أفريقيا برس – الجزائر. 9.7 بالمئة من مساحة الجزائر مهددة بالتصحر”، هذا ما دفع البلد الواقع شمال الصحراء الإفريقية لتشييد سد أخضر من الأشجار لمنع الكثبان الرملية من تجاوز سلسلة جبال الأطلس، التي تعتبر الحارس الطبيعي الأول، الذي يمنع الصحراء الكبرى من ملامسة مياه البحر الأبيض المتوسط.
ورغم نجاح الجزائر في إنقاذ نحو 3 ملايين هكتار من الأراضي المهددة بالتصحر من إجمالي 7 ملايين هكتار، بفضل عمليات التشجير، وعلى رأسها مشروع السد الأخضر، إلا أن رمال الصحراء تواصل تقدمها شمالا، ببطء، ولكن باستمرار.
التغير المناخي يفاقم التصحر
وعلى غرار معظم الدول العربية، فإن الجزائر تشهد ارتفاعا في درجات الحرارة ضعف المعدل العالمي والبالغ 0.74 درجة مئوية، بينما يتراوح في الدول المغاربية ما بين 1.5 و2 درجة مئوية، حسب الباحثة ليلى بن اسماعين.
وخطورة ذلك أن زيادة درجة حرارة واحدة من شأنها نقل المنطقة الجرداء بحوالي 100 كلم نحو شمال الجزائر، وفق دراسة للباحث محمد عشاشي نشرت في 2016.
فنظرا لسنوات الجفاف الأخيرة، تراجع منتوج الحبوب بنحو 50 بالمئة، وتسببت الحرائق في إتلاف 89 ألف هكتار من الغابات عام 2021، ونحو 5.7 آلاف هكتار عام 2022.
كما أن أكثر من 17 مليون هكتار في مناطق السهوب (الواقعة بين سلسلتي جبال الأطلس التلي والأطلس الصحراوي)، مهددة بالتصحر، وفق تقرير البنك الدولي.
بينما تكشف بيانات المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة (أكساد) أن 230 ألف كلم مربع من الأراضي مهددة بالتصحر، أو ما يعادل 9.7 بالمئة من مساحة البلاد البالغة نحو 2.382 مليون كلم مربع.
وهذا ما يفسر سبب تصنيف الأمم المتحدة “التصحر”، بأنه “أكبر التحديات البيئية في عصرنا”، مشيرة إلى أن “وتيرة تدهور الأراضي الصالحة للزراعة تقدر بمعدل يتراوح بين 30 و35 ضعف المعدل التاريخي”.
فالتصحر تاريخيا قضى على أمم وحضارات، وهذا ما تشهد عليه الرسومات الحجرية في منطقة جبال الطاسيلي ناجر، بالجنوب الشرقي للصحراء الجزائرية، التي صنفتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) “إرثا حضاريا عالميا”.
السد الأخضر العظيم
أدركت الجزائر مبكرا خطر زحف الرمال نحو شمالها الخصيب، فبعد أقل من 1 أعوام على استقلالها شرعت في تشجير أكبر مساحة في شمال إفريقيا، تبلغ 3.7 ملايين هكتار، وتمتد من الحدود الشرقية مع تونس إلى حدودها الغربية مع المغرب، بطول 1500 كلم، وعرض 20 كلم.
المشروع الذي شرع في إنجازه عام 1971، بفضل أفراد الخدمة العسكرية، انتهى مع بداية التسعينات، عندما تخلت عنه وزارة الدفاع لصالح مديرية الغابات التابعة لوزارة الفلاحة.
نجح المشروع في منع الرمال من ابتلاع منطقة السهوب، المشهورة بمراعيها الواسعة، كما ساهم في بناء 400 قرية نموذجية سمحت بتثبيت سكان الأرياف في هذه المناطق.
وأطلقت الجزائر في 30 أغسطس/آب 2020، مخططا جديدا لإعادة تأهيل السد الأخضر (2023 -2030) من خلال تعزيزه وتوسيعه، حيث ستبلغ مساحة التشجير 4.7 ملايين هكتار، بزيادة مليون هكتار عن المشروع الأول، والذي ستوزع على 13 ولاية، ويمس 7 ملايين نسمة (18 بالمئة من عدد السكان)، حسب وزارة الفلاحة.
ويكلف إنجاز المشروع 75 مليار دينار (نحو 550 مليون دولار)، وطلبت الجزائر في هذا الصدد دعم “الصندوق المناخ الأخضر” التابع للأمم المتحدة، ومنظمة الأغذية والزراعة (فاو).
ويتضمن المشروع مصدات للرياح (أشجار متراصة مثل الجدار) تساهم في تخفيف حدة التعرية، بالإضافة إلى مراعي تزرع بها نباتات مقاومة للجفاف على غرار الحلفاء والسدرة، وإنجاز 64 وحدة لتجميع المياه، كما سيتم فتح 529 مسلك ريفي، وفق أرقام رسمية.
الصحراء الخضراء
لم تكتف الجزائر بإنجاز شريط أخضر من الأشجار يفصل الصحراء عن الشمال، بل قامت باستصلاح أراضي صحراوية وزراعتها بمختلف المنتجات الغذائية صدرت بعضها إلى الخارج، خاصة في ولاية الوادي (جنوب شرق) الغنية بالمياه الجوفية.
وخصصت الجزائر مئات آلاف الهكتارات في ولايات صحراوية للمستثمرين الخواص، قصد استصلاحها، ومنحتهم رخصا لحفر الآبار.
وفي هذا الصدد، كشف زير الفلاحة والتنمية الريفية عبد الحفيظ هني، على هامش منتدى بطرسبورغ، أنه تم “منح محفظة جديدة بـ 437 ألف هكتار في الجنوب للاستثمار، وإطلاق ترخيص لحفر 60 ألف بئر موجهة للسقي الفلاحي في إطار استصلاح الأراضي”.
إذ تسعى الجزائر لجلب المستثمرين الروس للاستثمار في الجنوب، والاستفادة من تجربتهم في إنتاج الحبوب، والتي حولت بلادهم من مستورد لها إلى أحد كبار المصدرين للقمح.
وعلى سبيل المثال، تم استصلاح 55 ألف هكتار بجنوب البلاد في موسم 2020- 2021، في إطار برنامج “ديوان تنمية الزراعة الصناعية بالأراضي الصحراوية”، بعد نحو عام من إنشاء هذه الهيئة، وفق مسؤول بوزارة الفلاحة، نقلته وكالة الأنباء الجزائرية.
وتقدر وزارة الفلاحة مساحة الأراضي الصحراوية القابلة للاستصلاح بنحو 1.4 مليون هكتار، موزعة على 10 ولايات، وتتوفر بها موارد مائية تبلغ نحو 6.1 مليارات متر مكعب بحلول عام 2050.
كما تتوفر على قدرات هامة في إنتاج الطاقات المتجددة، تتمثل في الطاقة الشمسية بقدرة 9 تيراواط ساعة/ سنة، وطاقة الرياح بقدرة 35 تيراواط ساعة/ سنة، والطاقة الحرارية الأرضية، وفق بيان لوزارة الفلاحة.
ورغم صعوبة الاستثمار في الزراعة الصحراوية بسبب ندرة المياه وحاجتها لاستثمارات مكلفة، إلا أن ميزاتها الرئيسية توفر الشمس على مدار العام ما يقلق الأمراض بنسبة 70 بالمئة، كما أنها ثمارها ليست موسمية وتنضج مبكرا ما يجعل أسعارها مرتفعة مقارنة بمثيلتها في الشمال.
وتم تجربة زراعة خضر وفواكه وحبوب في الصحراء وكانت ناجحة، ففي الصحراء الجزائرية يوجد أحد أنواع البطاطا، كما تصدير أنواع من الفواكه المنتجة في الجنوب، وهو أمر لم يكن مألوفا قبل أعوام مضت، ناهيك عن مساهمتها في تحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض المنتجات الزراعية أو تقليص الفجوة الغذائية.
وصعوبة تسويق المنتجات الزراعية الصحراوية إشكال آخر يتم معالجته، بسبب بعد المسافات عن أسواق الشمال، وحداثة الخبرة في التصدير إلى الخارج.
لكن خبراء يحذرون من التوسع في استصلاح الأراضي على حساب الموارد المائية المحدودة في الصحراء، إذ تواجه 20 مليون نخلة في الجزائر خطر الاندثار بسبب الجفاف والتصحر وتراجع الموارد المائية، وفق تصريح صحفي للمهندس الزراعي محمد مالحة.
فاستصلاح الأراضي الصحراوية يساهم في تعويض الأراضي المتصحرة ولو جزئيا، وشريط السد الأخضر من شأنها ليس فقط وقف زحف الرمال وتثبيتها، بل توفير فرص عمل، وتقليص النزوح من الأرياف إلى المدن.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس