أفريقيا برس – الجزائر. التحضير لسن قانون جديد يفصل “أخطاء التقدير” عن الفساد
أمر رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، خلال مجلس الوزراء الإثنين، بالمسارعة في رفع التجريم عن فعل التسيير، بهدف تشجيع المبادرة الفردية والجماعية، وهو ما سبق أن خاطب به الولاة في لقاء الحكومة ـ ولاة السنة الماضية، وبعدها عبر تعليمة رفض “الرسائل المجهولة” قبل بضعة أشهر، والتي قال إنها كانت وراء تحطيم مستقبل عدد من الإطارات في السنوات الماضية.
ويأتي ذلك في وقت يطالب الخبراء والمختصون بتقديم توضيحات أكبر حول مضمون تعليمة رفع التجريم عن فعل التسيير، ومن تشمل، وبأي ضمانات؟
وبهذا الصدد، يؤكد الرئيس السابق لغرفة التجارة والصناعة لولاية المدية، عبد الرحمان هادف، أن قرار رفع التجريم عن فعل التسيير، يندرج ضمن مسعى السلطات العمومية لتكريس نظام الحوكمة، محصيا وجود عدة رهانات اليوم في الجزائر لتحقيق التحول الاقتصادي والاجتماعي، من خلال السماح لكل الفاعلين والمسؤولين في أجهزة الدولة، بتسيير المرحلة دون مثبطات تعرقل مهامهم، لاسيما أن الحركية الاقتصادية متوقفة منذ سنة 2019.
ويعتبر الخبير والمستشار في مجال التنمية الاقتصادية أن رفع التجريم عن فعل التسيير إجراء أولي، سيكون متبوعا بإجراءات أخرى تصب في نفس الاتجاه، من خلال تأسيس منظومة اقتصادية وطنية فعالة ووضع حد للتسيير البيروقراطي للاقتصاد وتعميم الأدوات الرقمية في أعقاب استحداث وزارة قائمة بذاتها للرقمنة، فضلا عن أخلقة الحياة السياسية، بعيدا عن سعي كل فرد إلى أخذ نصيبه من الريع الوطني بنفسه، ووضع الأسس الصحيحة لدولة القانون، وتكوين الموظفين وتحسيسهم لمجابهة الإغراء المالي، وعدم الاكتفاء بالتعليمات والقرارات، بل يجب مراجعة قانون الإجراءات الجزائية وتقييم دوري لتطبيق قرار رفع التجريم عن فعل التسيير.
ويقول هادف في تصريح لـ”الشروق” إن الأزمة الصحية لفيروس كورونا أثرت بشكل كبير أيضا على النشاط الاقتصادي، وهو ما دفع برئيس الجمهورية إلى إعطاء إشارة أولية للولاة والمسؤولين المحليين ومسؤولي الوزارات لرفع التجريم عن فعل التسيير، متوقعا صدور “قرارات أخرى لتشجيع الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال، وإعادة النظر في المنظومة الاقتصادية، وإصلاحات البرامج النقدية، وتسيير العقار الصناعي”.
وحسب الخبير عبد الرحمن هادف، فنحن مطالبون اليوم بتشجيع أكبر للفاعلين المحليين، وتحرير المبادرات، وتكريس لا مركزية القرارات، وإلغاء التجريم الفعلي للتسيير، مشدّدا على وجود عقبات عدة في طريق الفاعلين المحليين، يجب رفعها بعد الانتخابات المقبلة، وإعادة النظر في التسيير الاقتصادي على المستوى المحلي، حيث يكون للمنتخبين الجدد دور فعال في ذلك، فبدل أن ينتظر الجميع التعليمات، يجب وضع مخططات تنموية محلية، بكل بلدية وولاية عبر برنامج تنموي استراتيجي، مضيفا: “ننتظر الدعم من السلطات العمومية، لإحياء المبادرات وتشجيع الاستثمار وتكريس المنافسة بين الولايات”.
من جهته، يؤكد المحلل الاقتصادي والبروفيسور في مجال المقاولاتية، إسحاق خرشي، في تصريح لـ”الشروق” أن رفع التجريم عن فعل التسيير تمت الإشارة إليه من طرف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون عدة مرات منذ دخوله قصر المرادية بتاريخ 12 ديسمبر 2021، وكان ذلك السنة الماضية في لقاءات الثلاثية، واجتماعات الولاة وعبر تعليمة منع الرسائل المجهولة.
ويضيف خرشي أنه بسبب تراجع الاستثمارات وانخفاض معدلات النمو، كان يأمر الرئيس في كل مرة برفع التجريم عن فعل التسيير، حيث من المفترض تطبيق هذه التعليمات ميدانيا، وعقد اجتماعات أخرى لتقديم التوضيحات بخصوص من يشمله قرار رفع التجريم عن فعل التسيير، مشددا “كان الرئيس واضحا حينما أكد أن السجن لمن يأخذ المال ويضعه في جيبه وليس لمن يخطئ التقدير”.
ودعا الخبير نفسه، إلى تقديم توضيحات أكبر في هذا المجال عبر مراجعة الأنظمة القانونية المؤطرة للعملية ومنح ضمانات أكبر للمستثمرين، ورقمنة قطاع الاستثمار لمنحه شفافية أكبر، فالوالي من مكتبه قادر على مراقبة تطور المشاريع وتحركات المستثمرين وحتى الإطارات، إذا ما تم تعميم الرقمنة واستحداث تطبيق جديد لتتبع المشاريع.