أفريقيا برس – مصر. أثارت التصريحات الأمريكية التي تتعلق بتهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن ردود فعل فلسطينية وعربية غاضبة، اعتبرت أنها تهدف لتصفية القضية الفلسطينية، وتهجير المواطنين من قطاع غزة.
وحملت كلمات دونالد ترامب الكثير من الدلالات السياسية والاقتصادية، وقد يكون لها تداعيات خطيرة على الأمن القومي العربي، وعلى حقوق الشعب الفلسطيني، بحسب المراقبين.
وقال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وهو على متن طائرة الرئاسة الأمريكية: “أود أن أرى الأردن ومصر ودول عربية أخرى، تزيد من استقبالها للاجئين من قطاع غزة وذلك لتطهير غزة بعد الحرب”، وفقا لإعلام أمريكي.
وأضاف في تصريحات للصحفيين: “أود أن تستقبل مصر الناس، نتحدث عن مليون ونصف شخص تقريبا، وأن نقوم فقط بتنظيف المكان”.
وأوضح أنه قال للعاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني: “أود أن تستقبل المزيد [من الفلسطينيين]، لأنني أنظر إلى قطاع غزة بالكامل الآن، إنه فوضى. إنها فوضى حقيقية”. وواصل ترامب: “يجب أن يحدث شيء ما، لكنه حرفيا موقع هدم الآن، لقد هُدم كل شيء تقريبا، والناس يموتون هناك”.
ومضى قائلا: “لذا، أفضّل أن أشارك مع بعض الدول العربية، وأبني مساكن في موقع مختلف، حيث يمكنهم [سكان قطاع غزة] ربما العيش في سلام من أجل التغيير”.
رفض فلسطيني
قال الدكتور ماهر صافي، الأكاديمي والمحلل السياسي الفلسطيني، إن أهالي قطاع غزة يعانون من الموت والدمار على مدار 15 شهرًا، في واحدة من أكبر جرائم الإنسانية بالقرن 21، وهم متمسكون بالبقاء على أرضهم ووطنهم، ويتوافدون للعودة إلى بيوتهم بالتهليل والتكبير، ولن يقبل أي مقترح أو حلول تتعلق بالتهجير.
وبحسب حديثه، هذه المتقرحات مرفوضة فلسطينيًا حتى لو بدت حسنة النية، تحت ستار إعادة الإعمار، كما اقترح الرئيس الأمريكي ترامب، حيث سبق وأن هجر الشعب الفلسطيني من أرضه عام 1948م، ولم يستطع الرجوع لها مرة أخرى.
وتابع: “الشعب الفلسطيني اليوم أحبط مخطط ترامب ونتنياهو وسموتريتش وبن غفير، وأنهى كل مخططات التهجير، والوطن البديل على مدى عقود، ويرفض مثل هذه المشاريع، فيما لا يزال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يطلق تصريحاته في كل اتجاه من أجل تهجير المواطنين الفلسطينيين”.
وأوضح أن موقف مصر بشأن التهجير كان واضحا منذ 15 شهرا، عندما تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسي وقال إن التهجير مرفوض، وإن الشعب الفلسطيني من حقه القيام في أرضه وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة، مؤكدًا أن الجميع سيقف مع مصر في مواجهة أي سيناريو مطروح لا يتماشى مع القضية الفلسطينية، ومع الأمن القومي المصري.
وأشار إلى رفض الأردن كذلك مخطط التهجير، لافتا إلى تصريح وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، عندما قال إن فلسطين للفلسطينيين، وأن المملكة ترفض تهجير الشعب الفلسطيني، وترفض كذلك كافة المقترحات التي تنادي بترحيل الفلسطينيين من أرضهم.
أجندة أمريكية إسرائيلية
من جانبه، اعتبر حمادة أبو نجمة، الخبير القانوني والسياسي الأردني، أن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الأردن ومصر تعكس خطرا سياسيا بالغا، فهي ليست مجرد زلة لسان أو اقتراحا عابرا، بل تشير إلى سياسة مدروسة تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية من جذورها، وتعبر عن توجه أمريكي يدعم الأجندة الإسرائيلية بشكل كامل، ويسعى إلى فرض حلول تتجاهل الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني وتلقي بأعباء الاحتلال الإسرائيلي على دول الجوار.
وبحسب حديثه، تمثل هذه التصريحات على الأردن تهديداً مباشراً لأمنه القومي واستقراره، إذ إنها تضع المملكة أمام ضغوط كبيرة لقبول مشاريع لا تتفق مع سيادتها وهويتها الوطنية، والمملكة الأردنية، التي رفضت مراراً فكرة الوطن البديل، ترى في هذا الطرح مساساً بثوابتها الوطنية ومحاولة لإعادة إنتاج نكبات الشعب الفلسطيني، كما أن تنفيذ هذا المشروع سيخلق تحديات سياسية واقتصادية وديموغرافية جسيمة قد تؤثر على استقرار البلاد.
أما بالنسبة لمصر، فإن طرح مثل هذه الأفكار يعيد سيناء إلى دائرة الاستهداف السياسي، وهو أمر يشكل تهديداً للأمن القومي المصري. مصر ترفض تماماً أن تكون أراضيها بديلاً عن فلسطين التاريخية، لأن ذلك لا يعني فقط المساس بالسيادة المصرية، بل يفتح باباً لأزمات إقليمية طويلة الأمد.
وتابع: “على المستوى الإقليمي، هذه التصريحات تؤدي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة، إذ إنها تنقل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى دول الجوار وتؤدي إلى خلق بؤر توتر جديدة. كما أن تنفيذ هذا المشروع يعني تهديداً صريحاً لهوية الشعب الفلسطيني وحقوقه في العودة إلى أرضه، ما يعيد إلى الأذهان مأساة النكبة ويؤسس لنكبة جديدة يكون لها تداعيات طويلة الأمد على النسيج الاجتماعي والسياسي في المنطقة”.
وأكد أنه من غير المتوقع أن يحظى هذا المشروع بدعم واسع، نظراً لتعارضه مع مبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه. كما أن دول المنطقة، بما في ذلك الأردن ومصر، أعلنت مراراً رفضها لهذه الأفكار، ما يجعل تنفيذ هذا المشروع صعباً. ومع ذلك، فإن خطورة هذه التصريحات تكمن في أنها تعكس اتجاهاً سياسياً يهدف إلى فرض أمر واقع، وهو ما يتطلب مواجهة حازمة من الدول المعنية والمجتمع الدولي، ويمكن القول إن تصريحات ترامب تمثل مشروعاً للتطهير العرقي تحت غطاء سياسي، وتفرض على الدول العربية والإقليمية تحركات جادة لوقف هذا التوجه الخطير.
وأوضح أبو نجمة، أن ما قد يرافق ذلك من ضغوط اقتصادية، تتطلب استجابة تتجاوز ردود الفعل الآنية إلى تبني خطط وطنية وعربية واضحة تُمكّن الدولتين من الصمود في وجه هذه الضغوط، ومن الضروري أن تطور كل من الأردن ومصر استراتيجيات وطنية تركز على تعزيز استقلالهما الاقتصادي وتقليل اعتمادهما على المساعدات المشروطة. مثل هذه الخطط يمكن أن تشمل تنويع مصادر التمويل الدولي، تعزيز الشراكات مع القوى الإقليمية والدولية التي تدعم حق الشعب الفلسطيني، والاستثمار في بناء اقتصاد قوي قادر على تحمل الضغوط الخارجية.
تحرك عربي
وشدد على أن هناك حاجة ماسة لتحرك عربي مشترك، يتجسد في خطة عربية إسلامية شاملة لمواجهة هذا النوع من المشاريع التي تهدد سيادة الدول وتستهدف الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني. يجب أن تكون هذه الخطة مبنية على دعم اقتصادي وسياسي للأردن ومصر، سواء من خلال تقديم مساعدات اقتصادية مباشرة، أو عبر توفير غطاء دبلوماسي في المحافل الدولية لمواجهة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية.
واستطرد: “على الدول العربية والإسلامية أن تتحرك بشكل منظم لتشكيل لوبي سياسي وإعلامي قوي في الغرب، قادر على التصدي لهذه المشاريع وإيصال صوت الشعوب العربية الرافضة لهذه السياسات إلى الرأي العام الدولي. لا يمكن مواجهة مشاريع التهجير والتوطين إلا من خلال بناء تحالفات قوية مع القوى الدولية التي تؤمن بالعدالة وحقوق الإنسان، وتعزيز دور الجاليات العربية والإسلامية في الدول الغربية للضغط على حكوماتها”.
ويرى أبو نجمة ضرورة التأكيد على أهمية القضية الفلسطينية كقضية مركزية للأمة العربية والإسلامية، والعمل على إعادة الزخم لها في المحافل الدولية. يجب أن تكون التحركات السياسية والدبلوماسية مترافقة مع خطط دعم إنساني واقتصادي لقطاع غزة، كرسالة واضحة بأن العالم العربي لن يقبل بنقل مسؤولية الاحتلال إلى دول الجوار.
ويعتقد أن مواجهة مثل هذه الضغوط تتطلب وحدة الموقف العربي والإسلامي، والتزاماً صادقاً بدعم الأردن ومصر، ليس فقط لأنهما يواجهان ضغوطاً، بل لأن القضية الفلسطينية هي قضية الأمة بأسرها، وأي تهاون فيها سيكون له تداعيات كارثية على المنطقة بأكملها.
وأكدت وزارة الخارجية المصرية، في وقت سابق، رفضها لأي مساس بحقوق الشعب الفلسطيني، سواء من خلال الاستيطان أو ضم الأرض أو إخلائها من أصحابها.
يشار إلى أن مصر والأردن أعربتا مرارا عن رفضهما أي محاولات لتهجير سكان قطاع غزة قسريا وتوطينهم في مصر والأردن أو أي دول أخرى، كما أكدتا على ضرورة تطبيق حل الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بما يضمن قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس