جامع ومدرسة “الكتاني” يدخلان حالة الترميم بقسنطينة

20
جامع ومدرسة “الكتاني” يدخلان حالة الترميم بقسنطينة
جامع ومدرسة “الكتاني” يدخلان حالة الترميم بقسنطينة

أفريقيا برس – الجزائر. بعد أكثر من عشر سنوات من الانتظار، تقرر منح مبلغ مالي بـ12 مليار سنتيم، لأجل ترميم أحد أهم المعالم الأثرية بقسنطينة، والمتواجد في إحدى أهم المناطق أيضا وأقدمها، وهو سوق “العصر” في قلب المدينة العتيقة، وهذا المعلم هو جامع “سيدي الكتاني” ومدرسة “الكتانية”، وهي مبان ضاربة في عمق التاريخ، أعاد الحاج صالح باي بناءها، ولكن الاستعمار الفرنسي مع الجالية اليهودية المقيمة في قسنطينة، غيّرا وجه المنطقة الدينية، بالكامل بالتمسيح والتهويد، فتحوّل الجامع إلى محكمة عسكرية، جرّت إليها الحكومة الاستعمارية عددا من قادة الثورات الشعبية ومنهم على وجه الخصوص، الشيخ المقراني والشيخ الحداد، فتحوّل الجامع من الحق إلى الباطل.

وإذا كانت مديرية الثقافة والفنون قد حدّدت 12 شهرا، كمدة إنجاز، فإن التخوّف منطقي من أن تتكرر سيناريوهات بقية المساجد التي أغلقت وطالت مدة ترميمها ما بين مؤسسات تظهر وتختفي، بل إن الكثير منها كاد ينهار، ومنها على وجه الخصوص جامع “الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس” وهو جامع سيدي لخضر، ولم تقنع الأشغال التي أجريت في مسجد “حسن باي”، و”الجامع الكبير”، مسجد “باش تارزي”، مسجد “الأربعين شريفا”، وحتى بقية المساجد التي قيل بأنها سترمّم في غياب الخبرة الأجنبية والإيطالية بالخصوص، نالت من التشويه ما نالت، وعلى سبيل المثال، جامع “حسن باي” في ساحة الباي و”الجامع الكبير” في شارع العربي بن مهيدي، وكلاهما في وسط عاصمة الصخر العتيق.

مدير الثقافة والفنون لولاية قسنطينة قال بأن عملية الترميم، مقسّمة لعدة مراحل في منتهى الدقة، ووعد بالحفاظ على الطابع المعماري الأصيل لهذا المعلم الذي هو دليل على الثراء الثقافي والديني والعلمي لأم الحواضر مدينة قسنطينة.

وكانت صفحات فايسبوكية قد دقت ناقوس الخطر بالصورة والصوت ووجّهت صيحة لوالي الولاية لأجل التحرك وعدم ترك بيت من بيوت الله مغلقا ومهدّدا بالانهيار، بعد أن تم إهمال هذا المعلم الرائع في هندسته الضارب في أعماق التاريخ وهو شاهد على مرور كبار الجزائر وعظمائها.

“الكتانية”.. من هنا مشى بومدين إلى “الأزهر”

تعتبر مدرسة “الكتانية” من أقدم المدارس وهي ملتصقة بالجامع، كانت ابتدائية وتحوّلت إلى متوسطة قبل أن تغلق أبوابها بسبب بعض التشققات، ولا يمكن ذكر اسم وتاريخ الرئيس الراحل هواري بومدين بدون ذكر هذه المدرسة التي درس فيها في طفولته، قبل أن يقرر التوجّه منها مشيا على الأقدام إلى القاهرة للانتساب لجامع “الأزهر” رفقة صديقه المرحوم محمد الصالح شيروف.

كان محمد بوخروبة (هواري بومدين) يدرس في السنة الثالثة ابتدائي في مدرسة فرنسية، بمدينة قالمة، قبل أن يقرر النهل من اللغة العربية، فتنقل إلى قسنطينة، تعلم هناك النحو والحساب وحفظ الشعر الفصيح وقرأ لفطاحلة الأدب العربي مثل أحمد شوقي والجاحظ والمعري وأبو الفرج الأصفهاني.

بحث هواري بومدين عن متنفس سياسي، يترجم طموحاته فلم يجد أحسن من قسنطينة، فانتسب إلى جامع “الكتانية” وتمدرس في مدرستها، وكان أغلب تلامذة هذه المدرسة ضمن حركة انتصار الحريات وأشرف عليه حينها المرحوم علي كافي.

عرف هواري بومدين، حلاوة اللغة العربية والشريعة الإسلامية في جامع ومدرسة الكتانية في الموسم الدراسي 1948 – 1949 بعد أن أجرى مسابقة نجح فيها وسجل في ما يوازي السنة الثانية متوسط، وكان عمره قد قارب الـ15 سنة، ومن مشاهير من درسوا في “الكتانية”، الجنرالان عبدلي والطيب دراجي، والمرحومان هجريس ومحمد الصالح يحياوي، أما من أشهر المعلمين الذين قدّموا مختلف العلوم للجزائريين، نجد الشيخ بولحلايس والمجاهد الطيب بن لحنش والشيخ عيسى والشيخ لفقون في مادة التوحيد والأستاذ بولحروف في العلوم الطبيعية وأستاذ تونسي في البلاغة، وكانت المدرسة تقدم للناجحين شهادة الأهلية بإشراف لجنة من جامع الزيتونة، لأن معهدي الكتانية وبن باديس كانا تحت إشراف الزيتونة.

وتسمية سيدي الكتاني تعود إلى الكتاني عبد الله بن الهادي بن يحيى الثالث، وهو شيخ مصلح، توفي عام 490 هجري، ودفن في قسنطينة وبني على قبره ضريح كبير ومسجد جامع ومدرسة قرآنية.

وبعد عشرات السنين، أعاد صالح بن مصطفى أزمرلي وهو تركي من أزمير تأسيس هذا الصرح العلمي والديني في سنة 1725م، فحاول الاستعمار الفرنسي تمسيحه وتهويده لمدة قرن وثلث قرن، ولكنه عاد إلى أهله أهل الإسلام.

الزليج والمنبر.. روعة الجامع

وبحسب المهندسين المشرفين على المشروع، فإن أهم نقطة يجب الالتزام بها في الترميم هي مراعاة الهندسة الأصلية بدون الحياد عنها، خاصة أعمال الزليج التي تزين جدار الجامع البديع.

أما المواد التالفة، فسيتم استبدالها خاصة في الطابق السفلي لدار الإمام في المدرسة الذي تدهور وضعه، وستخضع أغطية جدران الجامع المصنوعة من الزليج لترميم دقيق يحترم الطابع التاريخي للمبنى.

ويبقى المميز في الجامع منبره الثابت الذي بني وثبت في المكان، منذ قرابة ثلاثة قرون من الرخام الفاخر، مختلف الألوان، وهو ميزة ربما فريدة من نوعها في العالم، من خلال منبر من الرخام الراقي بجودته وندرته.

وقد بعثت، مؤخرا، الأشغال بمسجد “سيدي عفان” بالسويقة ليتبعه مسجد “سيدي الكتاني”، في حين تنوي مديرية الثقافة والفنون على بعث ورشات الزاوية “التيجانية” السفلى ومسجد “السيدة حفصة”، التي تقع داخل القطاع المحفوظ في حي السويقة العتيق بالمدينة القديمة.

ويبقى الهمّ الأول هو احترام آجال الإنجاز، فقد تم تحديد ثمانية أشهر لمسجد “سيدي عفان” بالسويقة السفلى وسنة واحدة لجامع ومدرسة “سيدي الكتاني”، على أمل أن تسهر مديرية الثقافة يوميا على مسار الترميم، بدون تجاهل دور مصلحة التراث الثقافي وقد تابعت “الشروق اليومي” بداية الأشغال وإلحاح المسؤولين على الثقافة بالخصوص، على ضرورة الرفع من وتيرة العمل، وتسليم المشروع في توقيته المحدّد، من أجل إعادة فتح الجامع التحفة للمصلين والمدرسة التاريخية للمتعلمين.

ومعلوم أن فكرة بعث مشاريع ترميم المساجد، تعود إلى عشر سنوات خلت، ضمن مشاريع مهمة سجلت في إطار احتضان عاصمة الشرق لتظاهرة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية، من خلال إعادة تأهيل وبعث مساجد المدينة القديمة، لكن غالبية أشغال ترميم المساجد بها انطلقت ثم توقفت لسنوات لأسباب فنية أولا، ثم مالية ثانيا بعد أن جمّدت الكثير من المشاريع في سنة 2015، التي عاشت فيها أسواق النفط أزمة هبوط حاد في الأسعار، حيث سجلت في ذلك الوقت هزات إدارية ومالية حالت دون استكمال الترميم، ومنها مسجد “سيدي الكتاني”، وجامع “سيدي عفان” في حي السويقة العتيق، فوصل دورهما في الترميم وهو ما تسحقه قسنطينة وهي واحدة من أقدم مدن العالم التي حان الزمن لأن تجد من يهتم بماضيها وطبعا حاضرها ومستقبلها، كما وعد رئيس الجمهورية.

وعرفت قسنطينة في السنة الأخيرة قدوم الآلاف من السياح الأجانب من كل القارات الذين زاروا جسورها ومواقعها الأثرية ومطاعمها الشعبية وأيضا مساجدها العتيقة، وهو ما حقق سياحة روحية إلى قسنطينة التي حاولت مؤخرا ونجحت في دمج العصرنة بكل ما هو عتيق في مدينة لا يمكن أن تدخل حيا من أحيائها من دون أن تستمع وتستمتع بالآذان فيها.

المصدر: الشروق اليومي

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here