عباس ميموني
أفريقيا برس – الجزائر. تشهد العلاقات بين الجزائر وفرنسا أزمة دبلوماسية بلغت مستوى تصعيد غير مسبوق منذ استقلال الجزائر في 1962، حيث طلب ذلك البلد العربي بالترحيل الفوري لحوالي 15 موظفا فرنسيا عينوا في مناصب دبلوماسية بطريقة، قال إنها “مخالفة للإجراءات”.
وتعليقا على الطلب الجزائري، أعلنت باريس من جانبها أنها سترد بشكل “حازم وفوري”، لتطرح تلك الأزمة تساؤلات جادة حول مستقبل العلاقات الثنائية ومدى اقترابها أكثر من أي وقت مضى من “القطيعة الدبلوماسية”.
بداية الأزمة
بدأت الأزمة الدبلوماسية بين فرنسا والجزائر منتصف أبريل/نيسان الماضي، عندما أعلنت الجزائر طرد 12 موظفا دبلوماسيا فرنسيا، يعملون تحت وصاية وزارة الداخلية، كرد فعل على اعتقال السلطات الفرنسية لعون قنصلي جزائري.
وكانت تقارير إعلامية فرنسية أشارت إلى أن الاستخبارات اتهمت الدبلوماسي الجزائري بالضلوع في اختطاف لاجئ من بلده مقيم في فرنسا، تقول الجزائر إنه مطلوب لديها، بينما تعتبره باريس ناشطا معارضا للحكومة الجزائرية.
ورفضت الجزائر هذه الاتهامات الفرنسية لموظفها الدبلوماسي والحجج التي ساقتها باريس لتبرير اعتقاله.
بدورها، ردت فرنسا يومها بالمثل، وقامت بطرد 12 دبلوماسيا جزائريا، إلى جانب سحب سفيرها لدى الجزائر ستيفان روماتيي، للتشاور.
كما اندلع فصل جديد من الأزمة عندما كشفت السلطات الجزائرية عن رصدها “تجاوزات وخروقات قانونية” ارتكبتها باريس في تعيين موظفين قنصليين.
ومساء الأحد، طالبت السلطات الجزائرية من القائم بأعمال السفارة الفرنسية لدى الجزائر، خلال استقباله بمقر وزارة الشؤون الخارجية، بترحيل فوري لجميع الموظفين الفرنسيين الذين تم تعيينهم في ظروف مخالفة للإجراءات المعمول بها”، بحسب بيان للخارجية الجزائرية، نقلته وكالة الأنباء الرسمية.
وذكرت الوكالة “بأن القائم بالأعمال بسفارة الجمهورية الفرنسية لدى الجزائر (لم تسمه) تم استقباله، ظهر 11 مايو/ أيار 2025، بمقر وزارة الشؤون الخارجية”.
وأوضحت أن هذا الاستدعاء جاء في أعقاب رصد المصالح المختصة خلال الفترة الأخيرة، تعيين ما لا يقل عن 15 موظفا فرنسيا لمباشرة مهام دبلوماسية أو قنصلية فوق التراب الجزائري، دون أن تستوفى بشأنهم الإجراءات الواجبة، المتمثلة في الإبلاغ الرسمي المسبق أو طلب الاعتماد، كما تقتضيه الأعراف والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وفق المصدر ذاته.
وأكدت السلطات الجزائرية أنها طالبت “بترحيل فوري لجميع الموظفين الفرنسيين الذين تم تعيينهم في هذه الظروف المخالفة، داعية إلى عودتهم العاجلة إلى بلدهم الأصلي”.
كما أشارت الوكالة إلى “تسجيل تجاوزات جسيمة ومتكررة من قبل الجانب الفرنسي، تمثلت في الإخلال الصريح بالإجراءات المعمول بها والمتعارف عليها في مجال تعيين الموظفين ضمن التمثيليات الدبلوماسية والقنصلية الفرنسية المعتمدة لدى الجزائر”.
وأفادت بأن هؤلاء الموظفين “كانوا في السابق يحملون جوازات سفر لمهمة، وأسندت إليهم فيما بعد جوازات سفر دبلوماسية قصد تسهيل دخولهم إلى الجزائر”.
كما قامت السلطات الجزائرية بطرد عنصرين وصفتهما بأنهما من “المخابرات الداخلية” الفرنسية، على خلفية دخولهما البلاد بـ”جوازات دبلوماسية مزيفة”.
وقالت قناة “الجزائر الدولية” الإخبارية (رسمية)، الأحد، إن العنصرين التابعين لمديرية الأمن الداخلي يعملان تحت إشراف وزارة الداخلية الفرنسية، و”لم يلتزما بالإجراءات القانونية” خلال دخولهما الجزائر.
وأضافت القناة، أن ما حدث “يمثل مناورة” من وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو.
وفي أول تعليق لها، أعلنت الخارجية الفرنسية، الإثنين، أنها سترد بشكل “حازم وفوري” على قرار الجزائر.
وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية، أن خارجية بلادها “تؤكد نيتها الردّ بشكل فوري وحازم ومتناسب” على قرار الجزائر طرد المزيد من الموظفين الفرنسيين، دون أن توضح طبيعة هذا الرد.
وجاء الطرد المتبادل بعد تهدئة نسبية، عقب مكالمة هاتفية بين الرئيسين الجزائري عبد المجيد تبون والفرنسي ايمانويل ماكرون نهاية مارس/ آذار الماضي، وزيارة أجراها وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى الجزائر في 6 أبريل الماضي، وإعلانه استئناف آليات الحوار كافة بين البلدين.
عراقيل فرنسية تهدد العلاقات لثنائية
كما تزامنت أزمة الدبلوماسيين في وقت “تشهد فيه العلاقات الثنائية عراقيل أخرى، تمثلت في رفض باريس بشكل متكرر دخول حاملي جوازات السفر الدبلوماسية الجزائرية إلى الأراضي الفرنسية”، حسبما ذكرت الخارجية الجزائرية في أحد بياناتها.
وأضافت الوزارة الجزائرية بأن باريس قامت أيضا بـ”تعطيل مسار اعتماد قنصلين عامين جزائريين معينين بباريس ومرسيليا، إلى جانب 7 قناصل آخرين، الذين لا يزالون في انتظار استكمال إجراءات اعتمادهم منذ أكثر من 5 أشهر”.
نذير مقاطعة
وحول هذه الأزمة، استبعد الخبير الدولي في الأزمات، حسان قاسيمي، أن تصل العلاقات بين فرنسا والجزائر إلى “حد القطيعة”، رغم تأكيده أن “لا شيء يسير على ما يرام بين البلدين”.
وقال قاسيمي إن الأزمة الحالية مرتبطة أيضا “بإدارة اليمين المتطرف في فرنسا، والذي يسعى إلى فرض علاقة قوة على الجزائر وإكراه من نوع استعماري”.
ورجح أن ماكرون، لم “يعد هو من يمارس الدبلوماسية، في العلاقة مع الجزائر”.
وقال: “تم تحييد ماكرون، ولم يعد يتحكم في الوزارة السيادية التي لا تتوقف عن مهاجمة الجزائر” في إشارة إلى وزير الداخلية، الذي يقف وراء سياسة “القبضة الحديدية مع الجزائر” ونهج “التصعيد التدريجي” معها.
وفي المقابل، وفي ظل استمرار الأزمة، توقع قاسيمي، “امتداد الصراع الفرنسي الجزائري إلى المجالين الاقتصادي والتجاري”، بمعنى أنه لا يستبعد نشوب حرب تجارية بين البلدين.
حرب السفارات
وفي السياق، وصف الدكتور إدريس بولكعيبات، العميد السابق لكلية الإعلام بجامعة قسنطينة (شرق) ما يحدث بين الجزائر وباريس بأنه بمثابة “حرب سفارات”
واعتبر أن الرئيس الفرنسي أصبح مثل ملك بريطانيا “إذ لم يعد الحاكم الفعلي لفرنسا، بل أصبح وزير الداخلية هو الرجل الأول في البلاد”.
وقال بولكعيبات، إن “روتايو، المهوس بالجزائر والمتضخم الشخصية، ليس مجرد ذئب مندس وسط قطيع الحكومة (الفرنسية) الشارد بل هو الحاكم بأمره”.
ومنذ أشهر، تشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية توترا ملحوظا على خلفية ملفات سياسية وقنصلية وأمنية.
وزادت حدة التصعيد منذ يوليو/ تموز الماضي، بعدما سحبت الجزائر سفيرها من باريس؛ إثر تبني الأخيرة مقترح الحكم الذاتي المغربي لحل النزاع في إقليم الصحراء المتنازع عليه بين الرباط وجبهة “البوليساريو”.
وإضافة إلى ملف إقليم الصحراء، لا تكاد تحدث انفراجة في العلاقات بين البلدين حتى تندلع أزمة جديدة بينهما، على خلفية تداعيات الاستعمار الفرنسي للجزائر طيلة 132 سنة (1830-1962).
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس