اعتزال داوود عبد السيد… والسبب الجمهور أم النظام؟

10
اعتزال داوود عبد السيد... والسبب الجمهور أم النظام؟
اعتزال داوود عبد السيد... والسبب الجمهور أم النظام؟

أفريقيا برس – مصر. بعد سنوات من “شبه الحصار” المفروض عليه من قبل أجهزة النظام التي باتت تتحكم في صناعة السينما والفن عامةً في مصر، خرج المخرج الكبير داوود عبد في حوار طويل استغرق حلقتين كاملتين على قناة “سي بي سي” التابعة لـ”المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية” (مملوكة للمخابرات العامة)، ليتحدث عن مشواره الفني الطويل، وعن سبب بقائه 6 سنوات كاملة من دون تقديم عمل جديد، معلناً اعتزاله العمل السينمائي.

داوود عبد قال نصاً للمذيعة قصواء الخلالي عبر برنامجها في “المساء مع قصواء”: “أنا اعتزلت الحمد لله”، وأضاف: “لا أستطيع أن أتعامل مع الجمهور الموجود حالياً… والنوع السينمائي الذي يفضله، هذا تيار آخر”. وأضاف: “أتحدّث عن تيار الشباب، ومشكلة هذا الإنتاج أنه إنتاج مموَّل، وإنّ من يقدم الدعم يختار من سيدعم… أنا أفضل دائماً أن يكون تمويل الفيلم من تذكرة السينما”.

وتابع داوود: “الجمهور السابق كان جمهور طبقة وسطى، وكان لديه هموم واهتمامات، والسينما التي كانت تقدم كانت تخاطب هذه الاهتمامات”.

والمعروف في الوسط السينمائي، وما أكدته مصادر من داخل “المجموعة المتحدة” التابعة للمخابرات العامة قبل ذلك لـ”العربي الجديد”، أن هناك تعليمات صدرت منذ عام 2018، لشركات التوزيع والإنتاج السينمائي بعدم التعامل نهائياً مع المخرج داوود عبد وإنتاج أية أفلام له.

وفي عام 2018 تقدم أحد المحامين، ويُدعى محمد حامد سالم، للنائب العام بالبلاغ الرقم 1494 لسنة 2018، ضد عبد ، والمرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، وجميع أعضاء “الحركة المدنية الديمقراطية”، يتهمهم فيه بالتحريض على قلب نظام الحكم، والإضرار بالأمن القومي، والاقتصاد المصري، بعدما أعلنوا مقاطعتهم للانتخابات الرئاسية.

عام 2018 تقدّم محام بدعوى ضدّه يتهمه فيها بالتحريض على قلب نظام الحكم

وقال عبد في تصريحات آنذاك إن “ما حدث ليس بجديد، لذلك قابلته في بادئ الأمر بالسخرية على ما آلت إليه الأوضاع، لكني في قرارة نفسي موقن بأن الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ”.

وأضاف أنه لم يكن يتوقع أن يُقدم ضده بلاغ لأمر سياسي، حيث عُرف لدى قطاع كبير ممن وصفهم بذوي الأفكار الظلامية، بأنه مخرج يحرّض على انحلال المجتمع، فكان بديهياً أن يكون البلاغ ضد أعماله السينمائية، وقال: “يبدو أن الفاشية الدينية لا تختلف كثيراً عن الاستبداد، كلاهما له أتباعه في الشارع، الذي يريدون إسكات المبدعين، والأصوات الرافضة لأي وضع سيئ، وما فعله هذا المحامي، ومن هم على شاكلته يمارسون بلطجة بالقانون، أو بمعنى آخر، هو نوع من الإرهاب الفكري”.

وقال داوود في تصريحاته أيضاً، إنّ من حقه كمواطن إبداء رأيه في أي عملية سياسية كالانتخابات واختيار المرشحين أو مقاطعتها، وإن الدستور المصري يكفل له هذا الحق، مضيفاً: “ما يقال عن إسقاط الدولة (كلام فارغ) ونوع من أنواع الإرهاب الفكري”.

والمعروف أن مثل هذه البلاغات المرتبطة بتفاصيل سياسية في مصر، عادةً ما يُدفَع المحامون المبلَّغون بها، من قبل أجهزة الأمن لترهيب المعارضين، وهو الدور الذي اشتهر به المحامي المصري سمير صبري، وآخرون.

وبالعودة إلى الحوار عبر “سي بي سي”، كان لافتاً أن المخرج الكبير لم يتعرض مطلقاً في حديثه لفكرة وجود “تضييق على العاملين بمجال السينما” أو موضوع المنع الذي تعرض له على مدار سنوات، لكنه في المقابل حمّل الجمهور وحده مسؤولية اعتزاله السينما.

وفي الحوار، قال عبد : “جمهور اليوم يدفع أكثر من 70 و100 جنيه ويمتلك سيارة، وليس لديه اهتمامات، ويبحث عن التسلية، والسينما تقدم له هذه التسلية، إنما الجمهور القديم لم يكن يستطيع أن يذهب إلى السينما إلا في الأعياد مثلاً، أنا شخصيًا هناك أكثر من صالة سينما في القاهرة لم أزرها يوماً، ولا أعرف كيف يقصدونها أصلاً فتكلفتها مرتفعة جداً”.

لم يتعرض مطلقًا في حديثه لفكرة وجود “تضييق على العاملين بمجال السينما”

عبد قال أيضاً إنه “يعشق كل أعماله المقدمة لجمهوره، ولا يفاضل بين أي من أفلامه”، مضيفاً: “الجمهور يتغير، والجمهور ما قبل “الكيت كات” غير الموجود حالياً، وهناك تغييرات تحصل في المجتمع”.

نقاد وعاملون في مجال السينما اعترضوا على ما قاله داوود عبد عن جمهور السينما، وقالوا لـ”العربي الجديد” إنه “لا يجوز أن يبقى مخرج في منزله من دون عمل لمدة 6 سنوات، لأسباب تتعلق بالمنع، ثم يخرج ويحمّل المسؤولية للجمهور واهتماماته”. وقالوا إن الحديث “يجب أن يكون عن الصورة بإطارها الكلي مثل تغير شكل الإنتاج، والشركات التي تنتج، ومسألة حرص الجمهور على الذهاب إلى دور العرض السينمائية من عدمه، ونسب الجمهور الكبير التي اتجهت أخيراً للمشاهدة عبر المنصات، وما إلى ذلك من قضايا أخرى مرتبطة بالصناعة، أما اتهام الجمهور وحده، فذلك شيء خاطئ”.

بدأ داوود عبد مسيرته الفنية بالعمل مساعد مخرج في بعض الأفلام، أهمها “الأرض” ليوسف شاهين، و”الرجل الذي فقد ظله” لكمال الشيخ، و”أوهام الحب” لممدوح شكري، ثم بعد ذلك توقف عبد عن مزاولة هذا العمل، ليتجه لإخراج الأفلام التسجيلية، وأهمها “وصية رجل حكيم في شؤون القرية والتعليم” الذي أُنتج عام 1976، ويوثّق فيه تاريخ محو الأمية في مصر منذ الاحتلال البريطاني، ومروراً بالحقبة الناصرية، وصولاً إلى سبعينيات القرن الماضي، غير متجاهل للأبعاد السياسية والاجتماعية التي حكمت عملية التنمية، ليخلص إلى أن الأميّة بقيت رغم محوها بوسائل مختلفة، وبالطريقة نفسها أخرج فيلمين تسجيليين آخرين هما “العمل في الحقل” (1979)، و”عن الناس والأنبياء والفنانين” (1980).

ومن أشهر أفلامه “الصعاليك”، و”البحث عن سيد مرزوق”، و”الكيت كات”، و”أرض الأحلام”، و”أرض الخوف”، و”مواطن ومخبر وحرامي”، و”رسائل البحر”، و”قدرات غير عادية”.

تشارك المخرج السينمائي المصري (1946) مع رفاقه من صنّاع سينما الواقعية الجديدة مثل محمد خان، ورأفت الميهي، وعاطف الطيب، وخيري بشارة في مصر بتقديم أعمال لا تستند إلى الحبكة التقليدية التي طغت لعقود طويلة، وفي الخروج من الاستوديو إلى الشارع، ومواجهة تابوهات كانت شبه غائبة عن الشاشة الفضية في مصر.

تميّز عبد بين هؤلاء جميعاً لأسباب مهمّة، في مقدّمتها أن الواقع الذي رسمه داخل الكادر أتى حصيلة تراكم خبرة طويلة واستثنائية، حيث أمضى خمسة عشر عاماً في إخراج أفلام تسجيلية كتب هو نصوصها، كما فعل لاحقاً في معظم أفلامه الروائية، وذهب بنفسه لتصويرها وإنتاجها من الألف إلى الياء، في مغامرة كُتب لها النجاح بعد طول تعثّر.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here