الثقة المهتزة تعيد الأزمة الجزائرية- الفرنسية إلى مربع الصفر

6
الثقة المهتزة تعيد الأزمة الجزائرية- الفرنسية إلى مربع الصفر
الثقة المهتزة تعيد الأزمة الجزائرية- الفرنسية إلى مربع الصفر

أفريقيا برس – الجزائر. تتوجه أنظار المراقبين الى تطورات القرار الجزائري القاضي بطرد 12 ديبلوماسيا فرنسيا، كرد منها على سجن أحد موظفي قنصليتها بباريس بتهمة الحجز والاختطاف والارهاب، والى ردود الفعل الفرنسية التي لوح بها وزير الخارجية الفرنسي، وهو ما يصب في وعاء العودة بالأزمة الى مربع الصفر واجهاض مخطط التطبيع، مما يطرح بشكل جاد مسألة الثقة المهتزة بين البلدين، مما يجعل علاقاتهما عرضة لمختلف المؤثرات الجانبية.

تأكد أن مسألة استعادة الثقة المفقودة بين الجزائر وفرنسا، هي الخطوة الأساسية في طريق أي تسوية للخلافات المزمنة بينهما، وأن الخطوات الأخيرة التي أعطت الانطباع بتطبيع علاقات البلدين، لا يمكن أن تصمد كثيرا أمام العلاقات المتشابكة.

وكان أسبوع بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، للجزائر واعلانه عن تسوية الأزمة ومباشرة خطوات العودة الى الوضع الطبيعي، كفيل بإعادة الأزمة الى حيث بدأت، بعد حادثة توقيف وسجن موظف رسمي في القنصلية الجزائرية بباريس، بتهمة الاختطاف والحجز والإرهاب، وإعلان الجزائر طرد عدد من الديبلوماسيين الفرنسيين.

وهو ما توقعه المحلل السياسي عمر براس، الذي استبعد أن تكون التوافقات المتوصل اليها منذ أيام قليلة بين البلدين كافية لانهاء أسباب الأزمة بين البلدين بسبب تعقيداتها وتشابك المصالح والأمزجة مع السياسة والتاريخ والتركة الاجتماعية، ولذلك فان العودة الى الوضع الطبيعي لا يعني نهاية الأسباب الخلافية بين البلدين.

وصرح، لـ “أفريقيا برس”، بأن “أهمية كلا البلدين للآخر تضع العلاقات الثنائية محور تداول داخلي ومادة دسمة للنقاش السياسي لدى الطرفين، فهي تقع في صلب الصراع الانتخابي بين مختلف التيارات الأيديولوجية الرغابة في الفوز بقصر الاليزي العام 2027، وفي الجزائر تتسابق القوى السياسية الممثلة في البرلمان على كسب شرف استصدار قانون تجريم الاستعمار أمام الشارع الجزائري بعدما تعطل عدة مرات”.

ووجهت الجزائر، أصابع الاتهام الى وزير الداخلية برونو روتايو، بالوقوف وراء ما أسمته وزارة الخارجية، بـ “الاعتقال الاستعراضي والتشهيري في الطريق العام الذي قامت به المصالح التابعة لوزارة الداخلية الفرنسية في حق موظف قنصلي لدولة ذات سيادة، معتمد بفرنسا”.

وقالت في بيان لها، بأن “هذا الإجراء المشين والذي يصبو من خلاله وزير الداخلية الفرنسي الى إهانة الجزائر، تم القيام به في تجاهل صريح للصفة التي يتمتع بها هذا الموظف القنصلي ودونما أدنى مراعاة للأعراف والمواثيق الدبلوماسية وفي انتهاك صارخ للاتفاقيات والمعاهدات ذات الصلة”.

ولفت المحلل السياسي، الى أن “ارجاء النظر في صفة الموظف القنصلي الى غاية التحقيق معه من طرف القضاء، لا يتماشى مع أصول التقاليد الديبلوماسية ولا مع مساعي التهدئة، ولذلك فان الندية التي تحدث عنها وزير الخارجية، تبقى غير واضحة”.

وخلص في حديثه، إلى أن العديد من المحاور والتفاصيل تبقى محل خلاف بين البلدين، وهو يفضي الى أن التسوية المعلنة مؤخرا للأزمة، لا تعني أن أسبابها اختفت تماما، وقد تعود مجددا الى الواجهة، في ظل تشعب وتداخل العلاقات الثنائية ووقوعها تحت مؤثرات وفاعلين من مختلف المستويات، وهو ما يتأكد مع أزمة الديبلوماسيين المستجدة.

وشددت الخارجية الجزائرية، على أن “هذا التصرف المتطاول على سيادتها (الجزائر) لا يمثل إلا نتيجة للموقف السلبي والمخزي المستمر لوزير الداخلية الفرنسي تجاه الجزائر”.

وأضافت: “هذا الوزير الذي يجيد الممارسات القذرة لأغراض شخصية بحتة، يفتقد بشكل فاضح لأدنى حس سياسي. إن القيام باعتقال مهين لموظف قنصلي محمي بالحصانات والامتيازات المرتبطة بصفته ومعاملته بطريقة مشينة ومخزية على شاكلة سارق، يتحمل بموجبه الوزير المذكور المسؤولية الكاملة للمنحى الذي ستأخذه العلاقات بين الجزائر وفرنسا في الوقت الذي بدأت فيه هذه العلاقات دخول مرحلة من التهدئة إثر الاتصال الهاتفي بين قائدي البلدين والذي أعقبته زيارة وزير خارجية فرنسا إلى الجزائر”.

وكان وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، سباقا لكشفه لوسائل اعلام محلية، بأن الجزائر أمهلت 12 موظفا بالسفارة الفرنسية 48 ساعة لمغادرة البلاد، وأن جميع الموظفين الذين طُلب منهم مغادرة البلاد، يعملون تحت إشراف وزارة الخارجية الفرنسية، ويتمتعون بوضع إداري أو دبلوماسي.

ودعا الوزير الفرنسي، الجزائر إلى “التراجع عن طرد الموظفين الـ12 في السفارة”، متوعدا بأنه “إذا لم يحدث ذلك فإن باريس مستعدة للرد بالمثل”، وهو ما يوحي الى أن السلطات الفرنسية ستطبق مبدأ التعامل بالمثل، وستطبق اجراء مماثلا في الساعات القادمة، مما سيجهض كل المساعي التي بذلت من أجل تسوية الأزمة التي تقترب من العام.

وبهذه الخطوة المفاجئة، تعود الأزمة الجزائرية- الفرنسية الى مربع الصفر، مع حظوظ ضئيلة لترميم خلافات البلدين، وتتبخر آمال التسوية التي لاحت بوادرها خلال الأسبوعين الأخيرين، بداية من الإعلان المشترك بين الرئيسين عبدالمجيد تبون، وايمانويل ماكرون، والمخرجات التي توجت زيارة وزير الخارجية جان مانويل بارو الى الجزائر منذ حوالي أسبوع.

وأمام الهشاشة التي تطبع علاقات البلدين في الآونة الأخيرة، يتضح أن الطرف المعتدل في الجزائر وباريس، بقيادة الرئيسين تبون وماكرون، لم يعد قادرا على مواجهة الجهات المتطرفة، في ظل مناخ الشكوك واهتزاز الثقة الذي يخيم على محور الجزائر- باريس، حيث لم يصمد مسعى التهدئة والتطبيع أكثر من أسبوعين.

وقرر القضاء الفرنسي حبس ثلاثة جزائريين، من بينهم موظف قنصلي بضاحية كريتاي الباريسية، بعدما وجه لهم تهم الاختطاف والحجز والإرهاب، في الملف المتعلق بالناشط السياسي والمدون المعارض أمير بوخرص (أمير دي زاد)، الحاصل على اللجوء السياسي في فرنسا منذ العام 2023.

ويلاحق الثلاثة بتهم “التوقيف والخطف والاحتجاز التعسفي على ارتباط بمخطط إرهابي على ما أفادت السبت النيابة العامة الوطنية لقضايا مكافحة الإرهاب، والمشاركة في مخطط إرهابي إجرامي”.

ويبدو أن الجزائر، تعاملت وفق ما قام أمين عام وزارة الخارجية لوناس مقرمان، بابلاغه للسفير الفرنسي ستيفان روماتيي، الذين استدعي الى وزارة الخارجية لتبليغه احتجاج الجزائر الشديد على قرار سجن الموظف القنصلي، ودعت الى اطلاق سراحه، وبالاحترام التام للحقوق المرتبطة بوظيفته، المنصوص عليها سواء في إطار الاتفاقيات الدولية أو الثنائية، بما يتيح له الدفاع عن نفسه بشكل لائق وفي ظل أبسط الشروط الأساسية.

وجاء في بيان سابق لوزارة الخارجية، بأن “الغرض من هذا اللقاء كان التعبير عن احتجاج الجزائر الشديد على قرار السلطات القضائية الفرنسية بتوجيه الاتهام لأحد أعوانها القنصليين العاملين على التراب الفرنسي ووضعه رهن الحبس المؤقت، في إطار فتح تحقيق قضائي على خلفية قضية الاختطاف المزعوم للمارق “أمير بوخرص” المعروف باسم “أمير ديزاد” خلال العام 2024″.

واعتبرت ما وصفته، بـ “المنعطف القضائي، غير المسبوق في تاريخ العلاقات الجزائرية-الفرنسية، ليس صدفة، وانما بغرض تعطيل عملية إعادة بعث العلاقات الثنائية التي اتفق عليها رئيسا الدولتين خلال محادثتهما الهاتفية الأخيرة”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here