هكذا حافظ مصريون على تبادل دعوات الإفطار

12

مصر – افريقيا برس. رغم الجهد المضاعف وافتقاد المعين في إعداد إفطار رمضاني يكفي عدة عائلات بسبب ما آلت إليه الأحوال في ظل انتشار فيروس كورونا، فإن ذلك تبدد مع عبارات الامتنان والثناء التي تتابعت إلى مسامعها، عقب ركعات تراويح خفيفة أدتها خلف زوجها الحاج مصطفى أبو ياسر في أول أيام رمضان.

تستحضر السيدة أم ياسر “55 عاما” أجواء مشحونة شهدتها ليالي شعبان الأخيرة، وإصرارها على عادة أسرية استمرت سنين، وهي أن تتولى بنفسها إعداد إفطار اليوم الأول من رمضان لأبنائها الثلاثة وأسرهم الصغيرة، والتي كان منزلها يشهد الاحتفال بتلك المناسبة في الأعوام الماضية.

إلا أن رمضان جاء هذا العام في ظل تباعد اجتماعي بات لازما وضروريا، ولم يعد هناك مجال للإبقاء على تلك العادة المبهجة، غير أن أم ياسر لم تقبل بأن تفقد العائلة الأم تلك الرابطة، وأصرت رغم “الاعتراض المشفق”، على أن تعد بنفسها وجبات الإفطار وترسلها لأبنائها الثلاثة في منازلهم.

حرصت أم ياسر على ألا تقل أصناف الإفطار عما كانت عليه في الأعوام الماضية، ولم يثنها عن ذلك انفرادها بالإعداد ولا تدهور الأوضاع الاقتصادية، فأثر إفطار اليوم الأول على عائلتهم يمتد شهورا، ويظل ذكرى سعيدة تحضر بين الحين والآخر، حتى يقترب رمضان التالي.

التزام عائلي
على مدار عامين، اعتاد الشقيقان أسعد وعامر أن يتناولا إفطار اليوم الأول من رمضان -إلى جانب أغلب أيام الشهر- في منزل شقيقهما الأكبر المتزوج، بعد أن باعدت الظروف بينهم وبين والديهم اللذين يعيشان بإحدى دول الخليج، إلا أن الأمر اختلف هذا العام.

وخلال العامين السابقين، كان الأخ الأكبر متعهدا من خلال هذا الإفطار بالحفاظ على حميمية العلاقة الأسرية في ظل غياب الوالدين، كما كان حريصا على أن يرفع عن كاهل أخويه العزبين عناء إعداد الطعام لنفسيهما خلال الشهر الكريم.

ومع تغير الأحوال هذا العام، لم يعد هناك مجال للإبقاء على الهدف الأول، لكنه ما زال مبقيا على تلبية حاجة أخويه عبر إرسال وجبات الإفطار بالدورية ذاتها التي اعتادها خلال الأعوام الماضية.
ولربما كان مآل الأحوال أقرب إلى هوى أسعد، فرغم ابتهاجه بالأجواء الأسرية التي كانت حاضرة خلال إفطارات العامين الماضيين، فإن الوقت المهدر (في تقديره) أثناء تلك “العزومات” أو العزائم، يؤثر بالسلب على أولويات أخرى باتت حاضرة هذا العام مع ارتباطه بعمل منزلي التحق به أخيرا.

روح العزومة!
وبينما حرص أفراد النموذجين السابقين على حصر الأثر في “التباعد الاجتماعي” المفروض، والإبقاء على ما بقي من تفاصيل، وفي مقدمتها التزام صاحب العزومة بإعداد وجبة الإفطار، اكتفى آخرون باستحضار روح الأمر، عبر تسجيل مشهد إفطار اليوم الأول وأصناف الطعام، بصور ومقاطع فيديو وتبادلها.

في حين، استقر رأي الحاج جابر رضوان، وهو من كبار التجار في قرية بمحافظة بني سويف جنوبي القاهرة، بعد استشارة بعض بسطاء قريته الذين اعتاد أن يعد لهم وليمة إفطار في ثاني أيام رمضان، على أن يرسل إليهم مكونات وجبة الإفطار بمختلف تفاصيلها، وهم يتكفلون بإعدادها لأنفسهم، بعد رفضهم قبول ثمنها نقدا.

ولم يتوقف الأمر عند الحرص على إيجاد بدائل للعزائم والولائم الرمضانية، فعدد من متعهدي موائد الرحمن، لم يستسلموا بدورهم كذلك لحظر التجمعات ومنعها والذي يحول دون إقامة موائدهم، فعملوا على تجاوز ذلك، عبر إعداد الوجبات الجاهزة، وتوزيعها على الراغبين، في ذات الأماكن التي اعتادوا إقامته موائدهم فيها.

حالة إيجابية
الباحثة الاجتماعية، صفاء صلاح الدين، رأت في هذا الحرص حالة إيجابية، تعكس إصرارا لدى أصحابها على عدم قطع الروابط الاجتماعية، والتمسك بقيمة رمضانية تعزز العلاقات وتدعمها، كل ذلك رغم الظروف الاستثنائية.

وأشارت الباحثة الاجتماعية في حديثها للجزيرة نت إلى أن هذه النماذج المختلفة للتشارك في وجبات الإفطار، تدل على أن الهدف الأساسي لدى أصحابها هو “تعزيز الروابط والتكافل” بخلاف ما كان سائدا لدى البعض، من أن دافعها البحث عن الوجاهة وإظهار البذخ.

ولفتت إلى أن تقدير التحذيرات الصحية وإعطاءها الاعتبار اللازم، مع الإصرار على إبقاء العادات الرمضانية، ينطلق من مفاهيم صحية وتصورات عملية للأزمة القائمة، وعدم الاستسلام لتصورات استحقاق الغضب الإلهي، والاستسلام السلبي لأجواء الهلع والخوف المنتشرة لدى البعض.

ورأت أن “محنة كورونا” التي صاحبها العديد من الآثار السلبية على حياة البشر، كان لها أثر إيجابي على الحالة الاجتماعية لدى قطاعات عريضة من المصريين، تعززت في رمضان من خلال هذه المظاهر، وغيرها كاجتماع أفراد الأسرة الواحدة على الإفطار والصلاة، والتواصل الأعمق بينهم.

المصدر : الجزيرة

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here