أفريقيا برس – مصر. في صباح دامٍ من صباحات يونيو/ حزيران، خيّم الحزن على قرية كفر السنابسة التابعة لمركز منوف في محافظة المنوفية، بعد أن فُجع أهاليها بمصرع 19 شخصاً من أبنائهم، معظمهم من الأطفال، إثر حادث مروع على الطريق الإقليمي قرب مدينة السادات. الحادث الذي وقع صباح اليوم الجمعة، خلّف أيضاً ثلاثة مصابين في حالة حرجة، بينما تحوّلت مشاهد الجنازات إلى ما يشبه الجنازة الجماعية.
كانت شرطة النجدة قد تلقت إخطاراً بوقوع الحادث الذي نجم عنه مقتل 19 شخصاً وإصابة اثنين آخرين من عمالة اليومية، وعلى الفور انتقلت سيارات الإسعاف وجرى نقلهم إلى مستشفيات قويسنا، الباجور، أشمون، شبين الكوم، في شمال مصر.
وبحسب التحريات الأولية، فإن الحادث وقع نتيجة تصادم مباشر بين سيارة نقل ثقيل وحافلة صغيرة (ميكروباص)، بسبب السرعة الزائدة. وأسفر الحادث عن تحطم السيارتين بالكامل. وباشرت النيابة العامة التحقيق، وقررت انتداب الطب الشرعي لمناظرة الجثامين، كما جرى تحرير محضر بالواقعة، وبدأت جهات التحقيق في الاستماع إلى أقوال شهود العيان والناجين من الحادث.
كان الضحايا يستقلون سيارة ميكروباص في طريق عودتهم من عزاء بقرية مجاورة، عندما اصطدمت المركبة بشاحنة نقل تسير بسرعة جنونية في الاتجاه المعاكس. شهود عيان أكدوا أن المنطقة التي وقع فيها الحادث تفتقر إلى أي فواصل خرسانية أو إنارة، كما تغيب عنها دوريات المرور ونقاط الإسعاف.
يقول علي جمعة، أحد الشهود، إن سيارات الإسعاف لم تصل إلا بعد نحو 40 دقيقة من وقوع التصادم، مضيفاً: “الناس كانت بتموت على الأسفلت. الطريق مظلم، ومفيش أي رقابة ولا حتى كاميرات، والسواق النقل كان جاي طاير”.
قتلى الحادث جميعهم من أبناء قرية كفر السنابسة، التي عاشت طوال اليوم على وقع صدمة غير مسبوقة. وفي أثناء تشييع الجثامين، قالت سعاد عبد الجواد، شقيقة أحد الضحايا: “كانوا رايحين يقدموا واجب العزاء، ورجعوا في النعوش. كله راح في ثانية”.
الحادث أعاد إلى الواجهة الأزمة المزمنة للطريق الإقليمي، الذي تم افتتاحه في عام 2018 ضمن ما سُمي آنذاك بـ”المشروعات القومية العملاقة”. ويُعد الطريق شرياناً مهماً يربط عدة محافظات، يدفع المارون عليه رسوماً تبدأ من 15 جنيهاً للسيارة الملاكي تصل إلى عدة مئات للحافلات والنقل، وكان يفترض أن يخفف الضغط عن الطريق الزراعي الذي يربط العاصمة بمدن دلتا النيل ومدن الإسكندرية والساحل الشمالي، والطريق الدائري الأول حول العاصمة.
بلغت تكلفة المشروع أكثر من 9 مليارات جنيه، وتضمنت الخطط المعلنة حينها توفير كاميرات مراقبة، وحواجز خرسانية، ونقاط إنقاذ، وإنارة كاملة، لكن الواقع جاء مغايراً لتلك الوعود، بعد أن تضررت أجزاء كبيرة منه رغم مرور سنوات قليلة على إنشائه، حيث تكثر التشققات والهبوط الأرضي، في قطاع محافظة المنوفية تحديداً، لا تزال أجزاء واسعة من الطريق تفتقر إلى أدنى معايير السلامة، بحسب شهادات عدد من سائقي الأجرة ومهندسين سابقين في هيئة الطرق والكباري.
يقول أحد المهندسين، طلب عدم الكشف عن اسمه: “الطريق اتفتح بسرعة قبل ما يخلصوا الخدمات عليه. لا فيه دورات طوارئ ولا فواصل واضحة، وده سبب رئيسي في تكرار الحوادث”.
نواب برلمان سابقون وحاليون حذروا مراراً من الحالة المزرية للطريق، خصوصاً في مناطق مثل السادات والباجور وشبين الكوم، من دون أن تلقى تحذيراتهم استجابة فعلية من الجهات المختصة. وبعد الحادث، طالب النائب عن دائرة منوف، محمد الغباشي، بعقد جلسة طارئة لمساءلة وزارتي النقل والداخلية، قائلًا: “نحن أمام قتل بالإهمال. من غير المقبول أن يستمر الطريق بهذا الشكل دون مراجعة أو إشراف”. في الوقت نفسه، لم تصدر وزارة النقل أي بيان بشأن الحادث، كما لم يُعلَن فتح تحقيق لتحديد أسباب التقصير أو محاسبة المسؤولين.
في منزل إحدى العائلات المفجوعة، تتكرر جملة واحدة على لسان والدة أحد الضحايا: “قال لي هرجع قبل المغرب.. ورجع في كفن”. مأساة كفر السنابسة ليست الأولى، وقد لا تكون الأخيرة، في ظل استمرار النزيف على طريق أنشئ تحت شعار التنمية، وانتهى كمقبرة جماعية لمن لا يملكون رفاهية اختيار طريق أكثر أمانًا.
وبحسب شهود عيان، فقد سمع صوت ارتطام عنيف عند الساعة الثامنة صباحاً، دفع به بعضهم إلى التحرك لاستكشاف ما جرى. وغدت الجثث متناثرة فوق الأسفلت، فقد تمزقت بعض الجثث داخل الميكروباص، بينما تلف جزء من الضحايا في هيكله المعدني. وتوافد الأهالي على الموقع فور وقوع الحادث، إذ رووا كيف اختلطت الصرخات بالألم مع تأخر سيارات الإسعاف حوالي 40 دقيقة.
وسادت حالة من الهلع داخل المستشفيات مع وصول الجثث غير المعروفة الهوية، حيث جرى رفع حالة الطوارئ واستدعاء الأطقم الطبية فوراً. وقالت مصادر إنّ ما يقارب 14 جثة وصلت من دون أوراق ثبوتية، ما اضطر أطقم الطب الشرعي والمستشفيات إلى وضعها في الثلاجات لحين التعرّف عليها. وأصدرت الأجهزة الأمنية، بقيادة اللواء محمود الكموني، قراراً بالقبض على سائق الشاحنة فورًا، بعدما تبين أن سبب الحادث كان انفلات عجلة القيادة منه. وفتحت النيابة العامة تحقيقًا عاجلًا، واستدعي الطب الشرعي وأُخطر شهود العيان لتحديد ملابسات الحادث وتحديد المسؤوليات
وفي شهر إبريل /نيسان الماضي، لقي خمسة أفراد من أسرة واحدة حتفهم وأصيب شخص في حادثة تصادم سيارتين بالطريق الإقليمي بالمنوفية في شمال مصر. وتحصد حوادث السير أرواح نحو 7 آلاف مصري سنوياً، بحسب بيانات رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس