محطة وقود “قنبلة موقوتة” تحت خطوط الكهرباء

23
محطة وقود
محطة وقود "قنبلة موقوتة" تحت خطوط الكهرباء

عادل صبري

أفريقيا برس – مصر. قرب سفح أهرامات الجيزة أقامت محطة وقود “شل أوت” فرعها الخامس بعد المائة، ليمثل “قنبلة موقوتة” زرعتها تحت تقاطع شبكة خطوط كهرباء الضغط العالي، التي تربط بين السد العالي بأسوان ومحطة كهرباء هضبة الأهرامات ومركز التحكم القومي في الطاقة، غرب العاصمة.

أخبر عمال المحطة بأنهم يعملون بشركة تابعة لجهة سيادية وهم يحتفون بالمشروع الجديد، بينما الرعب يصيب سكان منطقة حدائق الأهرامات والمارة.

يصاب المرء بالفزع كلما نظر إلى السماء فوق المحطة التي بدأ العمل بها منذ أشهر، رغم وقوعها بمنطقة محظورة بقوة القانون الذي يمنع البناء تحت خطوط الضغط الفائق جهد 500 كيلوفولت والعالي 220 كيلوفولت، ويزيل أي منشآت تقع في نطاق سير الخطوط على مسافة 50 مترا من الجانبين.

على مدار أيام، حاول مراسل “العربي الجديد” معرفة مقر الشركة لمواجهتها بصور التقطت، على مدار أيام، تظهر خطورة عمليات تفريغ الوقود من الشاحنات العملاقة، ودخول سيارات النقل العالية، المتجهة من ميدان الرماية قرب الأهرامات، حيث يجري الانتهاء من المتحف المصري الكبير من ناحية الغرب، وتطوير بوابة جديدة لدخول منطقة الأهرامات من شرق طريق يربط بين العاصمة ومحافظات الفيوم والصعيد ومدينة 6 أكتوبر.

لم نعثر على مقر للشركة رغم امتلاكها 104 أفرع، على الطرق الرئيسية وداخل المدن بأنحاء الجمهورية، كما تظهر صفحة باسمها على “فيسبوك”، يديرها أدمن مجهول، يقودك الولوج إليه إلى صفحة محطات وقود بتايلاند تحمل الاسم التجاري نفسه.

تُحمل وزارة البترول الإدارة المحلية بالمحافظات سلطة التأكد من حصول شركات الوقود على موافقات الجهات المعنية بالدولة، قبل مزاولة نشاطها. تقضي الشروط بضرورة موافقة وزارات الزراعة والطرق والكباري والآثار والبيئة والدفاع المدني والمرور بوزارة الداخلية. تشير تقارير برلمانية إلى حاجة البلاد لنحو 2000 محطة وقود جديدة، مع ضرورة التوجه لبناء محطات شحن السيارات الكهربائية. ولا تمنح وزارة البترول التصاريح بسهولة، حيث تعرضت الطلبات بالموافقات على لجنة محطات الوقود بالهيئة العامة للبترول، لاستصدار موافقة من الوزارة، لفتح منافذ تسويق الوقود، بالموقع المحدد، بعد التأكد من التزام الشركات بشروط ولوائح الأمان.

في حال وجود تعارض مع مسارات الكهرباء والمرافق الحيوية، مثل شبكات المياه الضخمة والغاز الطبيعي ومترو الأنفاق، يتطلب الأمر النظر في القوانين الحاكمة لهذه المسارات. تلتزم منطقة هضبة الأهرامات التي يمر بها خط الضغط الفائق، بعدم البناء في مسار الخط الذي قسمها إلى نصفين بشارع عرضه 120 مترا، بينما يبتعد بناء محطة الوقود نحو 20 مترا فقط.

رفض مسؤولون بمحافظة الجيزة التحدث في أمر محطة الوقود، مؤكدين أن الطريق الذي تقع عليه المحطة تحت سلطة شركة الوطنية للطرق والمخصص بقرار جمهوري، منذ عام 2016. أظهرت مناقشة المسؤولين وجود عقد غير مكتوب، لتجاوز سلطات الإدارة المحلية مع الشركات التابعة للجهات السيادية، التي ينفذون أوامرها عبر الهواتف والتعليمات.

يمنح القانون المشار إليه السلطة لـ”الوطنية للطرق”، استغلال مسارات الطرق، بتحصيل الرسوم على سير المركبات وإقامة المنشآت والإعلانات على مسافة بعمق 500 متر من الناحيتين، بدون أن يمنع الإدارات المحلية ووزارة البترول من التدخل في إصدار التراخيص المطلوبة لسلامة المنشآت وضوابط التشغيل.

بمراجعة دقيقة لقائمة الشركات المسموح لها ببيع الوقود، لم نجد “شل أوت” في أي مصادر للمعلومات بوزارة البترول والهيئات التابعة لها. تحمل القائمة أسماء 11 شركة توزيع للوقود، هي “التعاون للبترول وإكسون موبيل مصر وتوتال إيجيبت، وبترومين وليبيا أويل وإمارات مصر والنيل لتسويق البترول، وطاقة لتسويق المنتجات البترولية وماك أويل غاز وغاز الشرق والمستقبل”.

تحتوي القائمة على عناوين واضحة وهواتف وبريد وكيفية التواصل مع أي شركة توزع البترول، عدا “الوطنية للبترول” التابعة للجيش رسميا، والمعروضة للبيع حاليا في إطار وثيقة “ملكية الدولة”، التي تستهدف بيع 32 شركة لمستثمر رئيسي أو ستطرح في البورصة خلال العام الحالي.

لا توجد في ملفات وزارة البترول أي معلومة عن “شل أوت” إلا ما رأيناه منشورا في موقع مؤسسة “دار الهلال” الصحافية الحكومية، لخبر يتيم يشير إلى “افتتاح المهندس طارق الملا وزير البترول، واللواء أمير سيد أحمد مستشار الرئيس للتخطيط العمراني، واللواء مجدي أنور رئيس الشركة الوطنية لإنشاء وتنمية وإدارة الطرق لمحطة وقود جديدة تابعة لــ(شل أوت) بشارع التسعين بمنطقة القاهرة الجديدة، شرق العاصمة”.

يشيد الوزير بخدمات الشركة، ويعتبرها نموذجا فريدا في تقدم الخدمات المتكاملة، والمرتبطة بمنظومة التوزيع الآمن للوقود وفقا لنظام ATG، الذي يسمح للوزارة بمتابعة توزيع الوقود عبر الغرفة المركزية لشبكات الوقود على مستوى الجمهورية.

يفسّر الوزير الدور المسند للمحطة، والتي حصلت في العامين الأخيرين على امتياز إقامة محطات وقود على مسارات الطرق الدائرية للعاصمة و31 طريق سريع وضعتها الحكومة تحت سيطرة “الوطنية للطرق”، ومنحت الرئاسة في مطلع الشهر الحالي الشركة سلطة استغلال الأراضي المحيطة بالطرق الجديدة بعمق 2000 متر، بقرار جمهوري، اعتبره خبراء مخالفا للدستور لأنه لم ينظر في موقف الأراضي المملوكة للمواطنين أو واضعي اليد، قبل صدوره.

تكشف جولة “العربي الجديد” في رحلة البحث عن إدارة “شل أوت” وجود تلازم في وجودها على الطرق الجديدة التي تشقها أو تطورها وزارة النقل والمحليات داخل المدن، وإقامة مقرات توزيع للوقود لـ”شل أوت”. تطلب توسيع طريق آخر، على المحور المركزي غرب منطقة هضبة الهرم، إزالة محطة وقود لــ”شركة الوطنية للبترول” خلال أيام، وإقامة محطة مقابلة لها على الطريق نفسه، لــ “شل أوت”.

تحتوي محطات “شل أوت” عادة على استراحات واسعة للمسافرين ومحلات للعب الأطفال والمأكولات السريعة والمقاهي الصاخبة، تعمل على مدار الساعة، بما جعلها مثار إزعاج للمناطق السكنية القريبة منها.

تأتي محطة “شل أوت” لتحقق المعنى الإنكليزي لكلمة “استراحة” على بوابة الأهرامات الثلاثة الرئيسية، دون أن يدرك المسؤولون حجم الكارثة التي تهدد بانفجارها في أي لحظة. تبرز التجهيزات تحويلات واسعة أجريت على مسار الطريق تسهل لسائقي السيارات الدخول إليها، تكلفت ملايين الجنيهات على طريق واسع حديث أعيد رصفه وتعديله عدة مرات خلال 3 أعوام.

وأسندت إدارة الطريق لإحدى الشركات الخاصة عمل تعديلات في نفق طريق الفيوم، لتوسعته، بعد افتتاحه، رسميا بعدة أشهر، لبناء امتدادات لاستراحات على الطريق تابعة لخدمة الوقود.

تنتظر الإدارة تشغيل بوابة الأهرامات الرئيسية وافتتاح المتحف المصري الكبير، خلال العام الحالي، لتكون ملتقى الأفواج والسيارات السياحية، وتبيع لهم الهدايا، دون أن تلتفت لخطورة أبراج الكهرباء وخطوط الضغط العالي، التي تصدر أزيزا عاليا، ناتجا عن تدفق التيار الكهربائي في أسلاك الكهرباء. يحذر العلماء من خطورة الوجود على مسافة غير آمنة من تلك الأسلاك، لتأثيرها على المجال المغناطيسي لمخ الإنسان، وتسببها في مرض السرطان، وحدوث حرائق وانهيارات للمباني في حال سقوط مفاجئ لأسلاك ضخمة.

يشير تيموثي كالداس، خبير السياسات بمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، في دراسة نشرها 6 فبراير/ شباط الحالي، إلى اتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولي على عدم تخصيص أراض لشركات “وطنية للطرق” وأمثالها، في إطار اتفاق على تخارج الحكومة من إدارة هذه النوعية من المشروعات، التي يجب أن ينفرد القطاع الخاص بالاستثمار بها. يقول كالداس إن الدولة تخصص تلك الأراضي بناء على أوامر الرئيس لشركات الجيش، الذي أصدر أخيرا مرسوما بتخصيص مساحات جديدة من الأراضي لتلك الشركات، ولم يهتم بالانتقادات المتزايدة ضد مشاركة شركات الجهات السيادية الاقتصادية، مع تصاعد المشاكل المالية للدولة.

تأتي كلمات كالداس متعارضة مع تصريحات رئاسية صدرت في نهاية الأسبوع الماضي، أكدت أن الحكومة مستعدة لإضافة كل الشركات التابعة للقوات المسلحة ضمن برنامج الطروحات الحكومية سواء بقيد حصص في البورصة المصرية أو بالشراكة مع القطاع الخاص. جاءت التصريحات الرئاسية بعد يوم واحد من إعلان رئيس الوزراء عن خطة الحكومة لبيع حصص في 32 شركة مملوكة للدولة حتى نهاية الربع الأول من عام 2024، بطرحها على المستثمرين الاستراتيجيين، أو إدراجها في البورصة.

يشير خبراء إلى أن السياسة الاقتصادية بحاجة إلى إصلاح سياسي يخرجها من الغرق وسوء الإدارة، التي أدخلتها في مستنقع الديون والفساد، الذي ارتفعت معدلاته إلى أعلى مستوياته في العام الماضي، ببلوع مصر المرتبة 130 من بين 180 دولة، وفقا لمؤشر الفساد بمنظمة الشفافية الدولية، والتي عبرت عن انزعاجها من إسناد المشروعات بالأمر المباشر وارتباط ذلك بمنظومة فساد بالجهات الحكومية ومقاعد المسؤولين بالدولة.

المصدر: العربي الجديد

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here