أفريقيا برس – الجزائر. طوت محكمة القطب الاقتصادي والمالي محاكمة رجل الأعمال المسجون رضا كونيناف وصهره ومن معهما من المتهمين المتابعين عن وقائع تبييض الأموال وإخفاء العائدات الإجرامية بمنح المتهمين الكلمة الأخيرة، قبل أن يعلن القاضي رفع الجلسة وإحالة القضية للمداولة للنطق بالأحكام بتاريخ 6 جانفي من العام الجديد.
بعد غلق باب المرافعات ووفقا للإجراءات القانونية، منح قاضي الفرع الثاني لدى القطب الجزائي الاقتصادي والمالي الكلمة الأخيرة، وبخطى متثاقلة وعلامات التعب والإرهاق البادية عليه، تقدم المتهم رضا كونيناف من المكان المخصص لاستجواب المتهمين، والتفت أولا نحو وكيل الجمهورية الذي التمس في حقه 10 سنوات حبسا نافذا، ثم خاطب رئيسة الجلسة قائلا: “سيدتي الرئيسة، أنا أريد أن أشكركم، على سعة صدركم وإدارة جلسة هذه المحاكمة، ثم أقول لكم إن النيابة في مرافعتها حرفت كلامي عند سؤالها عما إذا كان بإمكاني شراء االمستثمرة وأجبت بنعم.. فلو أردت شراء المستثمرة لاشتريتها لبناتي وزوجتي، فهي ليست ملكي وليست من حقي ولم أنو يوما شراءها”.
وتابع كونيناف: “أما فيما يخص طلبات الخزينة العمومية الممثلة للدولة فلا يحق لها تحريف الوقائع ولا مغالطة العدالة، فهي طالبت بمبلغ ضخم، مع العلم أنه لم يصبها أي ضرر، والأكثر من ذلك فهي أرادت استحداث وقائع من نسج خيالها على أساس وجود أملاك في الداخل والخارج ولم أستطع تبريرها. هذا كلام خطير وغير حقيقي سيدتي الرئيسة، وعليه ألتمس من سيادتكم المحترمة تبرئتي وإسقاط التهم الموجهة لي، لأنني فعلا بريء والله شاهد على ذلك وشكرا”.
ومن جهته، حاول صهر كونيناف المتهم “ن. عبد العزيز” خلال الإدلاء بكلمته الأخيرة أن يشرح وضع ابنه المتابع في ملف الحال، وقال للقاضي إنه مريض جدا جدا وهو يخضع للعلاج في أحد المستشفيات بفرنسا، إلا أن القاضية قاطعته وقالت أنت حاضر وتحدث فقط عن نفسك وقل ماذا تطلب في كلمتك الأخيرة، ليكتفي المتهم بالقول “سيدتي الرئيسة، أنا طبيب ولا علاقة لي بملف الحال وعلى هذا الأساس ألتمس منكم البراءة”.
الدفاع: ملف مضخم ليتحول التهديد إلى تبييض الأموال
أجمعت هيئة الدفاع عن رجل الأعمال رضا كونيناف ممثلة في المحامي وليد رحموني، خلال مرافعة قانونية مفصلة، على براءة موكله من جميع التهم الموجهة له، معتبرا أن ملف الحال فارغ ولا يتضمن أركانا قانونية ثابتة، لا فيما يخص تبييض الأموال، ولا إخفاء العائدات الإجرامية، بل هو – حسب تعبير الدفاع – مجرد تأويلات فضفاضة لا ترقى إلى مستوى الإدانة.
وقدّم الأستاذ رحموني، مرافعة مطولة أكد فيها أن موكله يحاكم على وقائع لا تندرج ضمن نطاق الجرائم الاقتصادية والمالية، بل أن وقائع الحال انطلقت من شكوى بسيطة موسومة بعنوان “التهديد” لتتحول إلى تبييض الأموال والإخفاء، وهو ما يفرض –حسبه– قراءة دقيقة للملف من الزاوية القانونية، بعيدا عن التأويلات التي توسع مجال المتابعة من دون أساس صريح.
واستهل رحموني مرافعته بالقول “سيدتي الرئيسة، أولا وقبل كل شيء أشكركم عن السير الحسن للمحاكمة وإعطاء كل ذي حق حقه، أما بعد، قضية الحال انطلقت بناء على شكوى قدمها “أ.جيلالي” بتاريخ 13 جوان 2023 إلى نيابة محكمة الشراقة، ورد فيها أنه تعرض إلى تهديدات من طرف “ن. عبد العزيز” وذلك بمناسبة أدائه مهامه كمسير لشركة المحاصة المملوكة لكونيناف رضا وبن عبد الله بلحسن الكائن مقرها بالمستثمرة الفلاحية بزرالدة، حيث صرح أن “ن عبد العزيز” أبلغه بعدم القدوم أو الدخول مرة أخرى، لأن الشركة تمت مصادرتها من طرف العدالة، وهذا بأمر من كونيناف رضا حسب زعمه”.
وأضاف الدفاع “في اليوم الموالي أي في 14 جوان 2023 راسلت نيابة الشراقة نظيرتها بالقطب الاقتصادي والمالي.. وهنا بالضبط سأتوقف قليلا سيدتي الرئيسة، فالشيء الذي يحز في نفسي هو أن نيابة الشراقة كان عليها التحري، على الأقل، في فحوى ومضمون الشكوى، بل هي تسرعت بمجرد أن ورد اسم ” كونيناف”، ياللهول! في التخلي للقطب الاقتصادي والمالي وتكون بذلك غلطت نيابة القطب من العنوان إلى الوقائع وصولا إلى المتابعة القضائية وإحالة الملف على محكمة الحال، والأكثر من ذلك فإن موكلي لم يتم سماعه من الضبطية القضائية، رغم أنه موقوف وتحت تصرف نيابة الجمهورية ومعني مباشرة بوقائع قضية الحال!!!”.
وخاطب الأستاذ رحموني هيئة المحكمة مستغربا “سيدتي الرئيسة، المدعو “أ.جيلالي” وخلال الاستماع إليه في الموضوع أدلى بنفس التصريحات وقال إنه يريد أن يعرف من هو المسؤول الحقيقي عن المستثمرة الفلاحية.. بالله عليكم من هو هذا الشخص؟ هل هو مصالح الضبطية القضائية؟ هل هو نيابة الجمهورية؟ حتى يتحرى من هو المسؤول الحقيقي؟ بأي صفة؟”، والأكثر من ذلك نلاحظ أن مصالح الضبطية القضائية لم تحقق في واقعة تبييض الأموال، بل لم تتوصل حتى إلى تثبيت العائدات الإجرامية.. يا للعجب، قضية تهديد تحولت إلى تبييض وإخفاء العائدات؟
وخاض رحموني في تفاصيل التهم التي تضمنتها الدعوى العمومية في حق موكله وحاول إسقاطها تباعا باستعمال كل الأدلة والقرائن التي من شأنها أن تبرئه والبداية من جنحة تبييض الأموال، قائلا “نيابة القطب الجزائي المتخصص بموجب طلب افتتاحي لإجراء تحقيق من أجل جنح تبييض الأموال والعائدات الإجرامية الناتجة عن جرائم الفساد، في اطار جماعة إجرامية وباستعمال التسهيلات التي يمنحها نشاط مهني الأفعال المنصوص والمعاقب عليها بالمادة 389 مكرر والمادة 389 مكرر 2 من قانون العقوبات، والسؤال المطروح كيف يتم تحريك الدعوى العمومية بناء على محضر الضبطية القضائية الذي يؤكد أن فحوى الشكوى تدور حول التهديد !” ليتقدم المحامي خطوة إلى الأمام ويستظهر للقاضي محضر الدرك الوطني الذي ذكر أنه يثبت صحة أقواله.
“محضر الضبطية يؤكد أن الشكوى موضوعها التهديد”
وبلغة شديدة اللهجة يثور الدفاع ” لم يتم العثور على أي شيء خلال التحقيق في وقائع الحال، لتأتي نيابة الجمهورية وتقوم بحجز المستثمرة الفلاحية ويشاطره بذلك قاضي التحقيق.. يا هل ترى أ هذا الأخير لم يطلع على عقد الإمتياز الذي يثبت أن صاحب المستثمرة الحقيقي هو بن عبد الله بلحسن رحمه الله.. حيث إن الممتلكات الوحيدة الموجودة في الملف والتي قامت جهة التحقيق بحجزها تتمثل في مستثمرة موضوع عقد امتياز باسم بلحسن بن عبد الله ولا توجد أي ممتلكات سواء كانت عقارية أو منقولة باسم كونيناف رضا”.
والأبعد من ذلك يقول المحامي رحموني ” إن خلية الاستعلام المالي ” CTRF ” أجابت على طلب القطب وقالت بالحرف الواحد “أحيطكم علما بوجوب إيفادنا بمعلومات كاملة”، بمعنى صريح تريد أن تقول بالعامية ” ما نتعملوش معكم.. بعثتولنا ملف فارغ” والحقيقة سيدتي الرئيس خلية الاستعلام المالي لأول مرة تقول لكم بوضوح نحن لا نتعامل مع ملف فارغ غير مبني على معلومات دقيقة.. فهل يعقل أن يكون شخص موقوف منذ 2019 لا يتم سماعه من طرف الضبطية القضائية ولا من نيابة الجمهورية. لكن في الحقيقة وللأسف لا يوجد شيء يواجهنه به لا قرينة ولا حجة ولا دليل ولا هم يحزنون، لك رب يحميك يا كونيناف”.
يواصل رحموني مرافعته “قاضي التحقيق استدعى موكلي للإستماع إليه في الموضوع.. حقيقة كنا ننتظر بفارغ الصبر التطبيق الصحيح والسليم للقانون القاضي بإفادة موكلي بانتفاء وجه الدعوى، لكن للأسف وهنا الصدمة الكبرى تم إحالتنا على محكمة الحال.. وهذا بعد 19 شهرا من التحقيق، ليخلص في النهاية إلى غياب ولا سطر واحد حول واقعة العائدات الإجرامية الناتجة عن الفساد؟ “.
وأردف قائلا ” كان من المفروض أن يشخص الأمر بالإحالة عن الوقائع المتابع فيه كل متهم، وتوضح لنا ما هي العائدات الإجرامية الناتجة عن جرائم الفساد التي تم تبييضها في وقائع الحال، لكن جهة التحقيق أحالت أربع متهمين بصفة جماعية دون توضيح وقائع كل متهم على حدى مخالفة بذلك مبدأ الشخصية، كما أن ما يعاب على أمر الإحالة كذلك أنه لم يوضح دور كل منهم في الجماعة الإجرامية المزعومة كما يشترطه القانون ولا التسهيلات التي يمنحها النشاط المهني خاصة أن شركة المحاصة في ملف الحال لم تر النور أصلا”.
بل الأبعد من ذلك يقول ـ الدفاع ـ “جهة التحقيق أحالت موكلي بتبييض عائدات إجرامية دون تبيان الممتلكات المتحصل عليها من ارتكاب جريمة وما هي هذه الجريمة.يشترط لقيام جنحة تبييض الأموال المنصوص عليها في المادة 389 مكرر إثبات أولا ارتكاب جريمة أصلية نتجت عنها أموال غير مشروعة، ثم قيام المتهم بتبييض عائدات تلك الجريمة الأصلية بإحدى الطرق الحصرية المنصوص عليها في المادة 389 مكرر من قانون العقوبات، وهو ما يقتضي بالضرورة تحديد بدقة ما هي الجريمة الأصلية التي تم ارتكابها والأموال المترتبة عنها ومن ثمة تحديد طبيعة وقيمة هذه الأموال التي تم تبييضها من طرف المتهم، على فرض وجودها، تحديدا نافيا للجهالة”.
“الوقائع لا تحمل طابعا ووصفا جزائيا”
وأوضح الأستاذ رحموني أن الملف بنظره فارغ قائلا ” كما سبق وأن قلت نيابة الشراقة غلّطت نيابة القطب وفي هذا الملف يوجد أمرين فقط لا ثالثهما، إما الوقائع لا تحمل طابعا ووصفا جزائيا، أو أن الوقائع غير صحيحة مجرد خزعبلات عارية من الصحة، كما أن ما يعلمه العديد أن شركة محاصة لا تحوز على شخصية معنوية ويوجد فيها قانون أساسي أو سجل تجاري أو حسابات بل هي مبنية على إتفاق بين الطرفين وفي الأخير يأتي فلاح لا يفقه في القانون ليضلل العدالة، خاصة أن المحاصة” تحل بقوة القانون عندما يتوفى أو يسجن أحد الأطراف باعتبار أن هذه الشركة تخضع لقانون خاص دون الشركات الأخرى”.
وتساءل الدفاع ” أين هو تبييض الأموال وأين هي العائدات الإجرامية في هذا الملف؟ الشاهد الذي عمل حارسا وفلاحا لدى عائلة كونيناف غلّط الدرك الوطني ومن ثم نيابة الشراقة ونيابة القطب الإقتصادي والمالي.. وإلا بالله عليكم سيدتي الرئيس ما دخل شركة ” محاصة” بالمستثمرة الفلاحية فقط لأن إسم كونيناف حاضر في القضية وإنقلبت الموازين ليصبح شعار ” من الحبة قبة” هو الطاغي في هذا الملف”.
وأنتقد المحامي رحموني الخزينة العمومية وأشار إلى أن طلباتها ضرب من الخيار كما العادة تلعب بالأرقام كما تحب قائلا ” الخزينة العمومية تأسست كطرف مدني في ملف الحال وطالبت بالتعويض من الضرر، والسؤال المطروح أين هو الضرر الذي تكبدته بطبيعة الحال منعدم، فهي تطالب بضرر خيالي لا وجود له في أرض الواقع، كما أن هذه الأخيرة تأسست كطرف مدني دون وجود عائدات إجرامية، أم أنها اختلطت عليها الأمور؟.
وختم رحموني مرافعته بالقول ” سيدتي الرئيس إن قرينة البراءة المكرسة دستوريا وقانونيا تفرض على سلطة الاتهام تقديم دليل قاطع لا لبس فيه وهو ما لم يتحقق للأسف في قضية الحال، كما أن الإدانة تبنى على اليقين لا على الاقتراض و الشك، وعلى هذا الأساس واستنادا إلى مقتضيات القانون وروح العدالة ألتمس من هيئتكم الموقرة التصريح ببراءة موكلي من جميع المنسوبة إليه وتكونون بذلك قد طبقتم صحيح القانون”.
موكلي جرت متابعته لأنه صهر كونيناف
وعلى نفس النهج سار محامي الدفاع عن صهر كونيناف المتهم “ن. عبد العزيز”، الذي كانت مرافعته مختصرة جدا قائلا “سيدتي الرئيسة نشكرك على حسين سير جلسة المحاكمة، وليس عندي إضافات كثيرة فزميلي الأستاذ وليد رحموني الذي نشكره على مرافعته القيمة، لم يترك أي نقطة لي، من تطرقه إلى كل شاردة وواردة في ملف الحال، وخاض بالتفصيل في كل الوقائع، ومع هذا فقط أود أن أوضح أن موكلي طبيب و عمره تجاوز الـ 86 سنة، كما أنه لا علاقة له بوقائع قضية الحال، لا بشركة “محاصة” ولا بالمستثمرة الفلاحية وقد تم جرجرته لمحاكمة اليوم وهو مهدد بـ 10 سنوات حبسا نافذا لا لشيء سوى أنه صهر رضا كونيناف لا غير ذلك.
وأضاف الدفاع ” موكلي كان يتردد على المستثمرة الفلاحية للاستراحة والترويح عن نفسه فقط، ولا ناقة ولا جمل له في ملف الحال وعلى هذا الأساس ونظرا لوضعه الصحي وكبر سنه نلتمس منكم سيدتي الرئيس تبرئته من جميع التهم الموجه إليه وإخلاء سبيله ليكمل ما تبقى من عمره بين أهله وأحبابه ولكم واسع النظر”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس





