إبراهيم درويش
أفريقيا برس – مصر. هل هناك أزمة علاقات مصرية إسرائيلية؟ وهل هناك توتر ومن المسؤول عنه؟ ولماذا جاء الحديث عن التوتر من الصحافة العبرية، فلم يكن هناك ذكر لتدهور في العلاقات مع إسرائيل في وسائل الإعلام المصرية، واستندت الصحافة العربية على ما ورد في التقارير الإسرائيلية.
وهذه أسئلة يجب لفت الانتباه إليها عندما يتم تناول ما قالت إسرائيل إنها أزمة علاقات مع القاهرة ومسارعتها لحلها، فهي لا تستطيع أن تواجه أزمة علاقات طويلة مع القاهرة، نظرا للدور المصري الحيوي في غزة وقضايا الطاقة في شرق المتوسط وأمن سيناء. وفسر معلقون إسرائيليون استندوا في موضوع التوتر على ما ورد في صحيفة «هآرتس» بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي لا يريد التصعيد في التوتر وبل واحتواء الأزمة.
وقال المعلق تسفي برئيل في «هآرتس» (24/8/2022) إن السيسي يفضل أن تكون إسرائيل مدينة له في تصفية حساباته المتبادلة. ولعل الأزمة أو سوء الفهم نابعة مما حدث في غزة بداية هذا الشهر حيث اغتالت إسرائيل قائدين في سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، ولم تف بوعدها إطلاق سراح مسؤولين في الجهاد بالضفة وهما بسام السعدي وخليل العواودة بناء على وعد لمصر.
والمهم في الأمر أن الحديث عن أزمة علاقات جاء أولا من وزير الدفاع بيني غانتس الذي تحدث إلى راديو إسرائيل قائلا: «هناك أيام من التوتر نتيجة لعملية الفجر الصادق» وهي العملية التي أعلن عنها الجيش الإسرائيلي في 5 آب/أغسطس بهدف استهداف عناصر الجهاد الإسلامي، وانتهى الهجوم في 7 آب/أغسطس، لكن ليس قبل قتل 45 فلسطينيا منهم 17 طفلا، وتدمير عدد من البنايات. وأضاف غانتس: «عادة ما تتميز العلاقة بين الأصدقاء بالشد والجذب، وبدون الدخول في تفاصيل حادث أو آخر، فنحن نعرف كيف نحافظ على العلاقات. وهي في مصلحتنا، وسنتعامل مع كل أزمة ونحولها إلى استشعار لكل شيء ونأمل بأن تمر في الأيام المقبلة».
اصبع في عين السيسي
وفي محاولة لإصلاح العلاقات، قام مدير الأمن الداخلي، شين بيت بزيارة إلى القاهرة يوم الأحد الماضي. ولم تؤكد مصر أو إسرائيل زيارة رونين بار، فقط تحدثت عنها الصحف العبرية في إسرائيل. وحسب تقرير التقى بار مع مدير المخابرات المصرية عباس كامل. ولعبت مصر دورا مهما في التوصل إلى هدنة بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي. وخرج الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد مكالمة مع رئيس الوزراء يائير لابيد، باعتقاد أن إسرائيل ستخفف العنف في الضفة الغربية، لكنها شنت وخلال 48 ساعة من وقف إطلاق النار في غزة سلسلة من المداهمات وقتلت ثلاثة فلسطينيين، منهم قائد في المقاومة، إبراهيم النابلسي أثناء مداهمة بيته في مدينة نابلس. وأغضبت العملية الحكومة المصرية. وقالت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية إن مقتل النابلسي هو بمثابة الدوس على قدم مصر. وأضافت المكالمة وما فهم من تعهدات نفتها الحكومة الإسرائيلية إلى سلسلة من الأحداث التي لم يكشف عنها الإعلام المصري أو العربي إلا بقدر، وظل مدارا للتكهنات الإعلامية الإسرائيلية، إلى مجموعة من الشكاوى المصرية حول طريقة شن العملية الأخيرة، حيث اتخذت إسرائيل إجراءتها المشددة على القطاع بدون أن تعطي مصر فرصة لتهدئة الأمور، ثم شنت الهجوم وقتلت قائدين في سرايا القدس، تيسير الجعبري ثم خالد منصور. وفهم معلقون أن هناك غضبا مصريا من التصريحات الإسرائيلية الأخيرة ومحاولة تقويض جهود القاهرة لمنع تطور المواجهة مع حركة الجهاد إلى أزمة تجر حركة حماس، من تصريحات، مبعوث مصر في الأمم المتحدة أسامة عبد الخالق الذي شجب في كلمة في جلسة طارئة بمجلس الأمن حول أحداث غزة، إسرائيل التي «سمحت للمستوطنين وبحماية الشرطة الإسرائيلية لاقتحام الحرم الشريف». وتزامنت تصريحاته بعد ساعات من شكر إسرائيل مصر «لدروها في إعادة الهدوء والاستقرار بالمنطقة». ورأى موقع «ميدل إيست آي» (22/8/2022) أن التعليقات التي أطلقها عبد الخالق وعبر فيها عن تضامنه مع «الشهداء» كانت مدار تكهنات في الإعلام الإسرائيلي حول وجود صدع في العلاقات بين البلدين. وكان رفض إسرائيل الحد من النشاطات في الضفة الغربية، قتل واعتقالات ومداهمات مستمرة، وراء إلغاء زيارة عباس كامل، كتعبير عن غضب من إسرائيل. وكان الموقع قد نقل عن مسؤولين في حركة الجهاد الإسلامي تعليقات عبروا فيها عن إحباطهم من الرسائل المتضاربة التي جاءت من مصر بعد الغارات الأولى التي قتلت عسكريا بارزا في الحركة. وأخبر المفاوضون المصريون قادة الحركة إن إسرائيل لا تريد التصعيد وأنها سترد بإيجابية لمطالب الإفراج عن قادة الحركة في الضفة الغربية. وقال أحد القادة «(الجهاد) تعتقد أنها تعرضت للخيانة من المصريين وأنهم كانوا جزءا من اللعبة، وجعلوهم يرتاحون قبل بداية الغارات». وقال «هناك الكثير من الغضب والتوتر داخل حركة الجهاد الإسلامي لأنهم يعتقدون بأن المصريين أعطوهم رسائل متضاربة وتلميحات قبل الغارات الجوية، وارتاحت الجهاد نتيجة لهذه المعلومات ولم تكن جاهزة». وقال مصدر مقرب إن المفاوض المصري الجنرال أحمد عبد الخالق أعطى معلومات غير صحيحة لخالد البطش، رئيس المكتب السياسي لحركة الجهاد من أن «تقدما» حصل في المفاوضات غير المباشرة.
وإلى جانب ملف آخر، تخمرت عدة أمور وأحداث أدت لتوتر العلاقة بين البلدين، حيث أوردت «هآرتس» إسقاط طائرة مصرية مسيرة في سيناء. كما أن هناك قصة الكشف عن قبر جماعي للجنود المصريين الذين قتلوا في 1967 قرب دير اللطرون، الذي أقيم فوقه موقف سيارات، فزاد من التوتر ونكأ الجراح التاريخية. وترى الصحيفة أن هذه الأمور لم تكن مدعاة للتوتر وإلغاء زيارة عباس كامل مدير المخابرات المصرية إلى إسرائيل. ويبدو أن مصر قبلت بالتوضيح الإسرائيلي حول إسقاط المسيرة في سيناء. فيما تناولت الصحافة المصرية موضوع المقبرة الجماعية في وادي اللطرون، ولم يؤد الكشف إلى شرخ في العلاقات بين البلدين، التي تتطور وتنمو بشكل واضح، وضمن ما يجري من إعادة اصطفاف بالمنطقة، حيث بات أمن الطاقة وتداعيات الحرب في أوكرانيا وقضايا أخرى عوامل مهمة في تحديد علاقات دول المنطقة فيما بينها، بما في ذلك علاقة مصر والدول العربية الأخرى التي انضمت إلى قطار التطبيع مع إسرائيل. وشهدت العلاقات المصرية-الإسرائيلية تحسنا واضحا منذ انقلاب السيسي عام 2013 وزاد التعاون بين البلدين في المجالات الأمنية والتجارية والحرب التي تخوضها مصر ضد مقاتلي تنظيم الدولة في شمال سيناء.
لا تريد دفع الثمن
ولعل السبب الحقيقي وراء التوتر الذي تناولته الصحافة العبرية وكشف عنه مسؤولون إسرائيليون نابع من شعور مصر بأن إسرائيل لا تتعامل جديا مع وساطتها في غزة. فإسرائيل حسب الرأي المصري لا تريد دفع ثمن للهدوء الناجم عن جهود مصر. وتقيم القاهرة علاقات مع حركة حماس التي تدير القطاع وكذا الجهاد الإسلامي، مع أن طبيعة العلاقة مع كل منهما تختلف، فحماس تعتمد على مصر أكثر من إسرائيل، نظرا لأنها بحاجة لبقاء معبر رفح مفتوحا لمرور البضائع والمسافرين إلى جانب مشاريع إعادة الإعمار التي تنفذها مصر في غزة. وهي أمور ذكرت في معرض تحليل موقف حركة حماس من الجولة الأخيرة من الحرب الإسرائيلية ضد حركة الجهاد الإسلامي. وبالمقابل فحركة الجهاد، ليست معنية بالإعمار أو ملتزمة بتوفير احتياجات سكانه، فالعبء واقع على حماس. ومن هنا فالعلاقة مع مصر مختلفة، وتشعر القاهرة أنها مضطرة للتعامل مع الجهاد للحفاظ على الهدوء وتحقيق التهدئة.
وباتت مصر المحاور الرئيسي بين الجماعات الفلسطينية في غزة وإسرائيل، وهي تسارع دائما للتوسط وخفض التوتر، بحيث أصبح هناك ما يشبه الاحتكار المصري لعملية الوساطة، وهو أمر كان مفهوما لدى إسرائيل نظرا لعلاقاتها المتوترة مع السلطة الوطنية، فاللقاءات بين المسؤولين فيها والإسرائيليين لا تتعدى التنسيق الأمني. وليس لرام الله أي دالة على حركة حماس التي تحكم غزة منذ عام 2007 بل وتظهر استطلاعات للرأي أن نسبة كبيرة من سكان غزة مع حل السلطة، ولا يحظى محمود عباس الزعيم الثمانيني بقدر من الدعم. ولفتت مجلة «إيكونوميست»(23/8/2022) إلى أن نسبة الداعمين لحل السلطة هي أعلى في القطاع من الضفة الغربية. أما الأردن فله قضاياه التي تحتل مساحة في العلاقات، وأهمها ملف القدس والحفاظ على الوضع الراهن فيها. وتظل مصر مهيأة تاريخيا للوساطة مع فصائل غزة، نظرا للقرب وتأثير القطاع على أمن مصر والصلات التاريخية والسياسية. وباتت غزة والتعامل مع ملفاتها معيارا لطريقة تعامل مصر مع القضية الفلسطينية بخلاف تعامل بقية الدول العربية التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل أو تلك التي فتحت قنوات اتصال معها، فهذه الدول تحتاج رغم خرقها الإجماع العربي بشأن القضية الفلسطينية أن تظهر اهتمامها بحل النزاع، أما بالنسبة لمصر، فدورها في غزة وبشكل أقل في الضفة يعفيها من الانشغال بالقضية، طالما لم تصل تأثيرات النزاع في غزة إلى أراضيها. وفي الماضي كانت إسرائيل تستطيع التعويل على الولايات المتحدة والتعاون الأمني مع مصر لشن عملياتها العسكرية، إلا أن توسع دائرة علاقاتها مع الدول العربية يجبرها على التفكير بمواقف هذه الدول التي باتت تتأثر منها عبر الاتفاقيات التجارية والأمنية والعسكرية. وبالمقابل يعتبر دور مصر في غزة عاملا في الحفاظ على مكانتها لدى الولايات المتحدة، باعتبار القاهرة وسيطا مهما في حل المشاكل. فعندما يهاجم أعضاء الكونغرس ملف حقوق الإنسان في مصر، تجيب الحكومة المصرية أنها تسهم في إعمار غزة وتتوسط بين إسرائيل والجماعات في غزة وتخوض حربا ضد الإرهاب في سيناء.
مصالح متبادلة
وتظل غزة وطريقة التعامل معها معيارا للتعاون العسكري والسياسي والأمني بين مصر وإسرائيل وهو في ذروته الآن. وكما ترى صحيفة «هآرتس» فعملية إدارة غزة خلقت اعتماداً متبادلاً بينهما، وأصبح رصيدا استراتيجيا مشتركا يحتاج للتطوير واحترام التنسيق بينهما والتفاهمات القائمة. وأهمية غزة للعلاقات نابعة بالضرورة من رؤية إسرائيل لمصر ودورها الإقليمي، فهي لا تستطيع خسارة أكبر دولة عربية، والتي كانت أول دولة عربية تكسر الإجماع وتعقد اتفاقية سلام معها.
مساعدة مصر
وأظهر الرد الإسرائيلي وزيارة مسؤول أمني كبير للقاهرة ومحاولة لململة ما قالت إسرائيل إنها أزمة، ما تعنيه مصر لإسرائيل. وفي مقال نشره عيران ليرمان، نائب رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن، بصحيفة «إسرائيل اليوم» (9/8/2022) وأشار فيه لتحول مصر إلى نقطة انطلاق في المعمار الأمني في الشرق الأوسط، وتحديدا منطقة شرق المتوسط التي نشطت فيها إسرائيل مع كل من اليونان وقبرص. ودعا لمساعدة مصر اقتصاديا بدون إظهاره، كما هو الحال في التعتيم على دورها في الحملة على الجماعات المسلحة في سيناء، مع التأكيد على مساعدة القيادة المصرية على عدة مستويات ومجالات، لأن مكانة مصر الإقليمية تستدعي من وجهة النظر الإسرائيلية تعزيز حكم النظام الحالي، سواء من خلال المشاريع الاقتصادية، أو التدريبات العسكرية المشتركة. وحدد الكاتب العلاقة المصرية- الإسرائيلية بأنها مرتبطة بالوضع في ليبيا وأمن الطاقة والقضايا الاقتصادية والبيئية، وثالثها الانخراط في مزيد من التدريبات العسكرية المشتركة على نطاق واسع. وتعد مصر بالنسبة لإسرائيل ركيزة أساسية للنظام الإقليمي، حتى لو تضاءل تأثيرها المباشر بشكل كبير. فهي لا تزال الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في المنطقة، وتجاوزت عتبة 100 مليون نسمة ولأنها مفترق طرق استراتيجي ذي أهمية كبيرة ولوجود قناة السويس الممر الضروري للذراع البحري لمبادرة الحزام والطريق الصينية، وفيها مقر الجامعة العربية. وكل هذه العوامل تعطي أهمية كبيرة للاستقرار السياسي والوضع الاقتصادي في مصر. ويجب والحالة هذه دعم مصر لتجاوز تداعيات الحرب الأوكرانية حتى لا يؤدي نقص القمح القادم من أوكرانيا وروسيا إلى اضطرابات.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس