أفريقيا برس – الجزائر. قال وزير الشؤون الخارجية، أحمد عطاف، خلال كلمته اليوم، الإثنين 30 سبتمبر، في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ79، إن العالم اليوم يمر بمنعطف “بالغ الدقة والحساسية والخطورة”، وهذا بسبب تراكم النزاعات والحروب واتساع الفوارق بين الشمال والجنوب إضافة إلى التغيرات المناخية والمخاطر البيئية.
منعطف “يَكْشِفُ عن حجم العجز الذي أصاب منظومة الأمن الجماعي في ظل النزعة إلى حل الخلافات بالقوة، واللجوء المفرط والانتقائي للإجراءات العقابية أحادية الجانب والتراخي في الوفاء بالالتزامات المعقودة والاستخفاف بالشرعية الدولية”. وهو ما يضع على المحك منظومة العلاقات الدولية بما تقوم عليه من قواعد ومبادئ وضوابط وهياكل ومؤسسات.
من هذا المنطلق، دعا عطاف إلى تجديد التمسك بالشرعية الدولية القائمة “على سيادة القانون لا سيادة القوة، وعلى قوة القانون لا قانون القوة، وعلى قوة المنطق لا منطق القوة”، منبها أن دول العالم بحاجة لإعادة الإلتزام والإحتكام “إلى ميثاق الأمم المتحدة وإلى قواعد القانون الدولي، التي تتساوى جميعاً أمامها وفي واجب احترامها والتقيد بها.”
القضية الفلسطينية
وبيَّن أن ما يحدث في غزة من حرب إبادة جماعية، وامتدادها إلى الضفة الغربية، ثم إلى لبنان، والتصعيد الذي تعرفه المنطقة ما كان ليحدث “لو أَنَّ المجموعة الدولية اتَّخَذَتْ في حينه موقفاً حازماً يفرض على الاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني ما فرض على غيره من إجراءات عقابية وتدابير ردعية” قنّنها ميثاق الأمم المتحدة.
داعيا المجموعة الدولية أن “تسارع لوضع حد للجحيم المسلط على الشعبين الفلسطيني واللبناني، وأن تَكْبَحَ جِمَاحَ المُحتل الإسرائيلي ورغبته في إدخال منطقة الشرق الأوسط في دوامة من الأزمات والصراعات والحروب الدائمة واللامتناهية.”
عطاف قال إن القضية الفلسطينية أمام مرحلة مفصلية من تاريخها وهي “مرحلة لا تقبل العودة لما قبلها”، و”مرحلة لا تقبل التردد أو التقاعس عن دعم المشروع الوطني الفلسطيني”.
ليجدد دعوة الجزائر لقبول العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، لأن ذلك “خطوة حاسمة نحو الحفاظ على حل الدولتين، ونحو التصدي لما يُعد له الاحتلال الإسرائيلي من عدة لإفشاله، بل إجهاضه، ونحو صون ثوابت حل الصراع العربي الإسرائيلي ومقومات الأمن والاستقرار في المنطقة.”
الساحل الإفريقي
عطاف أكد أن الجزائر مقتنعة أن مواجهة التحديات التي تواجه دول وشعوب جوارها تتطلب “دعماً دولياً والتفافاً عالمياً لرفع مختلف الرهانات التي ترمي بثقلها في عموم فضاء انتمائنا الإفريقي.”
وهذا ينطبق على منطقة الساحل التي تعيش أوضاعا هشة جراء الاضطرابات السياسية والأخطار الإرهابية وانتشار الفقر وغياب آفاق التنمية.
ليجدد وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف، التأكيد على تضامن الجزائر “مع كافة دول وشعوب منطقة الساحل الصحراوي، مؤكدةً على قناعتها الراسخة أن أمنها واستقرارها ورفاهها جزء لا يتجزأ من أمن واستقرار ورفاه جوارها وفضاء انتمائها الإفريقي.”
عطاف عاد في كلمته إلى ما تحدث عنه مُمثل دولة من دول الساحل في كلمة له في الجمعية العامة حول الجزائر، واصفا لغته بـ”المنحطة قليلة الأدب” ومؤكدا أن الجزائر لن ترد عليها “إلا بلغة مؤدبة راقية وهي اللغة التي تعكس بصدق وفاءه وإخلاصه لِمَا يَجْمَعُهُ بِدُوَلِ وَشُعُوبِ المِنْطَقَة من روابط متجذرة لا تَتَأَثَرُ ولا تهتز بالعوامل الظرفية العابرة على سوئها وعلى رَدَاءَةِ من يقفون وراء إذكائها.”
وأكد عطاف أنه لدى الجزائر “إرادة صلبة، ويد ممدودة، وصدر رحب، كلما اقتضت الظروف التعاطي مع كل أشقائنا من أجل بناء صرح ساحلي ينعم بالأمن والأمان، والسكينة والرفاه”.
الصحراء الغربية
الوزير عطاف ذكّر أن الجزائر تتطلع إلى تصفية نهائية للاستعمار “وذلك عبر طي آخر صفحة من صفحاته التي لا تزال، وللأسف، ماثلة أمامنا على أرض الصحراء الغربية فللأمين العام للأمم المتحدة ولمبعوثه الشخصي كل الدعم والسند منا نظير جهودهم الرامية التمكين طرفي النزاع المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، من استئناف مسار المفاوضات المباشرة بهدف الوصول إلى حل سياسي يضمن للشعب الصحراوي ممارسة حقه غير القابل للتصرف أو التقادم في تقرير مصيره.”
فيما يخص الوضع في ليبيا، دعا عطاف إلى “الإسراع في معالجة آفة التدخلات الخارجية التي تُنْهِكُ مُقَدَّرَاتِ هذا البلد الشقيق وتغذي الصدامات والصراعات بين أبنائه.”
إفريقيا
وعلى الصعيد القاري، قال الوزير عطاف أن الجزائر تواصل بذل جهودها “لتقديم مساهمة نوعية في العمل الإفريقي الجامع”، مؤكدا أن القارة تتطلع “إلى تفعيل حلول إفريقية” لحل مختلف الأزمات والنزاعات التي تعيشها. كما تتطلع إلى “كسب رهانات التنمية الاقتصادية والالتحاق يركب الثورات المشهودة راهناً في مجالات الذكاء الاصطناعي والرقمنة والطاقات المتجددة.”
كذلك تتطلع إفريقيا، يضيف عطاف، إلى “إصلاح المؤسسات المالية والنقدية والمصرفية الدولية لتحسين التمثيل الإفريقي فيها والمعالجة الهيكلية للمديونية العالمية، وكذا التمويل الدولي اللائق بمقتضيات التنمية على المستوى القاري.”
إضافة إلى “تصحيح الظلم التاريخي المفروض عليها في مجلس الأمن وتمكينها من شغل مكانتها الحقة بهذه الهيئة الأممية المركزية، امتداداً لانضمامها مؤخراً كعضو دائم في مجموعة العشرين.”
شراكة متوازنة
الوزير عطاف قال إن الجزائر تسعى كذلك “لإقامة شراكة متوازنة ونافعة وهادفة في جوارها المتوسطي، ومع الإتحاد الأوروبي على وجه الخصوص والتحديد”، شراكة تحتكم إلى مبدأ توازن مصالح الطرفين.
كما تعمل الجزائر يضيف عطاف “على تعزيز علاقاتها مع جميع الدول الشقيقة والصديقة والشريكة في فضاءات انتمائها وخارج فضاءات الانتماء هذه”.
الوزير عطاف ختم كلمته بالتأكيد أنه بالرغم من صعوبة وخطورة الوضع العالمي اليوم، إلا أن ثقة الجزائر كبيرة “من أَنَّ الأمل يبقى قائماً ومن أَنَّ الطموح يظل متاحاً”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس