العقارات الرمزية وقائمة المرحلين تقرّب الجزائر من فك ارتباطها بفرنسا

7
العقارات الرمزية وقائمة المرحلين تقرب الجزائر من فك ارتباطها بفرنسا
العقارات الرمزية وقائمة المرحلين تقرب الجزائر من فك ارتباطها بفرنسا

أفريقيا برس – الجزائر. فاجأت وكالة الأنباء الرسمية، الشارع الجزائري، بحيازة فرنسا لنحو 60 عقارا، تستعملها في نشاطها الرسمي كمقار واقامات لجهازها الدبلوماسي، بسعر رمزي، وبقدر ما عبرت عن رغبة رسمية في الرد على الخطاب الرسمي في باريس، عما يسميه بالمساعدات المالية المخصصة للجزائر، بقدر ما اعتبره البعض تواطؤا مخجلا بين نخب رسمية في البلدين على استنزاف واستغلال مقدرات البلاد طيلة عقود كاملة.

تندفع الأزمة الجزائرية- الفرنسية الى فك ارتباط لازم البلدين منذ عقود، نتيجة تراكم مصالح متداخلة بين افرازات اتفاقية ايفيان 1962 المفضية الى استقلال البلاد، وبين روابط عضوية متبادلة لنخب حاكمة في الجزائر وباريس، وهو ما أدى الى تشكيل تركة ثقيلة، بدأت ترمي بأسرارها الى السطح، بالكشف عن مصالح فرنسية مخجلة للجزائريين.

ويبدو أن صعود تيار مناهض للنفوذ الفرنسي داخل السلطة الجزائرية، بدأ يلوّح بالكشف عن أوراق ظلت مغيبة لدى الرأي العام المحلي، وأبرزها المفاضلة المخجلة للمصالح الفرنسية في الجزائر، على غرار العقارات المستغلة تحت غطاء السلك الديبلوماسي، وبالسعر الرمزي، حيث لا يتعدى تأجير عقار بـ 14 هكتار في أرقى أحياء العاصمة، مبلغ يقدر بنحو 400 دولار سنويا، وهو مبلغ لا يؤجر غرفة واحدة في ضاحية باريسية معزولة.

نهاية التأجير الرمزي

واذا كانت الرسالة واضحة في برقية وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، للرد على مزاعم تلوّكها دوائر سياسية وإعلامية في فرنسا، حول تخصيص الأخيرة لمساعدات مالية سنوية للجزائر، فان الشارع الجزائري الذي كان يجزم بتواطئ النخب الحاكمة في البلدين على مزايا ضيقة على حساب مصالح الدولة، فان الكشف عن العينة المذكورة يؤكد نوايا فك الارتباط وكشف الحقائق أمام الرأي العام، بما في ذلك القيادات السياسية التي تداولت على الجزائر، والتي ظلت تعامل الفرنسيين بمفاضلة مخجلة.

ويرى المحلل السياسي الياس جبايلي، بأن “ما كشفت عنه برقية وكالة الأنباء الجزائرية عن عقارات الجهاز الديبلوماسي الفرنسي في الجزائر، هو عينة من تشكيلة من التنازلات تكرست طيلة العقود الماضية، وليس غريبا أن تكون هناك عينات أخرى تبرز تنازلات غير مبررة للمصالح الفرنسية، مقابل منافع ومزايا استفاد منها نافذون في السلطة”.

وأضاف: “الكل يتذكر ظروف وملابسات تأسيس مصنع شركة رونو الفرنسية في مدينة وهران، والشروط المجحفة التي فرضتها الشركة على الحكومة، لكن دوائر القرار سلمت لها المأمورية، والشركات الفرنسية التي استحوذت خلال السنوات الماضية على بعض القطاعات، رغم أن بعضها كان على حافة الإفلاس، كشركة (سيال)”.

وتابع في تصريح لـ”أفريقيا برس”، بأن “الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، كان مقعدا ومغيبا منذ العام 2014، الا أن الفرنسيين وعلى رأسهم فرانسوا هولاند، كانوا يشيدون بقدراته الفكرية والادراكية، من أجل الحفاظ على مصالحهم، وقبل الحديث عما يعرف باتفاق (فال دوغراس) بين سلطات البلدين، فان نشاط مؤسسات رسمية جزائرية جرى في المشفى الفرنسي الذي كان يعالج الرئيس المذكور، وحتى خلال انتفاضة الحراك الشعبي العام 2019، كان ايمانويل ماكرون، يؤيد التمديد للرئيس بوتفليقة، رغم أن الشارع يصدح برحيله”.

نفوذ وتنازلات مخجلة

ويرى مراقبون، بأن الجزائر التي كانت تندرج ضمن مناطق النفوذ الفرنسي الى غاية وقت قريب، تريد فك الارتباط عبر مقاربة جديدة ترسم خارطة ندية للعلاقات والمصالح المشتركة، وهو ما فاجأ الفرنسيين الذين يفقدون مكانتهم داخل المستعمرات القديمة خاصة في أفريقيا الواحدة بعد الأخرى، وهو ما تجلى في الخطوات الأخيرة، المتمثلة في ملف العقارات، ورفض لائحة الأشخاص الذين تريد السلطات الفرنسية ترحيلهم.

وقالت برقية الوكالة الرسمية، “لقد وجد اليمين المتطرف الفرنسي، الذي ما فتئ يبحث عن كبش فداء، قضية جديدة تشغله، ألا وهي اتهام الجزائر بالاستفادة من مساعدات فرنسية مزعومة وبعدم احترام الاتفاقيات الموقعة بين البلدين. ولم يتردد برونو روتايو، أحد أبرز وجوه هذا التيار السياسي، في الترويج لهذا الخطاب الكاذب وغير المعقول، متجاهلا حقيقة جوهرية: إذا كان هناك بلد يستفيد حقا من العلاقات الثنائية، فهو فرنسا بلا شك”.

وأضافت: “هناك 61 عقارا في المجموع تشغلها فرنسا على التراب الجزائري مقابل إيجارات جد منخفضة، ومن بين هذه الأملاك العقارية، يوجد مقر سفارة فرنسا بالجزائر الذي يتربع على مساحة شاسعة تقدر بـ 14 هكتارا بأعالي الجزائر العاصمة، مقابل إيجار جد زهيد لا يغطي حتى سعر غرفة الخدم بباريس. أما إقامة سفير فرنسا، المعروفة باسم (أشجار الزيتون)، فإنها تتربع على مساحة 4 هكتارات ومؤجرة بالفرنك الرمزي، على أساس سعر إيجار لم يتغير منذ سنة 1962 إلى غاية شهر أغسطس 2023. ولم تبد فرنسا قط للجزائر مثل هذا السخاء على ترابها”.

ولفتت الى أنه إذا كانت باريس ترغب في فتح النقاش حول المعاملة بالمثل واحترام التعهدات الموقعة، فليكن ذلك! سنرى أيهما، الجزائر أم فرنسا، قد استفاد أكثر من هذه المعاهدات وأي من البلدين لا يحترم الاتفاقات المبرمة.. كفى نفاقا! قد حان الوقت لكشف الحقيقة.

الرسائل الرسمية الجزائرية للفرنسيين، باتت تبلغ تباعا للسلك الديبلوماسي، فبعد حصيلة العقارات التي أطلع عليها السفير ستيفان روماتي، من طرف وزارة الخارجية، تم نقل الرفض الجزائري للائحة الأفراد التي تريد فرنسا ترحيلهم للجزائر، بواسطة الأمين للخارجية لوناس مقرمان، للقائم بأعمال السفارة الفرنسية.

آن وقت الكشف عن الحقيقة

وفيما يجهل أسباب غياب السفير الفرنسي عن الجزائر، كشفت الخارجية الجزائرية، بأنه “تبعا للمقابلة التي خص بها القائم بأعمال سفارة الجزائر بفرنسا يوم 14 مارس الجاري وهي المقابلة التي تسلم خلالها قائمة بأسماء المواطنين الجزائريين الذين صدرت في حقهم قرارات إبعاد من التراب الفرنسي، سلم السيد الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية إلى القائم بأعمال السفارة الفرنسية مذكرة شفوية تتضمن الرد الرسمي للسلطات الجزائرية”.

وقالت في بيان لها: “أكدت الجزائر من جديد رفضها القاطع للغة التهديد والوعيد والمهل ولكافة أشكال الابتزاز. كما اعترضت الجزائر على المقاربة الانتقائية التي تنتهجها فرنسا إزاء اتفاقيات الثنائية والدولية التي تربط البلدين وأكدت أن المحرك الرئيسي للموقف الجزائري يتمثل في الوفاء بما يقع على بلادنا من واجب توفير الحماية القنصلية لرعاياها المتواجدين بالخارج”.

وأضافت: “المسعى الفرنسي لتقديم قائمة بأسماء المواطنين الصادرة في حقهم قرارات الإبعاد، قد تم رفضه من قبل السلطات الجزائرية شكلا ومضمونا، وترى بأنه لا يمكن لفرنسا أن تقرر، بصفة أحادية وانفرادية، إعادة النظر في القنوات الاعتيادية المخصصة لمعالجة حالات الإبعاد. وعليه تمت دعوة الطرف الفرنسي إلى احترام الإجراء المعمول به في هذا المجال من خلال اتباع القنوات المتفق عليها، أي تلك القائمة بين المقاطعات الفرنسية والقنصليات الجزائرية المختصة وكذا الحفاظ على طريقة المعالجة المعتمدة، أي دراسة طلبات الإبعاد حالة بحالة”.

وتابعت: “أكد الرد الجزائري على أن بروتوكول اتفاق عام 1994 لا يمكن تطبيقه بمعزل عن اتفاقية العلاقات القنصلية لعام 1974، التي تظل الإطار المرجعي الرئيسي في المجال القنصلي بين البلدين. ومن هذا المنظور، لا ينبغي أن يكون تنفيذ أحد هذين النصين القانونيين على حساب الآخر، خصوصا عندما يتعلق الأمر بضرورة ضمان احترام حقوق الأشخاص المعنيين بتدابير الإبعاد”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here