رئيس الجمعية الفرنسية: نهاية فرنسا الكبرى وراء نزعة تجاه الجزائر

1
رئيس الجمعية الفرنسية: نهاية فرنسا الكبرى وراء نزعة تجاه الجزائر
رئيس الجمعية الفرنسية: نهاية فرنسا الكبرى وراء نزعة تجاه الجزائر

أفريقيا برس – الجزائر. رفعت الجمعية الفرنسية المناهضة للعنصرية “إس أو إس راسيزم” دعوى قضائية ضد نوال لونوار، الوزيرة الفرنسية السابقة وعضو المجلس الدستوري سابقا، بتهمة الإهانة العلنية ذات الطابع العنصري، كما تقدّمت بشكوى إلى الهيئة العليا لتنظيم الاتصال السمعي، البصري والرقمي (أركوم) ضد قناة “CNews”وذلك على خلفية تصريحات لونوار التي استهدفت الجزائريين خلال برنامج L’Heure des Pros 2 Été الذي بثته القناة يوم الجمعة 8 أوت، مطالبة الهيئة باتخاذ عقوبة صارمة ورادعة بحق القناة.

رئيس الجمعية المناهضة للعنصرية، دومينيك سوپو، يلفت الانتباه إلى ضعف تفاعل الطبقة السياسية ووسائل الإعلام الفرنسية مع التصريحات العنصرية للوزيرة السابقة.

“نوال لونوار شخصية هامشية جدا في المشهد السياسي الفرنسي، ولأكون صريحا، فهي شبه مجهولة رغم المناصب والألقاب الرفيعة التي شغلتها. لكن، وبسبب هذه المناصب، كان من الممكن أن نتوقع ردة فعل أوضح من المسؤولين السياسيين ووسائل الإعلام”، يقول سوپو.

ليضيف: “بعيدا عن تصريحات نوال لونوار، التي لا تعد مفاجئة على تلك القناة بالذات، فإن ما يلفت الانتباه هو ضعف ردود الفعل السياسية وضعف التغطية الإعلامية للموجة الغاضبة – سواء بين الجزائريين أو الجمعيات المناهضة للعنصرية – وهو ما يظهر أنه إذا لم يكن هناك انزلاق فعلي نحو اليمين المتطرف، فهناك على الأقل تطبيع لهذه التصريحات الخطيرة بما تحمله من عنف رمزي وآثار محتملة على الأشخاص المستهدفين بها.”

فعند سؤال نوال لونوار، أثناء تدخلها في قناة “CNews” عن قرار المجلس الدستوري الفرنسي الذي ألغى بنودا تسمح بتمديد فترة الاحتجاز في مراكز الاحتجاز الإداري إلى 210 يوم، قالت: “آخذ مثال الجزائر. هناك ملايين الجزائريين يشكّلون مخاطر كبيرة، يمكن أن يخرجوا بسكين في المترو، أو في محطة، أو في الشارع، في أي مكان، أو أن يأخذوا سيارة ويقتحموا بها حشدا من الناس.”

لتضيف “أن الجزائريين يجب أن يحتجزوا 210 يوم في مراكز الاحتجاز الإداري، إلى أن يرحلوا من هنا، إذ ليس لهم ما يفعلونه في بلدنا، وفوق ذلك، فهم يهدّدوننا.”

تصريحات نوال لونوار هذه التي تستهدف الجزائريين ليست بالحالة الاستثنائية، فمنذ الأزمة الدبلوماسية الأخيرة بين الجزائر وباريس، تصاعدت الخطابات التي تستهدف الجزائريين في وسائل الإعلام الفرنسية.

وحسب سوپو “البعد العاطفي في العلاقة بين فرنسا والجزائر هو ثابت في المشهدين السياسي والإعلامي على جانبي المتوسط.”

ليشرح أنه “في الجانب الفرنسي، هناك عاملان يمكن أن يفسّرا عودة وانتشار هذه الأحقاد القديمة. أولا، الأزمة الدبلوماسية التي أشرتم إليها. فبالنسبة للفئات التي تعادي بناء علاقات مع الجزائر بسبب حقد مرتبط بخسارة الجزائر الفرنسية، تشكّل هذه الأزمة فرصة للعزف على الوتر القومي.”

كما يشير رئيس جمعية “إس أو أس راسيزم” إلى أن هناك عاملا آخر يتسبّب في تنامي هذا الخطاب، وهو تصاعد اليمين المتطرف، أو “اليمنة المتطرفة” كما يسمى، للمشهدين السياسي والإعلامي الفرنسيين.

هذه اليمنة المتطرفة “تسبّبت في انزياح واضح نحو اليمين لوسائل الإعلام المحافظة أصلا، مثل “لوفيغارو” أو المجلة الأسبوعية “لوبوان”. وبهذا، نجد أنه إلى جانب منظومة وسائل الإعلام التي يديرها بولوري والمكرّسة للكراهية العنصرية (سي نيوز، جورنال دو ديمانش، أوروبا 1)، دخلت أيضا وسائل إعلام تقليدية بشكل حاسم في حملة وصم الجزائريين. ومن المهم أن نفهم هنا أن الأمر لا يقتصر على الجزائريين من حيث الجنسية، بل يشمل – وربما أساسا – مقاربة عنصرية تستهدف أيضا وبشكل شبه صريح فرنسيين من أصول جزائرية، خاصة إذا كانوا ينظر إليهم من قبل أكثر القوى عنصرية على أنهم نموذج سلبي لشخصيات تحمل أوصافا تستخدم لديهم بنبرة ازدرائية: “العربي”، “العربي-الأمازيغي”، “المغاربي” أو “المسلم”. وبشكل أوسع، فإن هذه العدائية تتوجه أيضا نحو المهاجرين القادمين من مستعمراتنا الإفريقية السابقة وأبنائهم.”

هذه الوضعية لا تقتصر فقط على الخطابات العنصرية، بل تتجاوزه إلى أعمال عنصرية وكراهية للأجانب تستهدف المهاجرين وأبنائهم، وكذلك المسلمين بشكل عام.

فقد عرف عام 2024 تصاعدا في حجم الجرائم والمخالفات ذات الطابع العنصري، حيث سجلت السلطات الفرنسية أكثر من 16000 مخالفة تشمل 9350 جريمة أو جناية، بزيادة بنسبة 11% مقارنة بعام 2023، و6985 مخالفة بزيادة بنسبة 6% عن العام 2023، وهي غالبا مقابلة لإهانات، تهديدات، أو تشهير، وفقا لأرقام الداخلية الفرنسية.

وضعية دفعت آلاف المتظاهرين للخروج، يوم السبت 22 مارس 2025، في العديد من المدن الفرنسية للتنديد بهذا الارتفاع “المقلق” للعنصرية وصعود اليمين المتطرف في البلاد، غداة إحياء اليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري. وشدّدت رابطة حقوق الإنسان الفرنسية، في بيان لها بالمناسبة، على أن “الوضع خطير”، مشيرة إلى “الزيادة المقلقة” للأعمال العنصرية التي يغذيها اليمين المتطرف من خلال تصرفات وتصريحات مسؤوليه.

“اليمين المتطرف يتحمّل المسؤولية الأولى في نشر عنصرية متزايدة الوقاحة، لأنها تمثّل التطبيق العملي لما يدافع عنه: الكراهية تجاه الأجانب وأبنائهم، الذين ينظر إليهم على أنهم لا يملكون الحق في التواجد على الأراضي الفرنسية، فما بالك في الحصول على جنسيتها، باستثناء من يعلنون ويتظاهرون بقطع صلتهم بجماعتهم الإثنية أو الثقافية الأصلية”، يشرح سوپو.

ليواصل المتحدث: “لكن قدرة اليمين المتطرف على فرض أجندته في النقاش العام بفرنسا لا يمكن تفسيرها فقط بقدراته الذاتية، فقياداته السياسية متواضعة فكريا وتقنيا، كما يظهر تقريبا بشكل كاريكاتوري في شخصية غوردان بارديلا. التأثير السلبي لليمين المتطرف على مسار النقاش العام يعود أيضا إلى إخفاقات باقي الطبقة السياسية، فالإخفاق يمكن أن يكون في العجز عن تقديم إجابات مقنعة لمشاكل المواطنين، كما هو حال اليسار، مثلا، أو في الانجرار وراء اليمين المتطرف، حين يتبنى سياسيون من المفترض أنهم ينتمون إلى “القوس الجمهوري” (مجموعة الأحزاب والقوى الملتزمة بالمبادئ والقيم الأساسية للجمهورية، والمستبعدة للتطرف من أي طرف، التحرير) تحليلاته ومقترحاته، مما يمنحه شرعية ويزيده قوة. وهذا ما وقعت فيه شريحة غير صغيرة من اليمين، على غرار حزب “الجمهوريون” الذي يرأسه اليوم برونو ريتايو، والذي لا يقل خطابه المعادي للمهاجرين وللجزائر حدة عن خطاب اليمين المتطرف.”

رئيس جمعية “إس أو إس راسيزم” يشير إلى أنه إذا كان هذا الميل نحو كراهية الآخر في فرنسا، يجد جذوره في ماض استعماري لم يهضم، خاصة حين نتحدث عن الماضي الاستعماري لفرنسا في الجزائر، حيث شكّل استقلال الجزائر نهاية لـ”فرنسا الكبرى”، فإنه يتجاوز فرنسا وحدها، فتعرف عديد البلدان اليوم انجرافا “نحو نزعات سلطوية ولا مساواتية قد تأخذ أشكالا فاشية.”

وفي حال استمرار هذا التوجه، يتوقع دومينيك سوپو نتائج خطيرة.

في قضية تصريحات نوال لونوار، يذكر سوپو، أنها رئيسة لجنة الدعم للكاتب الفرنسي-الجزائري بوعلام صنصال، والذي ثبّتت محكمة الاستئناف في الجزائر يوم 1 جويلية 2025، عقوبة السجن لخمس سنوات الصادرة في حقه بتهمة “المساس بوحدة الوطن” و”ممارسة أنشطة بشأنها إلحاق أضرار بالاقتصاد الوطني”، ليلفت سوپو أن تصريحات لونوار هذه لا تساعد في إطلاق سراح صنصال “في الواقع، الصورة هنا قاتمة، إذ أن تصريحاتها تظهر أن استياءها المعلن من اعتقال صنصال أقل تأثيرا عليها من رغبتها في استغلال منصبها للتعبير عن عداء تجاه الجزائر والجزائريين.”

ليضيف سوپو، أنه وعلى المستوى الأشمل المتعلق بـ”اليمنة المتطرفة” للنقاش العام والمشهد السياسي الفرنسي، فالنتائج قد تكون خطيرة. داخليا، هذا المسار سيؤدي حتما إلى تفاقم العنصرية ضد الأفارقة والعرب-الأمازيغ. كما أن انتشار وتطبيع الخطاب العنصري يرتبط بعودة الجرائم العنصرية في الأشهر الأخيرة (مقتل جمال بن جبالة في أوت 2024، واغتيال أبوبكر سيسي وهشام مراوي هذا العام). داخليا أيضا، فإن تطبيع العنصرية، ودعمها من قبل قوى سياسية خارج اليمين المتطرف، قد يعزز التقدّم الانتخابي لحزب التجمع الوطني، الذي كاد أن يصل إلى السلطة في الانتخابات التشريعية صيف 2024. ويمكن تخيل حجم الصدمة التي قد يحدثها ذلك على حقوق الأجانب وأبنائهم، وكذلك على بقاء ديمقراطية فعلية في بلدنا.”

أما خارجيا، “فإن هذه النزعة ستؤثر على صورة فرنسا ودورها، فهي ليست جزيرة معزولة، بل جزء من المجتمع الدولي، وتطمح للعب دور مهم ثقافيا ودبلوماسيا، وأحيانا اقتصاديا وعسكريا. هذا الدور لا يمكن إلا أن يتأثر سلبا بانغلاق البلد على نفسه والصورة التي نعكسها حين نسمح بتفشي العنصرية”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here