” لمساعدة مرضى السرطان، أنّ مسألة التكاليف الباهظة للتحاليل الطبية للمرضى تعد مشكلا كبيرا، بالنظر إلى النسبة الضئيلة جدا لمبلغ التعويض الذي لم يراجع منذ سنوات عديدة.
وأضافت كتّاب حميدة أنّ التحاليل الطبية ضرورية وأساسية في المسار العلاجي لمريض السرطان خاصة في المرحلة الأولى لتقرير نوع العلاج الذي سيتّبعه الطبيب مع المريض وهذه الفحوصات الاستكشافية أغلبها ترتكز على التحاليل وفي أغلب الأحيان الكثير منها لا نجدها في المستشفيات على مستوى ولايات الوطن وبعض الكواشف أيضا غير متوفّرة.
وأكّدت الأمينة العامة لجمعية “الأمل”، أنّ 60 بالمائة من التحاليل تقريبا يجريها مريض السرطان في القطاع الخاص وبإمكانياته الخاصة إما لعدم توفرها أو تأخر مواعيد إجرائها ما لا يخدم الوضع الصحي للمريض أو وجود فئة غير مؤمنة وهذا عبء كبير وحتى الفئة المؤمنة فإنّ التعويض يكاد يكون منعدما.
وينفق المرضى، بحسب كتّاب، مبالغ كبيرة لا يستطيعون تسديدها تتراوح بين 20 ألف دج و50 ألف دج، تعويضها لا يتعدى بضعة دنانير، وهذا بالنسبة للتحاليل البسيطة القاعدية، فما بالك ببقية التحاليل المعقدة المتعلقة بعمليات زرع النخاع الشوكي أو غيرها من عمليات مماثلة تتطلب تحليل دقيقة وقليلة جدا هي المخابر التي تقوم بها.
ووصفت المتحدثة ما يعيشه المرضى باختصار بالمعاناة الكبيرة التي تزيد وضعهم الصحي تأزما بعد صدمة الإصابة بالسرطان، فتجدهم يواجهون صدمة أخرى في كيفية تأمين المبالغ المالية للتحاليل الطبية.
وتعمل الجمعية، بحسب ما كشفت عنه الأمينة العامة، على مساعدة المرضى والأخذ بيدهم لتأمين تلك المبالغ وتسديد النفقات المستحقة بما يتاح لها من إمكانيات غير أنها ترى انّ الحل الأفضل والأمثل لهذه الوضعية التي استمرت طويلا هو مراجعة القيمة التعويضية لها والتعاقد مع مخابر التحليل من أجل دمجها في بطاقة “الشفاء”، وبالتالي، لا يسدّد المريض ثمنها مباشرة ويتكفل صندوق التأمين بذلك، على غرار ما هو حاصل مع الصيدليات في اقتناء الدواء.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس