أفريقيا برس – الجزائر. يكشف السفير الياباني بالجزائر، سوزوكي كوتارو، عن آفاق جديدة للتعاون بين البلدين، تشمل مجالات الطاقة المتجدّدة، الاستثمار الصناعي، التبادل الأكاديمي، ونقل التكنولوجيا، وينوّه هنا بمشاركة الطلبة الجزائريين الدارسين ببلاده في أبحاث متطورة. ويؤكد السفير سوزوكي كوتارو، في هذا الحوار مع “الشروق”، أن بلاده تُقدّر الوضع الأمني المستتب والاستقرار السياسي وجهود الحكومة لتحسين بيئة الاستثمار، وتطرق السفير في الحوار أيضا إلى المشاريع المشتركة الجارية، أبرز التحدّيات أمام المستثمرين، والانطباعات الشخصية للسفير عن الجزائر وشبابها، الذين يراهم مفتاح بناء المستقبل.
كيف تقيّمون المستوى الحالي للعلاقات الجزائرية – اليابانية؟
تعود العلاقات بين اليابان والجزائر إلى افتتاح مكتب جبهة التحرير الوطني في طوكيو عام 1958، وحافظت على تعاون ودي منذ ذلك الحين. وبعد الاستقلال، ساهمت أنشطة الشركات اليابانية، تحديدا، في الجهد التنموي بالجزائر، إلا أن عدد الشركات اليابانية العاملة في البلاد انخفض منذ ذلك الحين. وعلى مدار العقد الماضي، شهدت التبادلات بين البلدين ركودا، ويعود ذلك جزئيا إلى جائحة “كوفيد-19”.
ومع ذلك، شهد هذا العام تجدّدا في التبادلات بين الحكومتين، واكتسبت العلاقات بين البلدين زخما جديدا، ففي فيفري، عقد في بريتوريا بجنوب إفريقيا، أول اجتماع لوزراء الخارجية منذ عدة سنوات. وفي ماي، زار نائب وزير الخارجية البرلماني، السيد ماتسوموتو، الجزائر، وعقد أول اجتماع للجنة الاقتصادية المشتركة بين الحكومتين. وفي جويلية، زار الوزير الأول، السيد العرباوي اليابان، برفقة وزيري الثقافة والسياحة، للاحتفال بيوم الجزائر في معرض كانساي – أوساكا الدولي.
في هذا المعرض، الذي يقام من ربيع هذا العام إلى الخريف، تشارك الجزائر في المعرض، عارضة طبيعة البلاد وتاريخها وحاضرها للزوار اليابانيين والدوليين. وفي يوم الجزائر، الموافق لـ10 جويلية، زار العديد من الفنانين الجزائريين، من موسيقيين وراقصين اليابان وأبهروا الحضور، بمن فيهم أنا، بتعبيرهم عن الثقافة الجزائرية وتقاليدها المتنوعة.
كما عقدت قمة TICAD التاسعة في يوكوهاما في الفترة بين 20 إلى 22 أوت، وقد أُطلق مؤتمر TICAD من قبل اليابان عام 1993، وهو منتدى يجمع القادة الأفارقة والمنظمات الدولية لمناقشة التنمية في إفريقيا. وقد شاركت الجزائر، كدولة إفريقية مهمة، منذ انطلاقه، وساهمت في المناقشات حول مستقبل إفريقيا. ومن المشجع أن نرى أن العلاقات بين البلدين تمر بمرحلة انتعاش.
ما هي المجالات ذات الأولوية التي تركّز عليها اليابان لتعزيز التعاون مع الجزائر؟
من الناحية الاقتصادية، يعدّ قطاع المحروقات، وهو أحد أهمّ مصادر القوة في الجزائر، قطاعا بالغ الأهمية. كما تنشط الشركات اليابانية في قطاعي الأدوية والاتصالات. ونعتقد أن هناك مجالا واسعا للقدرات التكنولوجية المتقدمة للشركات اليابانية للمساهمة في تعزيز الصناعة المحلية، التي توليها الجزائر أهمية كبيرة، من خلال توفير آلات التصنيع، والآلات الثقيلة، والمواد الكيميائية المضافة، وغيرها من المنتجات.
بالنظر إلى مستقبل الجزائر والعالم، تعدّ الطاقة المتجدّدة مجالا واسع الإمكانية. تمتلك اليابان طيفا واسعا من تقنيات الهيدروجين الأخضر، والشركات اليابانية مهتمة بهذا المجال بشكل خاص. كما نولي اهتماما لجهود تشجيع الشركات الناشئة التي تسخّر إبداعات الشعب الجزائري، وخاصة الشباب، ونأمل في استكشاف سبل التعاون.
على الصعيد السياسي أيضا، وفي ظلّ التغيرات الكبيرة وعدم الاستقرار في الوضع الدولي، من المهمّ لبلدينا، المتباعدين جغرافيا، واللذين يلعبان دورا هاما في منطقتيهما، أن يتبادلا وجهات النظر. آمل أن تتاح المزيد من الفرص لذلك.
ما هي فرص الاستثمار التي تراها اليابان واعدة في الجزائر في المرحلة المقبلة؟
الطاقة المتجدّدة والهيدروجين مجالان واعدان للاستثمار المستقبلي. ورغم أن هذا يعتمد على سياسات الحكومة الجزائرية، إلا أنه قد تكون هناك أيضا فرص مستقبلية في مجالات مثل الرقمنة والتصنيع، شريطة أن تكون المجالات التي ترغبون في الاستفادة من القدرات التكنولوجية العالية للشركات اليابانية، كما ذكر سابقا.
هل هناك مشاريع مشتركة حالية بين البلدين تودون تسليط الضوء عليها؟
تعمل وكالة اليابان للتعاون الدولي (جايكا) حاليا مع “سوناطراك” على مشروع بحثي أساسي حول الهيدروجين الأخضر. يهدف هذا المشروع إلى دراسة الظروف اللازمة للجزائر لإنتاج الهيدروجين الأخضر مستقبلا. وتركّز الدول الأوروبية أيضا على هذا المجال، وتأمل الحكومة أن تشارك الشركات اليابانية أيضا في المشروع مستقبلا.
شهد هذا العام تجدّدا في التبادلات بين الحكومتين، واكتسبت العلاقات بين البلدين زخما جديدا. ففي فيفري، عقد في بريتوريا بجنوب إفريقيا، أول اجتماع لوزراء الخارجية منذ عدة سنوات. وفي ماي، زار نائب وزير الخارجية البرلماني، السيد ماتسوموتو، الجزائر، وعقد أول اجتماع للجنة الاقتصادية المشتركة بين الحكومتين. وفي جويلية، زار الوزير الأول، السيد العرباوي، اليابان، برفقة وزيري الثقافة والسياحة
من خلال “جايكا”، نرسل خبراء إلى مجالات الصيد البحري والبنايات المقاومة للكوارث منذ سنوات عديدة. يكتسب هذان المجالان أهمية بالغة لتأثيرهما المباشر على الحياة اليومية للناس، وهما مجالان تتمتع فيهما اليابان بخبرة واسعة. في مجال الصيد البحري، أتاح التعاون الفني في مجال مصائد الأسماك الساحلية فرصا للتبادل الأكاديمي من خلال المعارض وورش العمل حول الأرصفة الاصطناعية، ومن المقرر عقد ندوة عامة ختامية للخبير خلال الصالون الدولي للصيد البحري وتربية المائيات (SIPA) الذي سيحضره معالي وزير الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري في نوفمبر. أما في مجال البنايات المقاومة للكوارث، فنتبادل الآراء حول التقييمات الزلزالية للمباني وإهداء المعدات، ونعمل مع خبراء الحكومة الجزائرية لحماية المدن وأرواح الناس من الزلازل.
هل هناك مشاريع للتعاون في التكنولوجيا أو نقل الخبرات بين اليابان والجزائر، خصوصا في الطاقة المتجدّدة أو الصناعة؟
تعمل “جايكا” حاليا مع “سوناطراك” على مشروع بحث أساسي حول الهيدروجين الأخضر. يهدف هذا المشروع إلى دراسة الظروف اللازمة للجزائر لإنتاج الهيدروجين الأخضر مستقبلا. وتركّز الدول الأوروبية أيضا على هذا المجال، وتأمل الحكومة أن تشارك الشركات اليابانية أيضا في المشروع مستقبلا.
ماذا عن مجال صناعة السيارات وبلدكم قطب عالمي مهم في هذا المجال؟
هناك اختلاف في النموذج الاقتصادي بين البلدين، الحكومة لا تتدخل في خيارات الشركات وإستراتيجياتها، الشركات في بلادنا هي التي تختار الجهات التي تقيم فيها استثماراتها، هذا هو النموذج الرأسمالي المتبّع لدينا.
أنتم سفير لبلدكم في الجزائر ولديكم إطلاع على الوضع الاقتصادي العام ومناخ الاستثمار، من هذا الجانب، هل تشجعون شركات السيارات اليابانية على دخول السوق الجزائرية؟
نعم، أشجع. وللأسف، ليس هناك عدد كبير من الشركات اليابانية في الجزائر كما كان من قبل، ممكن أنهم لا يعرفون وضع البلاد، نحن نقدم لهم المعلومات، وتقييمنا فيما يتعلق ببيئة الاستثمار، قانون الاستثمار مشجع، والوضع العام إيجابي والنية موجودة لدى الحكومة الجزائرية، تبقى بعض النقاط التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار.
كيف يمكن لليابان المساهمة في دعم الجزائر في مجالات الابتكار والتكنولوجيا؟
من بين الطلاب الجزائريين الذين أُرسلوا إلى اليابان برعاية حكومية حتى الآن، يشارك العديد منهم حاليا في أبحاث في مجالات متطورة مثل الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والأقمار الصناعية. علاوة على ذلك، تم اختيار وقبول العديد من البرامج في مجال الطاقة المتجدّدة، بما في ذلك الهيدروكربونات، لبرامج تدريبية من خلال “جايكا”، كما تقدم برامج في مجال التحوّل الرقمي. ونأمل أن يلعب الشباب الجزائريون الذين درسوا في هذه المجالات دورا فاعلا في كلا البلدين مستقبلا.
هل هناك برامج جديدة للتبادل الثقافي أو التعليمي بين اليابان والجزائر؟
في المجال الأكاديمي، على سبيل المثال، أبرمت جامعة عنابة اتفاقية تعاون مع جامعة “تسوكوبا” اليابانية. وتجرى أبحاث مشتركة في مجالات العمارة والتنمية الحضرية، ويجري تبادل أكاديمي نشط، بما في ذلك زيارات الأساتذة من الجامعتين. كما تتعاون جامعتا تلمسان وكيوتو في مجال إدارة الموارد المائية.
كيف تسهم السفارة في تعريف الشباب الجزائري بالثقافة اليابانية؟
في الجزائر، تتولى السفارة زمام المبادرة في تنظيم فعاليات تساعد الناس على التعرّف على الثقافة اليابانية. على سبيل المثال، تم دعوة خطاط ياباني إلى الجزائر العاصمة لإقامة معرض، وعرض فني في فن الخط، وورش العمل العامة في متحف الخط بالقصبة، بالإضافة إلى عمل مشترك مع خطاط عربي جزائري. يتمتع كلّ من فن الخط في العالمين العربي والإسلامي، وكذلك في شرق آسيا كاليابان والصين وكوريا، بتراث عريق وثقافات فنية عميقة تتجاوز مجرد تصميم الحروف.
ومن الأمثلة الأخرى، هناك معرض عن تاريخ وثقافة السوشي، أُقيم في متحف فن الجزائر الوطني ربيع هذا العام، وحظي بحضور واسع. كما تتميز الجزائر بثقافة تناول الأسماك، وتشهد مطاعم السوشي ازدهارا متزايدا حول العالم، بما في ذلك الجزائر.
يتقدم العديد من الطلاب الجزائريين سنويا، وتقوم السفارة باختيارهم وترشيحهم. بالإضافة إلى المنح الحكومية، تقدم اليابان أيضا مبادرة ABE، وهي برنامج لطلاب الماجستير وما فوق، يتضمن الدراسة في الخارج والتدريب في الشركات اليابانية، ويشارك فيه طلاب جزائريون متفوقون سنويا. يرسل حوالي 10 طلاب إلى هذه البرامج سنويا. لا توجد أولوية محدّدة للمجالات، ويتم قبول الطلاب في جميع التخصصات.
فيما يتعلق باللغة، تقيم السفارة مسابقة سنوية في اللغة اليابانية لدارسي اللغة اليابانية في الجزائر، حيث يتنافس المشاركون في إلقاء الخطب وإلقاء الشعر باللغة اليابانية. أشجع جميع من يدرسون اللغة اليابانية على المشاركة.
تشارك السفارة دائما في مهرجان الجزائر الدولي للمانغا (مهرجان الجزائر الدولي للشريط المرسوم “فيبدا”)، الذي يقام كل أكتوبر، ونعتزم المشاركة مجدّدا هذا العام. ستتم دعوة فناني المانغا اليابانيين إلى الجزائر العاصمة لحضور ورشة العمل للمانغا اليابانية، وسيتم الإعلان عن ذلك على موقع السفارة الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي. كما تستضيف السفارة المسابقة اليابانية – الجزائرية للدورة الثانية للمانغا مع مهرجان “فيبدا”، حيث يستمر تقديم الطلبات حتى الأول من سبتمبر. ستعرض في مهرجان “فيبدا” العديد من الأعمال المتميزة، وسيتم الإعلان عن النتائج من طرف لجنة تحكيم مؤلفة من فناني وخبراء المانغا الجزائريين واليابانيين في اليوم الختامي.
ما هو حجم المنح الدراسية التي تقدّمها اليابان للطلاب الجزائريين؟ وما هي المجالات ذات الأولوية؟
تقدّم الحكومة اليابانية منحا دراسية حكومية سنويا للأجانب للدراسة في اليابان على مختلف المستويات، بما في ذلك البكالوريوس والماجستير والدكتوراه والمعاهد المهنية، بما في ذلك الجزائريون. يتقدم العديد من الطلاب الجزائريين سنويا، وتقوم السفارة باختيارهم وترشيحهم. بالإضافة إلى المنح الحكومية، تقدم اليابان أيضا مبادرة ABE، وهي برنامج لطلاب الماجستير وما فوق، يتضمن الدراسة في الخارج والتدريب في الشركات اليابانية، ويشارك فيه طلاب جزائريون متفوقون سنويا. يرسل حوالي 10 طلاب إلى هذه البرامج سنويا. لا توجد أولوية محدّدة للمجالات، ويتم قبول الطلاب في جميع التخصصات.
ما انطباعاتكم الشخصية عن الجزائر منذ توليكم منصب السفير؟ وما هي الرسالة التي تودون توجيهها للشباب الجزائري؟
كأي بلد، للجزائر تاريخ عريق يمتد من عصور ما قبل التاريخ من المملكة النوميدية، والإمبراطورية الرومانية، والثقافة الإسلامية والأندلسية، والإمبراطورية العثمانية، والثقافة الأوروبية الحديثة، والاستقلال عن الاستعمار، وتطورها اللاحق على الميدانين العربي والإفريقي. تاريخها متعدّد الطبقات مثير للاهتمام، ويمكن رؤية آثار هذه العصور في جوانب مختلفة، مثل عمارة المدن واللغات التي يتحدث بها سكانها.
جغرافيا، تتميز الجزائر بمساحتها الشاسعة، وبتنوع بيئاتها الطبيعية، من المدن الساحلية إلى الجبال والصحاري، وهي موطن لشعب ذي تقاليد وعادات وثقافات متنوعة. مع أنني لن أتمكّن من تعلم كل شيء خلال فترة التولي، إلا أنني آمل أن أعمّق فهمي للجزائر من خلال تجربة أكبر قدر ممكن من جوانب هذا البلد الغني.
إن كون الشباب يشكّلون غالبية سكان الجزائر، فهذا عامل إيجابي للغاية لتنمية البلاد. القرن الحادي والعشرون الذي نعيشه هو قرنهم، وهم أنفسهم جزائر الغد. آمل أن يستغلوا طاقاتهم الشبابية وأفكارهم الجديدة، وأن يستعدوا للمستقبل بكامل طاقتهم، لبناء جزائر الغد.
المصدر: الشروق
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس