أفريقيا برس – الجزائر. في تطور مفاجئ، أعلن التلفزيون الفرنسي (العمومي) برمجة وثائقي كان قد منع من البث في وقت سابق، ويتعلق بالحرب الكيميائية التي شنها جيش الاحتلال في الجزائر إبان الحقبة الاستعمارية، وهو الوثائقي الذي ينقل الجرائم الوحشية التي تعرض لها الجزائريون.
وكان من المقرر أن يبث هذا الوثائقي، في 16 مارس الماضي، على القناة الخامسة (فرانس 5)، غير أنه وفي آخر لحظة تم الإعلان عن تأجيل بثه، في قرار خلف جدلا كبيرا في الأوساط السياسية والإعلامية في فرنسا، في وقت كانت فيه العلاقات الثنائية تشهد تصعيدا غير مسبوق.
وتقرر بث الوثائقي المثير للجدل، يوم الأحد المقبل الثامن جوان 2025، على القناة الخامسة، بداية من الساعة الحادية عشرة مساء. ويكشف الوثائقي أن فرنسا خاضت بشكل سري حربا كيميائية واسعة النطاق خلال الحرب التي شنتها على الشعب الجزائري خلال الثورة التحريرية، وفق ما جاء في بيان صحفي صادر عن فريق إنتاج الفيلم.
والفيلم الوثائقي الذي يحمل عنوان: “الجزائر، أقسام الأسلحة الخاصة” للمخرجة كلير بيي، يلقي نظرة لأول مرة على الحرب الكيميائية واسعة النطاق التي شنتها فرنسا في الجزائر بين عامي 1956 و1962، وذلك استنادا إلى الأبحاث التي أجراها المؤرخ كريستوف لافاي والأرشيف الذي جمعه، فضلا عن شهادات بعض قدامى المحاربين الفرنسيين والجزائريين وخبراء في مجال الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية.
كما يكشف الفيلم، الذي حصل على جائزة “أرض التاريخ”، في أفريل المنصرم في المهرجان الدولي للأفلام الوثائقية، سياق وحجم هذه الحرب الكيميائية، وكيف تورط المسؤولون الفرنسيون آنذاك، في استخدام الغاز السام واختباره ثم استخدامه على نطاق واسع للقضاء على المجاهدين الجزائريين المختبئين في الكهوف والجبال والأماكن تحت الأرض. وإلى جانب التعذيب وتشريد السكان، تشكل الحرب الكيميائية العنصر الأحدث في سلسلة من الانتهاكات لالتزامات فرنسا الدولية التي انتهكتها من أجل شن حربها الاستعمارية على الجزائريين.
التفاصيل التي توصل إليها منجزو الوثائقي كانت قريبة من الخيال، تقول المخرجة، كلير بيي، “لقد كنت في حالة من عدم التصديق، لقد بدا من الجنون أن يظل جزء كهذا من تاريخنا مجهولا بعد مرور ستين عاما”، قبل أن تتساءل: “هل كان هناك أي أثر له؟”. وتضيف: “خلال الحرب الجزائرية، تم إخفاء كل ما يتعلق بالأسلحة الكيميائية عن أنظار الكاميرات العسكرية: لم يتم تصوير الأقنعة، والبدلات، والذخائر، والعمليات الكيميائية”.
وتكمن أهمية هذا الفيلم الوثائقي، في كونه غنيا بالشهادات التاريخية لمن شاركوا في صنع الحدث أو كانوا شهودا عليه، وهم المحاربون القدامى في كل من الجزائر وفرنسا الذين وافقوا على نقل شهاداتهم، التي جمعها المؤرخ كريستوف لافاي بالتعاون مع المؤرخة صفية أرزقي.
وعلاوة على الشهادات التي جمعها المؤرخ كريستوف لافاي من صانعي الحدث أو الشاهدين عليه من الفرنسيين والجزائريين معا، فقد حاولت مخرجة الفيلم الوثائقي، كلير بيي، أن تدعم ما يقوله الجزائريون والفرنسيون وتثبته بالأدلة، كما قالت. ولذلك كان من الضروري إظهار الأرشيف العسكري.
وفي تفاصيل أخرى، كشفت المخرجة أن الطلبات التي تقدمت بها لتصوير الفيلم الوثائقي على مستوى هيئة خدمة الدفاع التاريخية الفرنسية، قوبلت بالرفض، غير أن مصالح الأرشيف الفرنسي لأقاليم ما وراء البحار، وافقت على استقبال فصول التصوير.
وتشكل موافقة التلفزيون الفرنسي على بث الفيلم الوثائقي تطورا لافتا، وانفتاحا من جانب باريس على القيام بمبادرة في ملف الذاكرة، أملا في إقدام الطرف الجزائري على رفع الحظر عن عمل اللجنة المختلطة لبحث هذا الملف، الذي تم تفعيله منذ ما يقرب السنة، في أعقاب التغير الذي حصل في الموقف الفرنسي من القضية الصحراوية، وتسبب كما معلوم، في أزمة دبلوماسية وسياسية غير مسبوقة، جسدها غياب التمثيل الدبلوماسي على مستوى السفراء.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس