وسط القاهرة… نحو الحداثة بالعودة في الزمن 70 عاماً

10
وسط القاهرة... نحو الحداثة بالعودة في الزمن 70 عاماً
وسط القاهرة... نحو الحداثة بالعودة في الزمن 70 عاماً

أفريقيا برس – مصر. يُسابق العمال الزمن لإزاحة الأسوار الحديدية التي تحاصر مبنى دار القضاء العالي وسط القاهرة، بعد سنوات طويلة من العمل والتأخير في تنفيذ مشروع المرحلة الثالثة من الخط الثالث لمترو الأنفاق. وترغب الحكومة المصرية في افتتاح مشروع المترو خلال أيام (26 الشهر الجاري) بمناسبة مرور 70 عاماً على قيام ثورة 23 يوليو/ تموز (الثورة التي أنهت النظام الملَكي في مصر). ولم يأت تحديد النظام لتوقيت الاحتفال عشوائياً، إذ يطلق على الشارع منذ 69 عاماً شارع 26 يوليو/ تموز، وهو تاريخ خروج آخر جندي بريطاني من مصر عام 1953، ومعه أسقط الحكم الملكي، إذ انتهى عهد الملك فاروق بعد 16 عاماً من الحكم عقب حركة الجيش في 23 يوليو/ تموز من عام 1952 والتي أجبرته على التنازل لنجله الرضيع أحمد فؤاد الذي كان يبلغ من العمر 6 أشهر، ثم أسدل الستار على الحكم الملكي بعد نحو عام عقب الإعلان عن قيام النظام الجمهوري في مصر في 18 يونيو/ حزيران عام 1953.

اختير مكان افتتاح المحطة بعناية وسط الشارع الذي يعرفه المصريون حتى وقت قريب بشارع الملك فؤاد. فدار القضاء العالي الذي يضم محكمة النقض ومجلس القضاء الأعلى ومصلحة الشهر العقاري والتوثيق التي تأسست مطلع ثلاثينيات القرن الماضي على أرض نادي الزمالك، أقيمت كرمز وطني على أرض المحاكم الأجنبية، التي كانت تجعل المصري غريباً في وطنه، وتمنح الأجنبي حصانة جعلته صاحب الامتيازات المالية والقانونية أمام الدولة المصرية.

ذهب الامتياز القانوني للأجانب ثم تراجع مركزهم المالي تدريجياً لينتهي مع إعلان الجمهورية المصرية عام 1953. غيرت الجمهورية الضباط وأسماء الشوارع والميادين التي تحمل رموزاً للعهد الملكي. فأصبح يطلق على ميدان الإسماعيلية ميدان التحرير، وتحول شارع فؤاد التجاري الذي يمتد من حديقة الأزبكية والعتبة الخضراء شرقاً إلى دار القضاء العالي وبولاق أبو العلا غرباً، وليقطع منطقة الزمالك وينتهي في منطقة ميت عقبة، وقد نقل نادي الزمالك إلى هناك. وجاء التغيير سريعاً مع تطلع غالبية المصريين إلى امتلاك مقدراتهم، وشجعهم على ذلك خروج مئات آلاف الأجانب الذين امتلكوا غالبية المباني الفاخرة والمحلات الكبرى وسط المدينة.

مرحلة التأميم

وجاءت قرارات التأميم التي ارتفعت حدتها بين عامي 1957 و1962 لتضع معظم ثروات البلد ضمن مؤسسات الدولة التي تدير مشاريع التأميم، وقد تبدلت أسماء الشوارع على ألسنة الناس. فمن النادر أن يعرف أحدٌ ميدان الإسماعيلية وقد اشتهر باسم “ميدان التحرير”، وأصبح أيقونة ثورات الربيع العربي. في المقابل، لم يختف اسم “شارع الملك فؤاد” والد الملك الراحل فاروق، أو كما يطلق عليه العامة شارع فؤاد، من ذاكرة الكثيرين، بل زادت شهرته.

دفع الفساد المالي والسياسي الذي ارتكبه مسؤولون في الدولة أثناء فترة التأميم وما بعدها، ثم الانتقال إلى مرحلة بيع الشركات العامة ليتربح من بيعها مجموعة من رجال الأعمال ورموز الحكم أثناء فترة الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك، المواطنين إلى المطالبة بمحاسبة الذين أهدروا أموال الشعب، ليضيع جمال وسط المدينة.

لم تصمد ثورة يناير/ كانون الثاني أمام الدولة العميقة، التي نشرت الباعة الجوالين والبلطجية في شارع فؤاد وما حوله على مدى عامين، حتى سيطرت على الأماكن التي يتجمع فيها الثوار واستتب الوضع في إطار ما يسمى بـ “الجمهورية الثانية أو الجديدة” التي جاءت بعد أحدث 30 يونيو/ حزيران، فانتبه النظام لكارثة صنعها بيده بعدما تحول وسط القاهرة إلى بؤرة ساخنة للعشوائيات والبلطجة في مواجهة الدولة، ليعاد العمل لاحقاً ببرنامج تطوير منطقة وسط القاهرة المعطل، تموله عدة دول على رأسها ألمانيا وفرنسا وسويسرا.

إرجاء التطوير

خشية النظام أن يعتاد الناس الجلوس في مقاهي وسط البلد دفعته لتأخير مشروع التطوير الذي يديره الجهاز القومي للتنسيق الحضاري مع محافظة القاهرة. انتظر النظام سنوات حتى انتهى من إقامة مقاهي وتجمعات ترفيهية تابعة لجهاز المخابرات العامة حول الطرقات والميادين الكبرى، وسمح بتشغيل عدد من المولات التجارية بالتزامن مع إغلاق شارع فؤاد وإزالة مناطق سكنية على امتداده بماسبيرو وحتى نهر النيل، لبناء أماكن حديثة.

وأصبحت المقارنة تجري عبر صفحات التواصل الاجتماعي الذي تحول فيها ولي العهد، الذي يطلق على نفسه “الملك أحمد فؤاد الثاني، إلى شخصية لها مئات آلاف المتابعين والمتفاعلين مع نشاطه اليومي، بالإضافة إلى الاحتفال معه بالمناسبات الرسمية التي كانت سائدة في عهد أسرة محمد علي. وعلى الرغم من تأييد الملك أحمد فؤاد الثاني للنظام الحالي، بعد أحداث 30 يونيو/ حزيران 2013، والانقلاب العسكري، ودعوة نظام الجمهورية الجديدة له ولأسرته للمشاركة في مناسبات عديدة، إلا أن تنامي الحنين إلى العصر الملكي تزايدت بطريقة مخيفة لدى الضباط الجدد، والتي ترتب عليها رفض طلبه المتكرر بحضور احتفالات افتتاح توسعة قناة السويس عام 2015، كما ذكر على صفحته الخاصة.

ودفعت الحكومة إلى إنشاء مشاريع جديدة عدة لتطوير المنطقة، كشفت عن بعض من جمالها وإن كان ينقصها الكثير من الإرادة لنزع لافتات المحلات والأكشاك التي تشوه النظام المعماري وتخفي معالمه، بينما جاء الدور على شارع فؤاد، الذي تخطط الحكومة لمنع مرور السيارات فيه بالإضافة إلى الشوارع المجاورة، وتخصيصها للمشاة لتتحول المنطقة كلها إلى منتزهات بين المحلات.

في هذا الإطار، يعرب الستيني حسن محمد الأسواني، وهو حارس عقار من مواليد شارع فؤاد، عن أمله في أن تتمكن الحكومة من فرض النظام على المنطقة، التي كانت مركزاً للمال والأعمال ومكاناً يتنزه فيه المواطنون على مدار الساعة. ويشير إلى إزالة الأسوار الحديدية المحيطة بالمنطقة بعد 6 سنوات لافتتاح محطة المترو، موضحاً أن سبب التأخير يرتبط بالمياه الجوفية التي ما زالت أساس العقارات، وكانت سبباً في تعطيل العمل بمشروع المترو لسنوات.

ويؤكد خبراء شاركوا في برنامج إعادة تأهيل المنطقة على ضرورة التزام الحكومة باستكمال مشروع تطوير “القاهرة الخديوية” الذي توقف مرات عدة على مدار عشرين عاماً، ما مكن مجموعات الفساد من تغيير أهدافه، وعدم حل مشكلات فنية خطيرة تواجه العقارات، ومنها استمرار تدفق المياه الجوفية التي تجري كالأنهار.

ويقول أحد الخبراء لـ “العربي الجديد” إن الخطة الأساسية تتضمن إعادة جميع العقارات والشوارع إلى ما كانت عليه قبل 70 عاماً، وإعادة بناء فندق الكونتننتال الذي استقبل ضيوف افتتاح الأوبرا، وقناة السويس في عهد الخديوي إسماعيل، ويقع على ناصية شارع فؤاد المعطل تنفيذه منذ 25 عاماً، بسبب تواطؤ بعض قيادات الشركة الحكومية المالكة مع أصحاب المحلات العشوائية.

ويشير ساخراً إلى أن العمارات التي أممتها الدولة في عهد الجمهورية الأولى باعتها الشركات التي تديرها لحسابها والصندوق السيادي حالياً بأسعار زهيدة لمسؤولين في الدولة. وتمكن أحد رجال الأعمال نجيب أنسي ساويرس من شراء 40 عقاراً دفعة واحدة، ليحولهم إلى مشروع سياحي وتجاري لحسابه، بعد إتمام عمليات التطوير.

عودة الامتيازات للأجانب

ويشير إلى أن دار القضاء العالي التي كانت رمزاً لإنهاء الامتيازات الأجنبية ستنقل إلى مقر جديد على مقربة من العاصمة الإدارية ليكون خروجها شاهداً على عودة الامتيازات للأجانب مرة أخرى في عهد الجمهورية الجديدة، التي سلمت غالبية العقارات المؤممة لورثة الأجانب الراحلين في عهد الجمهورية الأولى، وأعدت مشروعاً لبيع عشرات المنشآت الأخرى ما زالت في حيازتها، مثل مباني الوزارات والعقارات التي في حوزة شركات مصر للتأمين والمؤسسات العامة.

جاء اختيار توقيت افتتاح محطة المترو ليواكب التطوير الجديد لمحطة مترو جمال عبد الناصر التي أطاحت بشهرة الملك فؤاد من المنطقة، منذ وصول مترو الأنفاق إليها منتصف ثمانينيات القرن الماضي، في إطار حرب دفينة بين عهدين.

مع ذلك ستبقى دوماً المقارنات مفتوحة، بين جمهورية أممت ممتلكات الأجانب باسم الشعب، وجمهورية جديدة تبيع ممتلكات الشعب للأجانب، أملاً في دفع قيمة القروض والديون وتمويل العاصمة الجديدة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here