أفريقيا برس – الجزائر. أمام تراجع المؤسسات الحزبية والإعلامية عن أداء دورها في المجتمع الجزائري، تحت مغريات السلطة أو تغولها، انتقل التعبير السياسي الى شبكات التواصل الاجتماعي، حيث ظهر “هاشتاغين”، ظاهرهما موقف سياسي معين، وباطنهما التعبير عن حالة سياسية فرضتها التطورات الداخلية والخارجية، وملء لفراغ رهيب في نشاط القوى السياسية والمؤسسات الإعلامية، ويتعلق الأمر بـ “مانيش راضي” (لست راضيا)، و”أنا مع بلادي”، فرغم إمكانية تقارب المحتوى، الا أن السجال القائم بينهما، يوحي الى خلفيات سياسية، قوامها الغاضبون على النظام السياسي والمؤيدون له.
تضاربت ردود الفعل السياسية في الجزائر، بين مشكك أو متحفظ على وسم انتشر مؤخرًا على شبكات التواصل الاجتماعي، وبين داعم له ومنتقد لدور السلطة في إغلاق قنوات التعبير، مما أدى إلى انتقال النقاش السياسي إلى الوسائط الإلكترونية، لتجد الأحزاب السياسية العريقة نفسها تصوغ خطابها السياسي من محتوى هاشتاغات إلكترونية.
انتقد رئيس حزب جيل جديد، جيلالي سفيان، الحملة التي تشنها دوائر سياسية وإعلامية على وسم “مانيش راضي” (لست راضيًا) الذي اكتسح شبكات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأخيرة، واعتبر ذلك نتيجة طبيعية لإغلاق السلطة لمجالات التعبير السياسي والإعلامي، فالتكميم الممنهج في السنوات الأخيرة، أفضى إلى حالة من الاستقالة الجماعية من المشهد السياسي أو التمترس في شبكات التواصل الاجتماعي.
واعتبر الحملة المضادة عبر وسم “أنا مع بلادي” لم تأت بجديد أو حل للأزمة السياسية في البلاد، لأن الوقوف مع البلاد لا يعني بذلك الرضى على الأوضاع السائدة، وعدم الرضى لا يضع أصحابه في الموقف المعادي للبلاد، وفي كلا الحالتين يعتبر الوسمان رسالة قوية للسلطة المتفردة بالقرار السياسي والإعلامي، والموصدة لمجال الحريات الأساسية.
وصف الناشط السياسي المهاجر، إلياس جبايلي، السجال المتصاعد بأنه “حراك إلكتروني” يعبر عن موقف وتصورات قطاع من الجزائريين الذين، إذ وُجِدت أمامهم قنوات التعبير مغلقة، لجؤوا إلى شبكات التواصل الاجتماعي للكشف عن رؤيتهم حول الأوضاع السائدة في البلاد على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأكد، في تصريح لـ”أفريقيا برس”، أن “وسماً بسيطاً على شبكات التواصل الاجتماعي كشف هشاشة الدوائر الرسمية في البلاد، ولذلك جرت حملة مضادة عبر وسم “أنا مع بلادي”، للتلميح إلى المؤامرة والأيادي الخارجية التي تقف وراء ‘مانيش راضي’، حيث ذهب البعض حتى لاتهام دوائر مغربية بالوقوف وراءه”.
ولفت المتحدث إلى أن “الحراك الإلكتروني” هو ظاهرة صحية تعبر عن تفاعل الجزائريين مع أوضاع بلادهم، خاصة في ظل التطورات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، لا سيما بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وبدلاً من أن تتفاعل السلطة مع تلك الأصوات استخرجت كعادتها شماعة العمالة والتآمر والدوائر المعادية، لتشويه صورة هؤلاء لدى الرأي العام.
ظهر العديد من الناشطين المعارضين في هاشتاغ “مانيش راضي”، يبررون سبب عدم رضاهم عن الأوضاع السائدة في البلاد، مثل الناشط محمد تاجديت، المعروف بـ”شاعر الحراك”، الذي سُجن عدة مرات منذ العام 2019 بسبب مواقفه السياسية المعارضة للسلطة. وتراوحت المبررات بين الأوضاع الاجتماعية وغياب العدالة الاجتماعية، وبين تغول حكم المؤسسة العسكرية، وبين استشراء الفساد والمحسوبية، وغيرها.
لكن رئيسة حزب العمال اليساري، لويزة حنون، في تقييمها للمستجدات السياسية الداخلية والإقليمية، حذرت مما وصفته بـ”توظيف المشاكل من قبل بعض الأطراف هو حق أُريد به باطل، كونه يأتي من منطلق استعمالها كمطية لبلوغ أهداف تخريبية مبرمجة من الخارج”، وذلك في تلميح إلى الأصوات المتصاعدة في شبكات التواصل الاجتماعي، سواء الداعية للعودة إلى الشارع، أو التعبير عن رفضها للأوضاع السائدة في البلاد.
ووصفت الحراك الإلكتروني بـ”الممارسات التي تدعى زورًا ثورة، ومغالطة واضحة المعالم، كون لا وجود لثورة إلا التي تنبثق عن قاعدة داخلية عمالية أو طلابية، أو غيرها”.
وأضافت: “أما خارج هذا المنطق، فهي مستوردة، ولا تعدو أن تكون سوى حروب تفكيكية”، في تلميح إلى سيناريو استنساخ ثورة مطابقة لما جرى في سوريا، والتي وصفتها بـ”التفكيكية”، رغم التفاعل الإقليمي والدولي مع تطورات الوضع في سوريا، والسير نحو الاعتراف بما كان يوصف في وقت سابق بـ”الحركات الإرهابية”.
ودعت حنون السلطة السياسية في البلاد إلى إحداث قطيعة صريحة وفعلية مع ما ينتج الضيق السياسي والاجتماعي، ودعت إلى رفع القيود أمام العمل السياسي والنقابي والصحفي، وإلى فتح نقاش وطني واسع، دون قيود حول كل المسائل التي تتعلق بالبلاد لسد جميع الذرائع المستغلة من قبل الجهات الأجنبية لزرع الفوضى والاضطرابات.
حاول أنصار وسم “أنا مع بلادي” نشر صورة وردية عن الأوضاع السائدة في البلاد، وحذروا من مغبة الانسياق وراء دعوات الفوضى، وأعرب بعضهم عن استغرابهم من تزامن وسم “مانيش راضي” مع التطورات التي تشهدها سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.
ومنذ البيان الصادر عن وزارة الخارجية، الذي دعا إلى الحوار بين مكونات المجتمع السوري وإلى الحفاظ على مقدرات البلاد وعدم الانجرار إلى الفوضى، لم يصدر أي موقف آخر من الجزائر، رغم تحول دمشق إلى قبلة لمختلف العواصم والحكومات الإقليمية والعالمية. وفوق ذلك، يُلاحظ تجاهل غير مفهوم للإعلام الرسمي الجزائري للوضع السوري، الأمر الذي علق عليه معارضون بالقول إنه “عدم هضم لسقوط النظام السوري وارتباك من فرضية انتقال العدوى”.
وهو الموقف الذي يتبناه أنصار وسم “أنا مع بلادي”، الذين يجمعون على نعمة الأمن والاستقرار، ويقظة مؤسسات الأمن والجيش، وتحسن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي يستدعي الحرص على المكاسب المذكورة وعدم الانسياق وراء الأصوات المشكوك في ولائها للوطن.
رجح متابعون للشأن الجزائري أن الحملة التي أطلقتها صفحات غير معروفة، والتي تبناها أشخاص حقيقيون أكثر، لها صلة بنقاشات عامة جرت خلال الأسبوع الماضي، متعلقة بتأثيرات الحدث السوري، وبروز كتابات تعتبر أن الجزائر ستكون الدولة التالية على لائحة التغييرات السياسية، خاصة مع وجود حالة من القلق يعبر عنها بشكل مستمر قادة أحزاب سياسية فاعلة حول غياب النقاش السياسي والتضييق والضغوط على الصحافة والمجال النقابي.
وبرزت تعليقات وردود فعل بين الحملتين، تعتبر أن التعبير عن عدم الرضا عن الأوضاع لا يعني الخروج عن الإجماع أو التنصل من حب البلد أو التصادم مع مصالحها، في حين ذهب البعض إلى نظرية المؤامرة.
وفي ظل تنامي النقاش العام حول الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، تطرقت تقارير إعلامية محلية ودولية إلى تحركات السلطات الجزائرية الرامية إلى احتواء هذه الدينامية الشعبية، ولذلك سارع الإعلام الرسمي والمنابر المحسوبة على دوائر السلطة إلى توجيه الاتهامات إلى جهات خارجية متآمرة، بالوقوف خلف هذا الحراك الافتراضي في محاولة لتسييس المطالب الاجتماعية وتقويضها.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس