هكذا انتشلت جثة نعمون مستاوي من البئر ببسكرة

3
هكذا انتشلت جثة نعمون مستاوي من البئر ببسكرة
هكذا انتشلت جثة نعمون مستاوي من البئر ببسكرة

أفريقيا برس – الجزائر. انتشلت الجمعة جثة الفلاح السبعيني نعمون مستاوي، الذي طمرته الأتربة داخل بئر فلاحية تقليدية جافة، عمقها حوالي 20 مترا، تقع بإحدى غابات النخيل الواقعة بالمنطقة الفلاحية حاسي زراري ببلدية الحاجب غرب ولاية بسكرة.

الفلاح نزل إلى عمق هذه البئر للتنظيف وتعميق الحفر، كما اعتاد سابقا، ولكن شاء القدر أن يلقى حتفه هذه المرة، ليتم انتشاله ميتا بعد عملية تدخل للحماية المدنية دامت حوالي ثلاثة أيام كاملة، كانت فيها عمليات التدخل متواصلة ليلا ونهارا، وسط تجنيد إمكانيات معتبرة للحماية المدنية وحتى الخواص الذين هرعوا للمساعدة، مع تعزيز عملية التدخل والإنقاذ بثلاث فرق متخصصة للحماية المدنية من عدة ولايات من الوطن.

دقائق معدودة كانت كافية لتتحول حادثة الفلاح مستاوي إلى حديث العام والخاص، وتحظى عملية إنقاذه بالمتابعة والترقب الشديدين وطنيا وحتى عربيا، فالساعة كانت تشير إلى 12و25 دقيقة من زوال يوم الأربعاء 28 فيفري، أين اهتز سكون منطقة حاسي زراري الفلاحية على أصوات منبهات سيارة الإسعاف، وشاحنات الحماية المدنية، وهي تهرع إلى مكان ما على مستوى هذه المنطقة الفلاحية، ليتبين بعد دقائق بأن الأمر يتعلق بفلاح حاصرته الأتربة داخل بئر فلاحية تقليدية جافة، ولكن لا أحد كان يتوقع أن يكون الضحية هو الشيخ نعمون الذي يعرفه الجميع بنشاطه وحيويته وحبه للأرض وحرصه الشديد على أن يعمل كل شيء بنفسه رغم تقدمه في السن.

حينما وصلت مصادر اعلامية إلى منطقة زراري مكان الحادثة، وهي منطقة فلاحية ذات مسالك فلاحية صعبة، على مشارف وقت المغرب، كانت عمليات الحفر والتدخل وانتشال جثة عمي نعمون قد انتهت بنجاح، حيث شرح لنا أحد عناصر الحماية المدنية بأن الوصول إلى جثة الفلاح، تطلب التعمق في قلب الأرض 21 مترا تقريبا، وقال الشيخ المكي صديق الشيخ: الكل كان يترقب وكلما تبين شيء كانت أصوات التكبير تعلو وحركة الحاضرين والمتابعين تزداد وكأن الكل كان يريد أن يتأكد بأن العثور على جثة الفلاح الشيخ قد أصبحت حقيقة هذه المرة، وهو ما أكده ابن عم الفلاح الضحية السيد نوري، الذي حدثنا عن لحظات ترقب عاشها الجميع، ممن بقي يتابع عمليات الحفر والإنقاذ لساعات طويلة، وكيف أن عملية الانتشال كادت أن تتم في أكثر من مرة خلال عمليات الحفر الأولى، ولكن صعوبة المكان وطبيعة التربة الرملية حالا دون ذلك.

ابن الضحية: انهيار الأتربة عقّد المهمة

أما ابن الضحية السيد خالد مستاوي وهو معلم في مدرسة قرآنية ببلدية الحاجب فقال: “في كل مرة تقترب عملية الحفر ويتم استخراج كميات كبيرة من الأتربة، من مكان تواجد والدي المحاصر، يتفاجأ المنقذون بانهيارات ترابية كبيرة، تطمر المكان مجددا، لتعود عملية الحفر من جديد، إلى نقطة البداية”، وهذا الأمر حسب ذات المتحدث تكرر أكثر من مرة، فعملية الحفر سارت بوتيرة سريعة جدا، في الساعات الأولى واليوم الأول، حيث تجاوزت 10 أمتار، ثم 15 مترا، ولكن كلما ازداد العمق ازدادت الصعوبة، وفق ما أكده لنا أيضا شهود عيان ممن تابعوا عمليات الحفر منذ ساعاتها الأولى، ليزداد الخطر حسب هؤلاء بعد ذلك، بسبب التربة الرملية التي أعاقت كثيرا عملية الحفر وإبعاد الأتربة، وبفضل تعزيز إمكانات التدخل خصوصا بعد توافد فرق إنقاذ متخصصة في التدخل بالأماكن الوعرة من ولايات سطيف وباتنة وخنشلة، وبعد تدعيم آليات الحفر بأخرى ملك للخواص تسارعت عمليات الحفر ليتجدد الأمل في العثور على جثة الفلاح الشيخ في كل لحظة تقريبا، وسط حضور كبير للمواطنين الذين توافدوا من مناطق مجاورة ومن خارج الولاية أيضا.

وبعد ترقب وطول انتظار، تعالت فجأة أصوات عناصر من الحماية المدنية وبعض المواطنين مكبرين، ومؤكدين العثور على جثة الشيخ نعمون، الذي كان متوفيا وقد غطت جسده الرمال والأتربة، وتم انتشاله بسرعة وحمله إلى حيث سيارة الإسعاف التي تكفلت بنقله إلى مستشفى بسكرة لعرضه على الطبيب الشرعي، ثم جرى دفنه بعد صلاة العشاء من أول أمس الجمعة، على مستوى مقبرة البخاري بعاصمة الولاية بسكرة، بعد أن أدى جموع المصلين صلاة الجنازة على روح الفقيد بمصلى أبناء صيفي بالقرب من هذه المقبرة، ليتم ليلا تشييع الفلاح مستاوي وسط حضور كبير للمشيعين الذين تابعوا حادثة هذا الفلاح الشيخ من أولها إلى آخرها.

أما السيد المكي، فنبّه إلى أن المرحوم نعمون عمل بالأرض منذ نصف قرن تقريبا، ولم يسبق وأن تعرض لمخاطر الآبار، لأجل ذلك فاجأته هذه المرة وكانت سببا في وفاته.

العائلة تثني على المشاركين في العملية

بدا خالد معلم القرآن، في قمة صبره على فقدان والده، وهو يذكر خصاله، فقد كان الأب يوصيهم بطيب الأخلاق والاستعداد لشهر رمضان بقراءة القرآن وعمل الخير، وفي غمرة الحزن الممزوج بالإيمان القوي، عبّرت عائلة الفلاح الضحية من أشقاء وأبناء وأبناء عمومة، عن حمدها لله وشكره على جميل لطفه وفي قضائه وقدره، متوجهة على لسان الابن خالد، بالشكر الجزيل لكل الرجال الذين تجندوا مع العائلة خلال عملية انتشال جثة والدهم، وذلك طوال ثلاثة أيام من العمل المتواصل ليلا ونهارا ومن الدعاء، مثنية على الهبة التضامنية للمواطنين وبالأخص منهم المتطوعون أصحاب الجرافات وسائقوها ومساعدوهم، ورجال الحماية المدنية، والدرك الوطني، والسلطات المحلية، ووالي الولاية وفق ما ذكره ابن الضحية، الذي أثنى أيضا على تضامن وحضور المسؤولين المحليين بالدائرة والبلدية الذين تابعوا سير عملية التدخل وفي كل مراحلها وإلى غاية نهاية عملية الدفن، كما لم ينس ذات الابن الثناء والشكر والتقدير للشعب الجزائري الكريم، الذي قاسم هذه العائلة – كما قال- الترقب والأحزان طيلة هذه الأيام الثلاثة، بدون نسيان حتى الإخوة العرب من عدة دول عربية منها مصر والأردن وفلسطين الذين اتصلوا وواسوا العائلة في مصابها الجلل، ولكل هؤلاء توجهت عائلة الفلاح الفقيد بالشكر والعرفان، لأنهم جسدوا بوقفتهم التضامنية قول الله تعالى “إنما المؤمنون إخوة”.

تحذيرات من الآبار القديمة

حادثة وفاة الفلاح نعمون داخل بئر في منطقة الحاجب ببسكرة، جدّدت الحديث حول خطر الآبار التقليدية القديمة، ففي كل مرة تطلعنا الأخبار عن وفيات كثيرة وأحيانا لأكثر من شخص، سواء في حالات التنظيف أو عمليات الحفر داخل هذه الآبار، ورغم حملات التوعية والتحسيس وإدراك الجميع لمدى الخطورة التي قد تواجههم داخل هذه الآبار إلا أن المآسي تتكرر في كل مرة، وآخرها حادثة الفلاح نعمون مستاوي، وهنا جدد بعض المختصين، من فلاحين وعمال متخصصين في حفر الآبار التقليدية، التذكير بضرورة توخي الحيطة والحذر وأخذ الاحتياطات اللازمة من خلال استعمال وسائل الحماية الكافية، وعدم المغامرة إلا بعد التأكد من توفر شروط الأمن والسلامة، فالآبار القديمة المستغلة وغير المستغلة تبقى تشكل خطرا كبيرا على من يدخل إلى أعماقها، فخطر الآبار يكمن عادة حسب الفلاح الجموعي من بلدية الحاجب في تراكم الغازات القاتلة، وهذه الغازات عادة ما تقتل كل من ينزل داخل البئر بدون احتياطات لازمة، كما أن عمليات الحفر الخاصة بالآبار الجديدة أو تعميق الحفر بالطرق التقليدية تحفها هي الأخرى مخاطرة كبيرة من حيث إمكانية حدوث انهيارات في التربة، وهذا ما حدث للفلاح مستاوي حسب ذات المتحدث الفلاح الجموعي، أين تسببت نوعية التربة الرملية في صعوبة عملية الإنقاذ والانتشال، داعيا جميع من يعمل في مجال حفر الآبار التقليدية أو تنظيفها بمراعاة هذا الخطر وأخذ الاحتياطات اللازمة.

كما نصح هذا الفلاح المتمرس بضرورة الاستنجاد بأهل الاختصاص وعدم المغامرة أبدا بالدخول إلى الآبار التقليدية بدون توفير الوسائل الوقائية اللازمة. فأهل الاختصاص هم أدرى وأقدر على مثل عمليات الحفر هذه والتنظيف داخل الآبار التقليدية خاصة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here