آمنة جبران
أهم ما يجب معرفته
في حوار خاص مع “أفريقيا برس”، ناقش الكاتب والشاعر الجزائري أزراج عمر دور الأدب الأمازيغي في التعبير عن الروح الجزائرية. وأشار إلى التهميش الذي يعاني منه الكتاب الأمازيغ، ودعا إلى ضرورة التوفيق بين الهويتين الأمازيغية والعربية الإسلامية. كما تحدث عن تجربته الفكرية في المهجر وأهمية الثقافة في السياسة.
أفريقيا برس – الجزائر. قيم الكاتب والشاعر الجزائري أزراج عمر في حوار خاص مع “أفريقيا برس” الحراك الثقافي في الجزائر في السنوات الأخيرة، ومدى نجاح المثقف الجزائري في نقل مشاغل وطنه، ومشكلة الهوية، بالإضافة إلى تجربته الفكرية الثرية في المهجر.
واعتبر أن “الأدب الأمازيغي الأكثر تعبيراً عن الروح الجزائرية العميقة، ورغم ذلك فإن الكتاب الأمازيغ مهمشون وكتاباتهم “مغلقة” في صندوق “إثنيتهم”. حيث ليس لوزارة الثقافة الجزائرية سياسة خاصة وواضحة وفاعلة تجاههم.”
ورأى أنه “يمكن التوفيق بين الهوية الأمازيغية والهوية العربية الإسلامية الجامعة في الجزائر، في حال جعل الثقافة أساساً للسياسة، وجعل الحريات أساساً آخر للوطنية”. وفق تعبيره.
وأشار إلى أن “الجزائر لا تملك حتى الآن “مشروعها الثقافي” الخاص بها والذي يؤهلها لتقديم نموذجها” على مستوى منطقة البحر الأبيض المتوسط والقارة الأفريقية التي تنتمي إليها، كما أن “المشهد الثقافي الجزائري معبأ بالنفاق السياسي.”
وعن تجربته الفكرية والأدبية في المهجر، يلفت أن “المنفى البريطاني الاختياري كان أكبر جائزة قدمتها الظروف لموهبته الشعرية ولشخصيته الفكرية، حيث قام بدراسة الفلسفة والتحليل النفسي ونظرية الثقافة أكاديمياً.”
وفي تقديره فإن “الشاعر المعاصر يجب أن يعيش بالذاكرة الوطنية المربوطة إلى الذاكرة الكونية، وخلاف ذلك يبقى هذا الشاعر محدوداً ومسجوناً في قفص العزلة.”
أزراج عمر هو كاتب وشاعر جزائري وكاتب مقالات في الصحف العربية والدولية ومن النقاد المعروفين في الساحة الأدبية والثقافية العربية، ولد في 1949 بمنطقة بني مليكش بمحافظة بجاية شمال شرق الجزائر، ومقيم حاليا في بريطانيا منذ عام 1986. وهو مؤسس ومدير عام مجلة “مثاقفات”، وعضو في اتحاد الكتاب الجزائريين، وعضو مؤسس للجمعية الفلسفية الأوروبية القارية. كان مستشاراً للتربية الفنية في محافظة البويرة في الجزائر.
له العديد من المؤلفات، منها ديوان شعر “الجميلة تقتل الوحش”، كتاب “منازل من خزف – دراسة ثقافية”، كتاب “أحاديث في الفكر والأدب”. نال جائزة “اللوتس” العالمية للآداب. حائز على شهادة الكفاءة في اللغة الإنجليزية من جامعة كامبريدج، وعلى دبلوم الدراسات العليا في الدراسات الثقافية، وعلى شهادة الماجستير في الدراسات الثقافية من جامعة شرق لندن، وعلى شهادة ماجستير الفلسفة في الدراسات الإنجليزية من جامعة كنت كانتبري.
كيف تقيَم الساحة الثقافية الجزائرية والحراك الثقافي خاصة في مجالي الأدب والشعر في السنوات الأخيرة؟
توجد في الجزائر شذرات من بقايا ثقافة المرحلة الكولونيالية الفرنسية وامتداداتها في فترة الاستقلال، ويوجد إنتاج الكتاب والأدباء والمثقفين الجزائريين الناطقين باللغة الفرنسية، وهناك أيضا شظايا ثقافات البلدان الأخرى التي استعمرت الجزائر عبر التاريخ، وثمة بطبيعة الحال الثقافة الوطنية باللغة العربية واللغة الأمازيغية (البربرية) اللتان تعانيان من المشكلات الكثيرة الحادة ماديا وتنظيرا وتنفيذا ميدانيا.
في هذا السياق لابد من القول بأن الجزائر لا تملك حتى الآن ” مشروعها الثقافي ” الخاص بها والذي يؤهلها أن تقدم” نموذجها” على مستوى منطقة البحر الأبيض المتوسط و القارة الأفريقية التي تنتمي إليها.
ويشكل هذا الفسيفساء المشار إليه أعلاه مركَبا يحتوي على تناقضات تطبع حياة المواطنين وتصنع لديهم ما يدعوه المثقف البريطاني الراديكالي رايموند وليامز “بنية الشعور اللاواعية” التي لم تخضع لدراسات جادة وموضوعية تبرز مكوَنات هذه البنية و تؤرخ لتفاصيلها الثقافية وشبكتها القيمية (من القيم) عبر التاريخ.
وفي الواقع فإن هذا المركب الثقافي المذكور آنفا ليس منسجما دائما كما قلت بل توجد بداخله توترات وتباينات وصراعات ما فتئت تظهر جميعا منذ الاستقلال في شكل اختلافات متواصلة حول ماهية هوية البلاد الجزائرية التي قيل عبثا بأن الميثاق الوطني لفترة ثمانينات القرن الماضي لحزب جبهة التحرير قد حدَدها في صورة ثالوث مسيَس وهو: العروبة والأمازيغية والاسلام، وأن الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة قد حسمها حين قام بترسيم اللغة الأمازيغية لغة وطنية جنبا إلى جنب الإسلام واللغة العربية.
ففي الجزائر لا يزال الشأن الثقافي تابعا للدولة أما تعامل المجتمع المدني بمختلف جمعياته معه فلا يتجاوز نطاق التنشيط البسيط الذي يتم غالبا تحت وصاية وزارة الثقافة التابعة للحكومة. ويمكن القول إذن بأن الرؤية الثقافية الرسمية في الجزائر لم تتمكن حتى الآن من العمل على نحو ناضج “على الصعيدين الفكري والمدني للانتقال من طور الأمة إلى طور المجتمع” على حسب تعبير المثقف والسياسي الجزائري الراحل مصطفى الأشرف.
هكذا أرى وضع ما تسمينه بالساحة الثقافية الجزائرية التي لم ينجز الفاعلون في أروقتها هذا الانتقال المنشود.
أما الجزء الثاني من سؤالك حول “الحراك الثقافي خاصة في مجالي الأدب والشعر في السنوات الأخيرة”، فألاحظ أولا أن الشعر لا ينفصل عن الأدب وإنما هو جزء عضوي منه. كما أعتقد أن مفردة “الحراك” الثقافي بالمفهوم الجزائري مشتقة من قاموس السياسة حيث رأينا بأعيننا ما يدعى بالحراك الشعبي في الجزائر هو جزء من لعبة “تسيير الأزمة” وليس دافعا حيويا ووعيا بها وتجاوزا لها، والدليل على صحة ما أذهب إليه هو أن الحراك عرفناه وخبرناه عن كثب لم يفرز إلاَ جناحا من مركب السلطة على حساب جناح آخر من ذلك المركَب نفسه. وإذا كان الأمر هكذا في السياسة فإن مفهوم “الحراك الثقافي” في الجزائر هو من سلالة هذا النمط من الحراك السياسي الذي يبتهج بتسيير الأزمات المتراكمة.
وفي الحقيقة لا أريد أن أضيع الوقت في التحدث عن النشاطات الثقافية والفنية التي تشهدها المكتبات العمومية وغيرها من المنصات لأن هذا النوع من التنشيط لن ينجز أي مشروع ثقافي يبني الشرط الحضاري أو يؤسس لمعمار ثقافة وطنية متطورة تقوم بتربية ذهنيات جديدة تنهض برافعات مجتمع جديد.
أما بخصوص مجالي الأدب والشعر فينبغي التريث قليلا في إصدار أحكام القيمة التعسفية حول الانتاج الأدبي بما في ذلك الشعر. ورغم هذا الحذر الذي أبديه فلدي بعض الملاحظات الأولية وأستطيع أن ألخصها بسرعة في أن الناقد أو الدارس العارف بأطوار المشهد الأدبي الجزائري منذ الاستقلال حتى الآن يرى بعينه على صعيد الكم الكثير من الروايات والمجموعات الشعرية التي تصدر سنويا في الجزائر عن دور النشر التابعة للقطاع الخاص، وعن المؤسسة الوطنية للنشر والطباعة التابعة للقطاع العام أي للدولة.
ولكن يصعب على هذا الناقد أن يعثر بسهولة على ابتكارات طازجة في معظم الشعر الذي يكتب وينشر سواء كان عموديا خليليا أو نثريا أو تفعيليا، ويلاحظ أيضا انحسار الشعر ذي الرسالة الاجتماعية الذي ينتقد بشجاعة البنيات الاجتماعية المتهرئة بقوة الرؤيا الفنية. وأعتقد أن مجال الرواية مصاب بهذه المشكلة التي أصيب بها الشعر في الجزائر. رغم كل ما تقدم من ملاحظات يمكن القول بأن ثمة بعض الأصوات التي تغرد خارج هذه الأقفاص ولكنها تعاني من كافة العراقيل ضمن كرنفال الرداءة التي تزاحم هذه الأصوات القليلة.
إلى أي مدى نجح المثقف الجزائري في نقل مشاغل وطنه وصوت الشارع الذي يطمح لواقع معيشي أفضل؟
في الحقيقة أريد أن أقلب سؤالك لكي يكون هكذا: إلى أي مدى فشل المثقف الجزائري في نقل مشاغل وصوت الشارع الذي يطمح لواقع معيشي أفضل؟
أسرع إلى القول بأن المثقفين الجزائريين غير مسلحين بنظرية التغيير الاجتماعي الصحيح بل هم يتميزون في الغالب بالجبن أمام السلطة حتى يكاد أن يقول المرء بأن نسبة كبيرة منهم يزحفون أمام جبروت الحاكم حتى ولو كان من الدرجة الأولى. إذ تجدهم يركضون خلف الوزراء ومديري الثقافة عبر المحافظات لكي يسمحوا لهم برفع عقيرتهم مقابل تكريمات شكلية ومحافظ بلاستيكية وديبلومات ورقية لا قيمة لها في أحسن الأحوال.
منذ دخول الجزائر في نفق الرأسمالية المستوردة على أيدي مرحلة الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد فصاعدا فلا يظهر في الأفق الأدباء الذين يعاركون بصدق ونزاهة ووضوح تطبيقات أيديولوجيا هذا الوحش الذي يمص دماء الشرائح الاجتماعية الدنيا والفقيرة بنزاهة وصدق.
إذا كانت مهمة الأديب هي الدفاع عن كرامة المجتمع والحرية فإن المشهد الثقافي الجزائري معبأ بالنفاق السياسي. وفي الخصوص أتذكر عبارة لافتة للنظر وتقول بأن الشاعر العربي في عصر التوحش الرأسمالي والضبابية السياسية وذبول قيم العدالة الاجتماعية يكتب قصيدتين فقط في مساره الشعري واحدة في مدح السلطان والثانية في طلب عفوه..
رغم رحلتك الطويلة كمثقف جزائري في المهجر لكنك حافظت على هويتك في شعرك وكتاباتك، كيف تقرأ رحلتك وتجربتك في عالم الفكر من أرض الوطن إلى المهجر؟ أي دور للمكان في صياغة تجربتك الفكرية والشعرية؟
وجودي في المهجر البريطاني كان في البداية هروبا من التعسف بسبب التضييق الأمني والمخابراتي المسلط عليَ داخل الجزائر في ثمانينيات القرن العشرين. لكن بعد الاستقرار تكشف لي أن المنفى البريطاني الاختياري كان أكبر جائزة قدمتها الظروف لموهبتي الشعرية ولشخصيتي الفكرية.
في بريطانيا أدركت بشكل مفجع كم كنت مسيجا بالأمية الفكرية التي كان علي أن أطردها إذا أردت أن أستمر شعريا وفكريا، وهكذا تحولت غربتي إلى “ورشة” فيها أعدت تكوين نفسي فكريا وشعريا ولقد كلفني ذلك أكثر من 22 سنة على مقاعد الدراسة بالجامعات البريطانية وبالتزامن مع تجارب الحياة في الغربة القاسية جدا.
كيف تم ذلك؟ باختصار شديد قمت بدراسة الفلسفة والتحليل النفسي ونظرية الثقافة أكاديميا. في خضم سنوات التكوين هذه تمكنت من محو “الأمية الفكرية” التي ورَثتني إياها السنوات العجاف التي عشتها في الجزائر، ثم أضفت إلى ذلك بعد الخلاص إلى شعري وهكذا أصبح الاغتراب المكاني الذي ذكرته في سؤالك دافعا لي لأخلق، أو لنقل لـ “أخترع” فضاء الحرية غير المقيد في كتاباتي الشعرية والفكرية وسلوكي اليومي.
نعم، فقد كان للمكان / المهجر الدور الفعَال في صياغة تجربتي الشعرية والفكرية الجديدة، وفي الحقيقة لم يكون المكان الذي سألتني عنه مجرد قشرة ترابية وإنما كان ولا يزال “ذاكرة” بريطانية أنجلو-ساكسونية مركَبة يتقاطع فيها الحضاري والاجتماعي والثقافي والفكري والفني.
لقد أضفت هذه الذاكرة الأجنبية بعد ترويضها والاستئناس بها إلى تلك الشفرات الصغيرة المكوَنة لذاكرتي الجزائرية وخاصة ذاكرة المشكلة من الصراع الكبير الذي أدى إلى فك الارتباط بالكولونيالية الفرنسية التي عشت أهوالها طفلا وشابا مراهقا.
أستطيع القول بأن تجربتي الشعرية والفكرية تحلَق الآن بجناحي هاتين الذاكرتين في المدي المفتوح. لقد تأكَد لديَ أمر مهم وهو أن الشاعر المعاصر يجب أن يعيش بالذاكرة الوطنية المربوطة إلى الذاكرة الكونية وخلاف ذلك يبقى هذا الشاعر محدودا و مسجونا في قفص العزلة.
أي تحديات واجهتك في تجربتك الفكرية خاصة أنك صاحب تجارب متعددة في الشعر والأدب والترجمة؟
التحدي الكبير الذي واجهته في تجربتي الفكرية هي صعوبة إدراك أن الفكر ليس مجرد مفاهيم وعبارات وقوالب بل هو حرارة ونبض الحياة التي تمنح لنا الأقدار الفرصة أن نشارك في “صنعها” حينا وفي تعديل ما فيها من ما يسبب الشقاء للناس حينا آخر.الصعوبة الأخرى التي واجهتني لها علاقة بكيف تترجم الايمان الصادق بالفكرة، إذا كانت لا تفسد الانسان، إلى أفعال وسلوك.
وتباعا لهذا تمعنت طويلا في قول الشاعر توماس إليوت “إن الفكرة التي لا تتحول في القصيدة إلى عاطفة” لن تنتج الشعر العظيم. لقد أفادني هذا القول في نقله من مجال الشعر إلى المجال الاجتماعي السياسي حيث صرت أعتقد بدوري أن فكرة الحق، مثلا، ستبقى مجرد هيكل عظمي إذا لم تتحول إلى عاطفة صادقة وأخلاقيات عملية تتجسد في الموقف الإنساني اليومي.
كيف ترى الأوضاع السياسية في الجزائر اليوم، هل تسير البلاد في الطريق الصحيح؟
ليس في الجزائر سياسيون متخصصون في “هندسة” أبجديات مشروع النهضة بل هناك، في الغالب، موظفون في دواليب الحكم وإذا أراد أحد أن يعارضني في هذا الخصوص فأرجو منه أن يدلني على سياسي واحد في الجزائر له رؤيا حضارية متطورة ويسعى أن يدافع عنها وأن يحولها إلى معيش يومي. ففي الجزائر هناك خلط بين مفهوم القيادة وبين مفهوم السلطة. نعم في الجزائر توجد سلطة أما القيادة فأين هي؟
أما الأحزاب الجزائرية فهي لا تملك أي مشروع نهضوي حداثي يمكن أن ينهض بالجزائر لتجاوز التخلف المركب بل هي مجرد “تجمعات” للاسترزاق والمنافسة على المناصب وضمان التقاعد المريح. منذ أكثر من ثلاثين سنة من التعددية الحزبية فلا شيء تحقق على صعيد بناء الانسان الجزائري الجديد القادر على حل المشكلات الأخلاقية والاجتماعية بنفسه وبلا استجداء السلطات.
المجتمع المدني في الجزائر يتحرك بدفع من السلطات وليس له تقاليد صنع الفكر والثروة الاقتصادية والمعرفية والتكنولوجية والاخلاقية. ففي هذا الوضع يصعب حقا أن أجيب على سؤالك: هل تسير البلاد في الطريق الصحيح؟
الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا تعمل بشكل جدي لتغيير النظام الحالي في الجزائر، هل ترى تغيير المعادلات السياسية والأمنية الحالية في الجزائر سوف يعزز حاكمية الشعب والحريات والتنمية؟
لقد علمتنا التجارب دائما أن التغيير الحقيقي في أي مجتمع لا يأتي على دبابة أو على طائرة شبح أجنبيتين، فالتغيير الجزئي أو الراديكالي يحدث داخليا فقط إذا توفرت القيادات الروحية والسياسية والفكرية التي تقود الشعب وتعلمه وتتعلم منه.
أعني أن تغيير الأشخاص سواء بانقلاب داخلي أو بسلاح الأجنبي لن يؤدي إلى تغيير البنيات الذهنية والفكرية والسياسية والاجتماعية التي “فرَخت”هذا النظام الحاكم أو تلك الشلة التي تحكم. وهنا نتساءل: هل يوجد فرق بين الشعب والنظام الذي يحكمه في الوقت الذي قال الله تعالى “كما تكونوا يولى عليكم”؟ أعتقد أن تغيير الشعب هو الشرط الضروري الذي يوفر امكانية تغيير المعادلات الكبرى التي هي الذهنيات والبنيات الذهنية والثقافية والاجتماعية في المجتمع.
مرة قالت رئيسة وزراء بريطانيا اليمينية مارغريت تاتشر في موضع الدفاع عن نهجها الليبرالي اليميني بأنه: “لا يوجد المجتمع وإنما هناك الأفراد فقط “، إذن، ينبغي أن نحدث التغيير الراديكالي في سلاسل هؤلاء الأفراد بتعبير جان بول سارتر إذا أردنا أن نحدث التحول للمجتمع وفي المجتمع.
هل يعيش الأمازيغ في الجزائر قلق الهوية، وكيف تقيم تجربة الكتاب الأمازيغ في تطوير مختلف أشكال التعبير الثقافي والفني منذ الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية؟
كل الجزائريون يعيشون قلق الهوية، ولقد لخص هذا الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد هذا الوضع في خطاب له تحوَل إلى نكته شعبية مسلية جزائرية. تقول هذه النكتة بأن الشاذلي قال في هذا الخطاب “الحمد لله كنا بعيدين عن هوَتنا ولكن بعد كفاح مرير أصبحنا قربين جدا جدا من تلك الهوَة العزيزة !!!….”، و كان يقصد طبعا أننا كنا بعيدين عن هويتنا، وأنه بعد إصلاح الميثاق الوطني أصبحت البلاد قريبة من هويتها.
أعترف لك أنه من الصعب تقييم تجارب جميع كتاب وشعراء البربر (الأمازيغ)، رغم أنني واحد منهم وإن كنت أكتب بالعربية والانجليزية. إنتاج هؤلاء غير متوفر وليس هناك عناية به من طرف المسؤولين على الشأن الثقافي الجزائري. لا توجد مجلات وصحف أمازيغية مكرسة لنشر النصوص الفكرية والأدبية الابداعية. حتى الآن ليس هناك أجماع حول الحروف التي ينبغي أن تكتب بها اللغة الأمازيغية. المشكل في تقديري هو تحويل المسألة الأمازيغية إلى قضية سياسية بدلا من معاملتها كبعد ثقافي وطني بعيدا عن التجاذبات العقيمة.
الكتَاب الأمازيغ مهمشون وكتاباتهم “مغلق عليها” في صندوق “إثنيتهم”. ليس لدى وزارة الثقافة الجزائرية سياسة خاصة وواضحة وفاعلة تجاه هؤلاء الكتاب الذين أشرت إليهم وتجاه إنتاجهم، علما أن الأدب الأمازيغي له جذور شعبية عريقة ومتطور وأكثر تعبيرا عن الروح الجزائرية العميقة.
لقد دعوت مرارا وعلى نحو ودَي إلى إنشاء كتابة دولة للثقافة الأمازيغية تتكفل برعاية وحماية مختلف أشكال التعبير الفكري والأدبي والفني الأمازيغي مما سيسهل تنفيذ عمليات جمع وطبع ونشر هذا الانجاز الثقافي الوطني في لغته الأصلية ثم السعي لترجمة النصوص الأمازيغية إلى العربية وإلى اللغات الحية لفك حصار الصمت والنسيان عنها ولكن لا أحد يسمع.
هناك من يرى أن الخطاب الأمازيغي في الجزائر يتأرجح بين المطالبة بالاعتراف الثقافي وبين نزعات سياسية نحو الاستقلال، كيف تقرأ هذا الجدل؟
في الواقع الملموس لا يتأرجح ” كلَ” الخطاب الأمازيغي بين الاعتراف بالثقافة الأمازيغية وبين الدعوة إلى الانفصال أو إلى الاستقلال. هناك أكثر من خطاب في المشهد العام وهذا واقع معظم بلدان العالم الثالث التي لم تحسم قضية التعددية الاثنية الثقافية أو الدينية أو العرقية في الاطار الديمقراطي. أنا أعيش في بريطانيا في دولة واحدة تتضمن 35 قومية وإثنية وعشرات الاتجاهات الدينية. الوازع الديمقراطي هو المظلة التي تعيش تحتها التعدديات في وئام ومودة وتكامل. مع الأسف فنحن نبدأ جماعات وننتهي أفراد متنازعين أما الغربيون فيبدؤون أفرادا وينتهون جماعات متعايشة ومتكاملة، وهذا علامة من علامات تخلفنا الحضاري.
كيف يمكن التوفيق بين الهوية الأمازيغية والهوية العربية الإسلامية في الجزائر دون أن يتحول الأمر إلى صراع؟
التوفيق ممكن في ظل جعل الثقافة أساسا للسياسة، وجعل الحريات أساسا آخر للوطنية. الهويات بمختلف أنواعها عناوين دالة على التميز وليس على الفرقة. إذا عملنا بهذا المبدأ فسوف نحقق معادلة تجاور وتحاور وتكامل الهويات المذكورة في سؤالك.
يُتهم بعض المثقفين الأمازيغ بأن ولاءهم لفرنسا أكبر من ولائهم للجزائر، كيف ترد على هذا الرأي؟
يقول المثل: في كل بيدر حبوب شعير منخورة، وأخرى هي الرزق الذي يضمن استمرار حياة الناس. هذا المثل ينطبق على بعض الجزائريين الذين يدعون بـ “المثقفين”، ولكن يوجد في الجزائر وفي المهاجر الأجنبية أيضا مثقفون ومبدعون جزائريون أمازيغ، و معربون و فرانكوفونيون في مختلف حقول الفنون والمعرفة مخلصون لوطنهم حتى وإن اختلفوا مع السلطة الجزائرية.
ما هو رأيك في نزعات الانفصال التي تقودها بعض الحركات الأمازيغية مثل حركة “ماك” و “رشاد”؟
أنا أمازيغي أبا عن جدَ وأما عن جدة، ولا أميل بطبعي إلى تبنَي “مشاريع” تفكيك الوحدة العائلية / الوطنية شرط أن تكون هذه الوحدة (الحلم الجميل) مشكلة من مركب توافقي يضم طواعية تنوَع واختلاف المكونات الثقافية والفكرية والروحية، التي تعبر عن تاريخ وكينونة الاثنيات التي يتشكل منها فسيفساء النسيج البشري الوطني.
الأدب الأمازيغي له جذور عميقة في التاريخ الثقافي للجزائر، حيث يعكس تاريخاً طويلاً من النضال من أجل الهوية والاعتراف. على الرغم من التحديات التي واجهها، إلا أن الأدب الأمازيغي شهد انتعاشاً في السنوات الأخيرة، مع ظهور كتّاب وشعراء جدد يسعون إلى التعبير عن قضاياهم الثقافية والاجتماعية.
تعتبر الجزائر موطناً لثقافات متعددة، حيث تتداخل الهوية الأمازيغية مع الهوية العربية الإسلامية. هذا التفاعل الثقافي يعكس غنى التنوع الثقافي في البلاد، مما يجعل الأدب الأمازيغي جزءاً لا يتجزأ من المشهد الأدبي الجزائري. ومع ذلك، لا يزال هناك حاجة إلى مزيد من الدعم والاعتراف بالكتّاب الأمازيغ في الساحة الثقافية.





