افريقيا برس – الجزائر. التمس النائب العام لدى مجلس قضاء تيبازة في ساعة متأخرة من ليلة السبت إلى الأحد، عقوبة 15 سنة سجنا نافذا وغرامة مالية بـ6 مليون دينار في حق المتهمة نشناش زليخة، البنت المزعومة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، و15 سنة نافذة ومليون دينار غرامة مالية في حق الوزيرين السابقين محمد الغازي وعبد الغني زعلان، كما التمس عقوبة 12 سنة سجنا ومليون دينار غرامة مالية في حق المدير السابق للأمن الوطني عبد الغني الهامل، وعقوبات تتراوح بين 5 و12 سنة نافذة في حق بقية المتهمين في قضية الفساد التي كانت بطلتها المعلمة “مايا”.
وانطلقت صباح السبت وقائع جلسة الاستئناف في الأحكام الصادرة عن المحكمة الابتدائية بالشراقة شهر أكتوبر الماضي، واستمرت إلى منتصف الليل، حيث كشفت عن حقائق صادمة خلال مراحل الاستماع للمتهمين وكيف تمكنت المتهمة الرئيسة “المعلمة مايا” من استغلال توصية من “رقاب” السكرتير الخاص للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة شهر أكتوبر 2004، لربط علاقات مع مسؤولين سامين في الدولة ورجال أعمال وموظفين لتكوين شبكة إجرامية مكنتها طيلة سنوات من امتلاك عقارات وفيلات وممتلكات وودائع بالداخل والخارج وأرصدة مالية بالعملتين الوطنية والأجنبية .
بعد الاستماع للمتهمة الرئيسة نشناش زليخة البالغة من العمر 58 سنة وابنتيها بلعاشي فرح وإيمان وكذا الوزير السابق محمد الغازي، استمعت القاضية للمتهمين بلعيد عبد الغني وبن عيشة ميلود حول علاقتهما بالمتهمة الرئيسة، وتوسطها لهما لدى عبد الغني زعلان لما كان يشغل منصب والي ولاية وهران، حيث أنكر المستثمر بلعيد التهم المنسوبة إليه، وقال: سيدتي، أنا بريء ومظلوم، لقد تلقيت اتصالا من الصديق بن عيشة الذي كان يريد الاستثمار بولاية وهران، وطلب مني المساعدة فاتصلت بيحياوي الذي رتب لنا موعدا مع الوالي السابق زعلان وذهبنا إلى مكتبه رفقة الغازي شفيع، بغرض مساعدة بن عيشة على الاستثمار في مشروع غرف التبريد، ولم أودع أي طلب للاستثمار، وكانت أول وآخر مرة التقي فيها الوالي.
أما بن عيشة ميلود فلم ينكر أنه قدم 10 ملايير ليحياوي عن طريق بلعيد وكان يعتبرها سلفة بغرض المساعدة على تجسيد مشروعه، وسرد مراحل طلب الاستثمار بالولاية منذ 2011 وموافقة الوالي زعلان على منحه عقارا بطريقة قانونية لتجسيد مشروعه بعد تدخل من يحياوي الذي توسط لهم لدى زعلان قبل أن يتم إلغاء مقرر الاستفادة.
وفي تصريح غريب، قال المتهم بن عيشة إن صديقه بلعيد قال له أنت مع ناس كبار يملكون الشرطة والدرك والعدالة وكل شيء تحت سلطتهم، أما شفيع الغازي، ابن الوزير السابق، فقد أنكر التهم ونفى أن يكون قد رافق المتهمين إلى مكتب الوالي .
زعلان: الغازي أبلغني هاتفيا بمجيء أفراد من عائلة الرئيس لمساعدتهم
نادت القاضية على أحد خيوط القضية الذي كشف زيف البنت المزعومة للرئيس السابق، وتلت عليه التهم الموجهة إليه وتتعلق باستغلال النفوذ وسوء استغلال الوظيفة وتبديد أموال عمومية، وهو الوزير السابق زعلان الذي أنكر التهم وتمسك بالتصريحات التي أدلى بها طيلة مراحل التحقيق وأمام المحكمة الابتدائية التي أدانته بـ10 سنوات سجنا نافذا، واسترسل في مرافعته أمام القاضية، قائلا: سيدتي الرئيسة، لم أعرف في حياتي المدعوة نشناش بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ولم اسمع بها اطلاقا وأول مرة رأيتها بمحكمة الشراقة شهر اكتوبر الماضي خلال المحاكمة، وكل المتهمين في هذه القضية لا علاقة لي بهم ماعدا الوزير السابق الغازي والمدير العام السابق للأمن الوطني الهامل بحكم وظيفتي .
وتابع زعلان يقول: كنت انتظر هذه الجلسة لأقول أمامكم سيدتي “أترجى كل المتهمين في هذه القضية أن يثبتوا علاقتي بهم أو أني طلبت منهم شيئا أو اتصلت بهم”، وأضاف العلاقة الوحيدة لي في قضية الحال سيدتي الرئيسة أنني تلقيت اتصالا هاتفيا من الوزير السابق الغازي عبر الخط الرسمي، وقال هناك أشخاص من عائلة الرئيس سيأتونك لمساعدتهم في مشروع استثماري ولم أكن أعلم سيدتي من سيأتي.
وقال زعلان بنبرة التأثر “هل أستحق 10 سنوات حبسًا بسبب مكالمة هاتفية، لأنني راعيت واجب التحفظ والتزمت في عملي بالقانون”، وسرد زعلان مراحل استقباله للمستثمرين اللذين قدما بوساطة من الغازي، وكيف اقترح عليهما العقار للاستثمار بمنطقة النشاط بشطايب وطفراوي، لكنهما رفضا العرض واقترحا منطقة بوسط المدينة، وبحكم معرفتي الجيدة لولاية وهران التي شغلت بها منصب وال لحوالي أربع سنوات، أكدت لهما أن الأوعية العقارية غير متوفرة، وبعد إلحاح المستثمر بن عيشة وعدته بتخصيص وعاء لمشروعه بمنطقة حي سيد الشحمي بعد ترحيل سكان البيوت القصديرية.
وأكد زعلان أنه أمضى مقرر الاستفادة لصالح المستثمر بن عيشة بطفراوي بمساحة 7000 متر مربع ومقرر مركز تجاري بـ5000 متر مربع بسيد الشحمي بطريقة قانونية، وقال: سيدتي، أنا مظلوم ولم أبدد الأموال العمومية، لأنني ألغيت مقرري الاستفادة بعد تأكدي من عملية النصب التي تعرضت لها .
وأجاب زعلان القاضية: سيدتي لقد اتخذت قرار الإلغاء بعد ما لاحظت سلوك المستثمرين وتأكدت من خلال ذلك أنهما لا يمكن أن يكونا من عائلة الرئيس، حيث قررت عقبها الاتصال بشقيق الرئيس السعيد بوتفليقة الذي استمع لي دون مقاطعة، وبعد أن أوضحت له الأمر، أكد لي أنهما ليسا من عائلة الرئيس وأن ة “مايا” التي توسطت لهما لدى الغازي ليست شقيقته وإنها محتالة وهناك تحقيقات بشأن نشاطها المشبوه، وإثرها تفطنت للعملية وقمت باتخاذ مقررات الإلغاء رغم أنها كانت قانونية، لكن دافع النصب والاحتيال الذي تعرضت له جعلني اتخذ القرار، وفي اليوم الموالي سمعت بعملية اقتحام منزل مايا بموريتي.
واعتبر زعلان نفسه ضحية ظلم في هذه القضية التي قال انه لا علاقة له بها، وأكد انه مارس مهامه بكل مسؤولية ومنح بوهران قرابة 400 مقرر استثمار وفق ما تمليه القوانين. وفي آخر مرافعته، أنكر أن يكون قد أخذ حصته من 10 ملايير، وقال بمن استغيث سيدتي ولمن اشتكي إذا لم تنصفون، أنا استرجعت الأرض وهي ملك للدولة .
الهامل: أتعبني التشهير.. والغازي هو من قدم لي مايا
من جهته، أنكر المدير العام السابق للأمن الوطني عبد الغاني الهامل أمام هيئة المحكمة كل التهم المنسوبة إليه في قضية الحال وتمسك بتصريحاته في جميع مراحل التحقيق، ورد على سؤال القاضية حول علاقته بالمتهمة نشناش، وقال عرفتها عن طريق الوزير السابق محمد الغازي ولم أقابلها سوى مرتين بمنزل الغازي ومنزلها، كنت أشك في زعمها بأنها بنت الرئيس، لعلمي أن الرئيس ليس له أبناء، لكن الغازي هو من قدمها لي على هذا الأساس، ولم أقدم لها يوما أية خدمة ودعما عدا مساعدتها على تركيب كاميرات المراقبة بمنزلها اثر عملية السرقة التي تعرضت لها، وكان ذلك على حسابها الخاص، ودوري في القضية أنني كلفت عن طريق مصالحي بإرسال تقني لتركيب الكاميرات، ومن يومها لم اسمع عنها إلى غاية دخولي إلى سجن الحراش.
لكن القاضية واجهته بقضية تخصيص سيارة شرطة مصفحة تقوم بحراسة منزلها وشرطي يرافقها في تنقلاتها وتدريب كلب حراسة تملكه ابنتها، حيث أنكر الهامل هذه التهم، وقال سيدتي مهامي اكبر من أن اهتم بتدريب كلب، قائلا “مع الناس ما فريناهاش حتى نهتمو بالكلاب”، اما قضية التشكيل الأمني الذي كان يحرس منزلها، فقال الهامل إنّ إقليم الاختصاص من صلاحيات الدرك الوطني، وقدم شرحا حول مهام المصالح الأمنية وتحديد أقاليم الاختصاص وعدم التداخل بين الأجهزة الأمنية، وطلب من القاضية إعطاءه أي وثيقة أمضيتها بهذا الخصوص .
القاضية واجهته بسؤال عن عدم التحقق من هوية المتهمة نشناش وهو المسؤول الأول عن الأمن الوطني، فرد الهامل سيدتي، لم أناقش الأمر، لأنه جاء من وزير دولة ومن السكرتير الخاص للرئيس، ولم اعرف أنها ليست بنت الرئيس إلا بعد اقتحام منزلها، وختم مرافعته بالقول لقد قضيت 45 سنة في جهاز الأمن وعملت بإخلاص ولا ادري ما افعل هنا “سيدتي أتعبني التشهير، خليني نحس بالعدالة، ربي لقد أصابني الضر وأنت ارحم الراحمين”.
السكرتير الخاص للرئيس: نفذت طلب بوتفليقة ولم اسأل عن مايا
وبعد سماع بقية المتهمين الذين أنكروا التهم الموجهة إليهم ونفوا علاقتهم بالمتهمة نشناش، جاء دور الشهود، حيث استمعت القاضية لأهم شاهد في القضية ويتعلق الأمر بالسكرتير الشخصي للرئيس السابق، رقاب محمد الذي قال بعد أداء اليمين، “في أكتوبر 2004 كلمني الرئيس بشأن ة مايا لتحديد موعد لها مع والي الشلف الغازي لأجل مشروع استثماري خاص بحديقة للتسلية، وبالفعل استقبلتها مرة واحدة وهي أول وآخر مرة استقبلها ولم اتصل بها ولا بشخص آخر بشأنها، أما التحقق من هويتها فهو من صلاحيات من يستقبلها، ونفى أن يكون قد قال أنها بنت الرئيس .
واستمعت القاضية بعده لأفراد الشرطة الذين تعاملوا معها وأكدوا أنهم كانوا يقومون بحراستها ومرافقتها وتركيب الكاميرات بالمنزل بأمر من المسؤولين المباشرين لهم، فيما أعترف مراقب شرطة المدير المركزي وكذا مراقب شرطة رئيس مصلحة الأمن وحماية الشخصيات وأيضا مدير وحدات، أنهم طبقوا أوامر المدير العام الهامل بتركيب الكاميرات ووضع تشكيل أمني من أربع فرق لحماية منزل مايا على مدار 24 ساعة، فيما أفادتا عاملتا النظافة بمنزل مايا أنهما كانت تتلقيان أجورهما من مدير معادلة الخدمات الاجتماعية، كما أفاد عسكري بالحرس الجمهوري ومنتدب بقاعة التشريفات انه ساعد مايا بطريقة عادية كونها من الشخصيات التي يفرض عليه قانون العمل مساعدتهم، لكن لم يكن يعلم أنها كانت تهرب الأموال هي وابنتيها إلى غاية استدعائه للتحقيق .
النائب العام يلتمس تأييد الأحكام الابتدائية لخطورة الوقائع
وفي حوالي منتصف الليل، فسح المجال لمرافعة النائب العام الذي استعرض وقائع قضية الحال التي وصفها بالخطيرة وذكر بأن 12 قاضيا حققوا في هذه القضية التي تعود إلى 2017 بعد اكتشاف الأعمال الإجرامية التي قامت بها المتهمة منذ 2004 وكيف استغلت علاقاتها بمسؤولين سامين في الدولة وإطارات وموظفين ومصالح الأمن لكسب غير مشروع لعقارات وفيلات ومساكن وأرصدة مالية وبالداخل والخارج، وكيف كانت تتلقى مبالغ مالية كبيرة كمزايا غير مستحقة وجمعت نظير ذلك ثروة مالية معتبرة إلى درجة استغلالها لعاملات نظافة بمنزلها على حساب الخزينة العمومية لحوالي سنة ونصف. وبعد تلاوة التهم الموجهة إلى المتهمين في قضية الحال، التمس النائب العام تسليط العقوبات المذكورة أعلاه في انتظار النطق بالحكم.