أفريقيا برس – الجزائر. قال عالم السياسة الفرنسي، إيريك سافاريز، إن استهداف اتفاقية 1968، بداعي محاربة الهجرة القادمة من الجزائر، زعم فارغ من أي محتوى، لأن الهجرة مع الجزائر تم ضبطها منذ عقود ولم تعد مشكلة، وأكد بالمقابل أن الهدف الحقيقي هو محاولة اليمين المتطرف ومن يوالونه، خلق عدو وهمي، ولم يجدوا غير الجزائر التي تحولت إلى عقدة تاريخية بالنسبة إليهم.
وفي مقال له بصحيفة “لوموند” الفرنسية، نشر السبت 08 نوفمبر الجاري، تحت عنوان “لماذا التركيز على الهجرة الجزائرية، وقد تم احتواؤها؟”، استغرب إيريك سافاريز ما سماه “التركيز الذي يقترب من الهوس بالهجرة الجزائرية، رغم احتوائها؟”، وأوضح: “هنا يتجلى الاستحضار الدائم للقضية الجزائرية”، من قبل الأوساط اليمينية المتطرفة وغيرهم من السياسيين الذين يشاطرونهم طروحاتهم، على غرار اليمين الجمهوري خاصة.
وتساءل الأستاذ بجامعة “بيربينيون” الفرنسية: “في ظل هذه الظروف، لماذا ندين، من خلال القرار المُعتمد في 30 أكتوبر (لائحة البرلمان الفرنسية التي تندد باتفاقية 1968)، نصا ساهم في تنظيم تدفق المهاجرين الجزائريين إلى فرنسا؟”، وأشار سفاريز إلى عُقد بعض الفرنسيين من الجزائر: “بالنسبة لليمين المتطرف، الذي يحرص على خلق عدو داخلي- سواء كان يهوديًا أو مهاجرًا أو مسلمًا أو جزائريًا – يُحافظ على صلة أيديولوجية بالجزائر الفرنسية”.
وتطرق هنا إلى ظروف إنشاء “الجبهة الوطنية” المتطرفة من قبل ماري لوبان في العام 1972، وكيف تحول هذا الحزب السياسي، منذ تلك اللحظة، إلى ملجأ لكل من يحنون إلى الجزائر الفرنسية وغيرهم من النشطاء السابقين في منظمة الجيش السري الإرهابية (OAS)، التي ولغت كثيرا في دماء الجزائريين والفرنسيين، تعبيرا عن رفضها لاستقلال الجزائر.
وعبر إريك سافاريز عن استغرابه مما وصفه “الاستحضار المستمر لمسألة الهجرة الجزائرية إلى فرنسا”. ويرى أن النقاشات البرلمانية التي جرت في العقود الأخيرة حول هذا الموضوع تكشف عن الانقسامات السياسية العميقة داخل المجتمع الفرنسي، مشيرا إلى أن الجدل الدائر حول اتفاقية عام 1968، والذي يُؤججه بانتظام وزير الداخلية السابق برونو روتايو، رئيس حزب “الجمهوريون”، ليس جديدا، إلا أن غير المسبوق في المشهد السياسي الفرنسي، هو اعتماد نص (لائحة اتفاقية 1968) اقترحه حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف.
وبالنسبة لأستاذ العلوم السياسية، فإن هدف اتفاقية عام 1968 كان منذ البداية، تنظيم الهجرة الجزائرية إلى فرنسا. ففي عام 1962، يقول سافاريز، نصت اتفاقيات إيفيان على حرية التنقل بين فرنسا والجزائر، مما سمح بتنقل الأقدام السوداء الراغبين بالعودة إلى الجزائر. إلا أنهم لم يعودوا، وسرعان ما استنتجت السلطات الفرنسية أنه في ظل هذه الظروف، قد تصبح الهجرة الجزائرية خارجة عن السيطرة. ومن هنا جاءت اتفاقيات عام 1968، التي نصّت، لصالح فرنسا، على السماح بدخول 35 ألف جزائري فقط سنويا، و25 ألفا بعد ذلك، مع ضمان حق الجزائر في اختيار الجزائريين الذين يهاجرون إلى فرنسا كل عام.
ويؤكد إريك سافاريز أن اتفاقية 1968 جاءت في “سياق فرنسا ما بعد الجزائر”، وأن الهدف من المنظور الفرنسي، هو الحد من الهجرة الجزائرية. لذا، فهو لا علاقة له، يقول سافاريز، بـ “المصطلحات البغيضة لليمين المتطرف، “غزوا” أو “موجة عارمة من الهجرة “. الهدف الحقيقي هو الحد من وصول العمال الجزائريين إلى فرنسا، وهو إجراء عززته لاحقا متطلبات التأشيرة، وبشكل أعم، سياسات الهجرة شديدة التقييد.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد سنت السلطات الفرنسية قانون الهجرة، في 19 ديسمبر 2023، يقول سافاريز، والذي حد من المزايا الاجتماعية للمهاجرين، تماشيا ورغبات اليمين المتطرف، الذي ساهمت أصوات نوابه في “التجمع الوطني” و”الجمهوريون”، في تمريره، وهو ما يؤكد غلق منافذ الهجرة.
ويخلص الخبير في العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى إن “القضية الجزائرية لا تزال مسألة خلافية في المجتمع والحياة السياسية الفرنسييْن، وبالضبط على اليسار، بين الحرس القديم المتورط في إرسال قوات إلى الجزائر، وأولئك الذين دخلوا المعترك السياسي معارضين للحرب الجزائرية والاستعمار، ثم، على اليمين، بين البارونات الديغوليين القدامى المعارضين لمنظمة الجيش السري الإرهابية، والوافدين الجدد الذين أقروا قانون 23 فبراير 2005، الممجد للاستعمار، الذين يزرعون عنصرية معادية للعرب، الذين لم يحصلوا على الجنسية الفرنسية إلا في سنة 1958، أي أربع سنوات فقط قبل الاستقلال.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس





