تامر هنداوي
أفريقيا برس – مصر. اشتعلت الخلافات في حزب الدستور المصري الذي أسسه مستشار رئيس الجمهورية الأسبق محمد البرادعي عام 2012، في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011 التي أطاحت بالرئيس المصري محمد حسني مبارك.
صراع على القيادة
الحزب الذي أسسه البرادعي باعتباره صوتا للثورة المصرية، وتبنى المبادئ العامة التي رفعها المصريون في الميادين، وهي العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ضم في مكوناته رموزا من كافة التيارات السياسية. لكنه، شهد خلافات واسعة خلال الآونة الأخيرة وصراعات على القيادة وصلت إلى أروقة القضاء.
ويتهم بعضُ قيادات الحزب، رئيسةَ «الدستور» جميلة إسماعيل بمحاولة «الانفراد بالقرار» واستخدام الحزب لـ«تحقيق أهداف شخصية»، والاستمرار في موقعها رغم انتهاء مدة ولايتها، في حين، تصف اسماعيل المختلِفين معها بـ«المنشقين»، الذين يحاولون عرقلة الحزب مع خوضه أول انتخابات منذ تأسيسه.
ومع انتهاء مدة ولاية إسماعيل، في يوليو/ تموز الماضي، فتحت اللجنة المسؤولة عن الانتخابات، الباب للترشح لإجراءات انتخابات جديدة للحزب ثلاث مرات، دون أن يتقدم أحد لهذه الانتخابات، خاصةً مع وجود انتقادات لطريقة إدارة جداول الناخبين وعدم حياد لجنة الانتخابات.
وطالبت المجموعةُ المعارضة، رئيسةَ الحزب في مؤتمر صحافي قبل أيام، بتغيير اللجنة المسؤولة عن إدارة الانتخابات. وأعلنت المجموعة تشكيل لجنة جديدة للانتخابات، تتولى تنظيم العملية الانتخابية داخل الحزب، بما يضمن الشفافية الكاملة، والنزاهة المطلقة.
كما قررت الهيئة العليا أن أي قرار بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة لن يُتخذ إلا بعد الرجوع للقواعد الحزبية.
واتَهمت أمينة التنظيم في الحزب، ريهام عبد الحكيم، لجنةَ إدارة الانتخابات بالتحكم في جداول الناخبين واعتبرت الأمر «هندسة لجداول الناخبين لصالح جميلة إسماعيل».
كما انتقدت المجموعةُ المعارضة داخل الحزب، تحالفَ «الطريق الحر» الذي شكلته إسماعيل مع حزب «المحافظين» قبل أيام، لخوض الانتخابات في تحالف انتخابي واحد.
وقالت المجموعة المعارضة، في بيان لها: «لن نسمح أن يتحول الحزب إلى ديكتاتورية بغيضة أو أن يصبح ملاذا للصفقات والتحالفات المشبوهة التي تدار خارج المؤسسات الشرعية داخل الحزب».
أمير عيسى، عضو الهيئة العليا لحزب «الدستور»، قال في تصريحات صحافية، إن العامين الماضيين شهدا أحداثاً مؤلمة وصادمة داخل الحزب، لم يكن من الممكن السكوت عليها.
وأضاف: انحرفت بعض القيادات عن المبادئ التي تأسس عليها الحزب، وسَعت إلى تحويله من كيان ديمقراطي إلى أداة شخصية، ومن مساحة جامعة إلى ساحة نزاع وصراع.
إقصاء للمعارضين
وبيّن أن ما جرى من إقصاء وتشويه للمعارضين، وقرارات فصل وتجميد، إضافة إلى الاستيلاء على بيانات التنظيم والعضوية، كلها ممارسات أضعفت الحزب وأثّرت على ثقة أعضائه، وهددت بتحويله إلى كيان هش وفارغ.
وأكد أن مطالبهم واضحة، فهم يتحركون بدافع المسؤولية لإنقاذ الحزب وإعادة الاعتبار لقيمه ومبادئه، عبر تسليم القيادة لإدارة جديدة منتخبة انتخابا حرا مباشرا من جميع الأعضاء، في انتخابات بلا إقصاء،وبمشاركة واسعة تطوي صفحة الانقسام.
وأضاف أن الهيئة العليا قررت تشكيل لجنة انتخابات تتولى تنظيم العملية الانتخابية، مع إشراف شخصيات عامة من الحركة المدنية لضمان النزاهة والشفافية.
وتابع أن الإدارة الحالية استولت على منصات الحزب وبيانات أمانة التنظيم والعضوية، وسلمتها إلى أشخاص غير ذوي صفة، بهدف السيطرة على الجمعيات العمومية المستقبلية والتحكم في التصويت، كما جرى طرد أعضاء من المنصات الداخلية وحرمانهم من المشاركة في النقاشات، وهو ما أدى إلى شلل مؤسسات الحزب.
وشدد على أن القضية ليست صراعا على المناصب أو المكاسب الشخصية، وإنما تتعلق بالمبادئ التي تأسس عليها الحزب والقيم التي التفّ حولها الأعضاء منذ البداية.
وقال: «نحن لا نخوض معركة مكايدة أو تصفية حسابات، بل نقف من باب الأمانة الأخلاقية والسياسية حتى لا يُكتبَ تاريخُ الحزب بغير الحقيقة».
ولفت إلى أن جميع محاولات التوافق ورأب الصدع قد باءت بالفشل، إذ رفضت إسماعيل كافة المبادرات، وأصرت على المضي قدما في فرض سيطرتها على مؤسسات الحزب، عبر استبدال القيادات المنتخبة تدريجيا بأشخاص غير ذوي صفة، واحتكار الإعلام الداخلي، وإصدار قرارات فردية دون الرجوع إلى القواعد.
وحول الاستحقاقات السياسية المقبلة، بيّن عيسى أن أي قرار بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية لن يُتخذ إلا بعد الرجوع إلى القواعد الحزبية، أي جميع الأعضاء بلا استثناء، مؤكدا: «لن نسمح بأن تُدار تحالفات أو صفقات خارج المؤسسات الشرعية للحزب، وأعضاء الحزب هم أصحاب الكلمة العليا».
وأضاف أن الخطوة العملية التي انطلقت بالفعل هي تشكيل لجنة الانتخابات لتنظيم العملية الانتخابية الداخلية بشفافية، وبإشراف شخصيات عامة لضمان المصداقية.
وزاد أن الانتخابات ستُجرى بلا إقصاء أو استبعاد، وأن الباب مفتوح أمام جميع الأعضاء للمشاركة، في إطار خطة إنقاذ الحزب من الانقسام.
عرقلة الحزب
في المقابل، أصدرت إسماعيل بيانا، قالت فيه، إن تحركات المنشقين، تأتي في الوقت الذي تستعد فيه كوادر متنوعة من الحزب لخوض معركة الانتخابات البرلمانية لأول مرة منذ تأسيس الحزب، وهو اختيار تم بعد استطلاع رأى لكل مستويات الحزب من خلال جمعيته العمومية ومن أجل مشاركة فعالة رغم صعوبتها، لتحريك المشاركة السياسية، وانتقال الحزب إلى مرحلة يخرج فيها من المقرات ليتواصل مع الناس وهو السبب الرئيسي للعمل في السياسة والأصل في الديمقراطية.
وأضافت: الحزب في خطوته للأمام اختار تقديم برنامج انتخابي متكامل يُقدَّم إلى الشعب المصري من خلال تحالف الطريق الحر، الذي يضم حزبي الدستور والمحافظين، باعتباره إطارا وطنيا يهدف إلى تعزيز التعددية وبناء بديل سياسي حقيقي.
وزادت: لكن مع كل خطوة يخطوها الحزب إلى الأمام على الساحة، تطفو على السطح تحركات لمجموعة من الأعضاء المنشقين يعيدون تدوير أزمة بدأت برفض التحقيق معهم في اتهامات لعضوات في الحزب بالاعتداء عليهم من أعضاء، ظنوا أنهم بعضويتهم في الهيئة العليا، صاروا فوق المحاسبة، وتناسوا أنه بدلاً من تفجير الحزب وايقاظ دعاوى الانشقاق والانقسام، كان يمكن السير في الخطوات المنصوص عليها في لائحة الحزب للاعتراض على قرار هيئة التحكيم المنتخبة من الهيئة العليا ومعتمدة من أعضاء الجمعية العمومية.
وبيّنت في بيانها، أن المجموعة المنسقة تستخدم في بيانات أخيرة تسميات لهيئات الحزب مثل «المؤتمر العام» و« مجلس الحكماء» وهي تسميات موجودة في لوائح سابقة على لائحة 2018 التي تم بناء عليها، انتخاب رئاسة الحزب وأمانته العامة وهيئته العليا.
وقالت إن هذه البيانات تلتقي مع محاولة لجنة الأحزاب تجميد حزب الدستور أو إنها تعيد تدوير بيانات انشقاقات قديمة حدثت واستمرت في الحزب منذ تأسيسه في 2012.
وشددت على أن الادعاء بأن لجنة الانتخابات الداخلية الحالية تم تعيينها بواسطة الأمين العام الحالي، عارٍ من الصحة، وأضافت أنها لجنة مُشَكّلة ومفوضة من مفوضية الانتخابات بجميع اختصاصاتها، وقد تم انتخاب المفوضية من الهيئة العليا في ظل الإدارة السابقة للحزب، ثم عُرض تشكيلها على الجمعية العمومية التي انتخبت رئيسةَ الحزب الحالية، وتم اعتمادها بأغلبية فاقت 94 في المئة.
بالتزامن مع هذه الخلافات بدأت المعركة القضائية لحزب الدستور لإثبات شرعية انتخابات الحزب التي جرت في يوليو/ تموز 2022.
وأصدرت لجنة الأحزاب السياسية «جهة حكومية» في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي قرارا بخلو منصب رئيس الحزب لحين عقد المؤتمر العام. وقدم حزب الدستور طعنا على قرار لجنة الأحزاب السياسية أمام محكمة القضاء الإداري، فيما أصدرت هيئة مفوضي الدولة في المحكمة الإدارية العليا، في مطلع سبتمبر/ أيلول الجاري، تقريرا أوصت فيه المحكمة بإصدار حكم بإلغاء قرار لجنة شؤون الأحزاب السياسية، مؤكدة صحة الموقف القانوني والإجراءات التي انتُخبت بموجبها جميلة إسماعيل.
المصدر: القدس العربي
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس