من سيُجوّع المئة مليون مصري؟!

8
من سيُجوّع المئة مليون مصري؟!
من سيُجوّع المئة مليون مصري؟!

شيرين عرفة

أفريقيا برس – مصر. إنّ أرضنا قادرة على إطعامنا جميعًا، وعلى البشر توزيع الطعام بإنصاف، وألا يتركوا أحدًا خاوي اليدين، فالقضاء على الجوع أحد أهم أهداف برامجنا للتنمية المستدامة، فالجوع هو المعوق الأبرز للتنمية وتحقيق السلام”.

هذا ما نقرأه على الموقع الرسمي للأمم المتحدة، ضمن برنامج الأغذية العالمي الخاص بمكافحة الجوع والقضاء عليه، حيث ترصد دول العالم سنوياً مئات الملايين من الدولارات من أجل هدف القضاء على الجوع، الذي غالباً ما ينشأ في ظلّ النزاعات والحروب، أو عبر التغيّر المناخي ومواسم الجفاف.

يعتبر الجوع معول هدم للسلام المجتمعي، وأحد أبرز التحديات أمام التنمية لأي بلد على الأرض. إذ كيف يعمل الإنسان وينتج وهو جائع؟ ونحن هنا لا نتطرّق للتفكير والإبداع اللازمين لتطوّر المجتمعات، بل فقط، العمل البسيط اللازم للبقاء على قيد الحياة!

ولهذا، جعل الإسلام من “طرد الجوع” عن الجائعين، وإطعام الطعام، شعيرة عظيمة من شعائر هذا الدين، بل ومن أعظم الأعمال التي يتقرّب بها المسلم من الله عزّ وجل. وقال المفسرون عن أسباب عِظم تلك الشعيرة أنها تمنع المهالك عن أفراد المجتمع، وتدفع عنهم المرض، كما تُجسّد معنى التكافل، وتقوّي روابط الأخوة والمحبة بينهم.

ولأهمية إطعام الطعام وفضيلة “طرد الجوع”، أمر الله أن تكون زكاة الفطر في رمضان بالطعام، وجعل الكفارة والسبيل للتوبة من عدد كبير من الذنوب؛ عن طريق إطعام الجائع، فكفارة القتل الخطأ، وظهار الزوج من زوجته، والوطء في نهار رمضان، “إطعام ستين مسكينًا”. وأما كفارة الحلف بالله: إطعام عشرة مساكين.

لم ولن يكون الجوع أبداً فضيلة تتباهى به الدول، أو ترضى وتسلّم بوجوده الحكومات، إلا في هذا الزمن العجيب، زمن انقلبت فيه أحوال مصر، منذ انقلب وزير دفاعها على حاكمها المنتخب، زمن، من فرط غرابته، تكاد تجن منه العقول!

بعد مرور عام واحد على حكمه البلاد، وقف عبد الفتاح السيسي، في الحادي عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، في مطار شرم الشيخ، بعد أيام قليلة من حادث تحطّم طائرة الركاب الروسية عقب دقائق على إقلاعها من ذات المطار، ليعلن للعالم أنّ السياحة بخير، من خلال موقف تمّ إعداده بعناية، لكنه كان الحدث الأكثر كوميديةً ذلك العام. ثم تأتيه مراسلة فضائية النهار تتباكى وتسأل: “بماذا ترد على تلك الشائعات التي أصابت شرم الشيخ وكيف يمكن أن ندعم السياحة؟”. فيرد عليها بإجابة مذهلة، لا علاقه لها أصلا بالسؤال، قائلاً: “أنا مش عايزيكم تبقوا قلقانين، إحنا ما نأكلشي، ونبني بلدنا، أوعي تخافي”. واستطرد “هنجوع؟! ما نجوع، لكن بلدنا بسلام وأمان، وبنطلع للأمام، النجاح واضح ويستمر”.

انتهى كلام السيسي، ولم يفهم المصريون وقتها ما علاقة جوعهم ببناء البلد، أو بالنجاح، وأيّ سلام وأمان يشعرون به وهم في حالة الجوع؟!

تعجبوا من مدى التناقض، بين تصريحاته التي سبقت توليه الرئاسة، عن مصر التي ستصبح “أد الدنيا” ومشاريعه، التي هي “الأول ..أغني الناس”، ووصفه للمصريين بأنهم “نور عينيه”، وأنه ما تولى الحكم إلا “ليحنو عليهم”.

ومنذ عبارته “إحنا نجوع… وما نأكلشي”، لم يتوقف احتفاء السيسي بالجوع عند تلك النقطة، بل تعداها إلى ما أبعد من ذلك. ففي واحد من مؤتمراته إبان الانتخابات الرئاسية 2018، وعوضاً عن طمأنة ناخبيه، أو التباهي بإنجازات فترته الأولى (هذا إن كانت لديه إنجازات) ككلّ مرشحي الرئاسة بطبيعة الحال، كان الأمر مع السيسي مختلفاً تمام الاختلاف، حيث سجل التاريخ أعجب عباراته على الاطلاق، فقد ضم مع الجوع العطش، وأكد عليهما بإصرار، فتوّجه للحضور بالقول: “هتتعبوا معايا أوي!”، ثم استدرك “مش معايا أنا، معاها هي، وهي تستحق أننا نتعب ونضحي ونتحرِم، ونأكل من جوعنا ونشرب من عطشنا، ونفضل صبرانين أو صابرين حتى يعجز الصبر عن صبرنا”.

هو لا يتحدث هنا عن خلق حالة من الجوع وحسب، بل معايشة الجوع وتناوله كطعام! ثمّة تعبير مجازي، لا أعتقد أنّ أحداً قبله قد سبقه إليه، أو خطر له على بال، فلم يذكر التاريخ لنا من استمتع بتجويع شعبه، كما يفعل السيسي الآن!

ومؤخراً، خلال كلمته باحتفالات عيد الشرطة لهذا العام، 23 يناير/ كانون الثاني 2023، في مجمع المؤتمرات بأكاديمية الشرطة، أعاد حديثه عن القبول بالجوع، بل وحتميته في حياة المصريين، قائلا: “الجوع في مصر ليس نهاية الدنيا، ويجب أن نضحي كي تظل مصر موجودة”.

هنا، يتساءل المصريون: ماذا يقصد بأنه ليس النهاية؟! هل سينتظرون ما هو أشدّ من الجوع؟! ولماذا يجوعون لتظلّ مصر موجودة، هل بقاء بلادهم مرتبط بالجوع، وستفنى إذا شبعوا أو تناولوا الطعام؟!

هذه المرة، اختلف السيسي تماماً عما ظهر عليه في 2015، زاد وزنه، انتفخت خدوده، وانتهى من بناء قصوره الأسطورية، وشراء طائراته الرئاسية، والإنفاق بجنون على مشاريعه المفتقرة إلى دراسات الجدوى، وعاصمته الإدارية، وما زال يحدثنا عن حتمية الجوع! فما هذا الجنون؟!

أشد ما صدم المصريين كان حديثه في مايو/ أيار الماضي 2022، أثناء افتتاحه مشروع “مستقبل مصر” للإنتاج الزراعي، حين تطرّق إلى موضوع غلاء الأسعار، فضرب لنا المثل بحصار قريش لشِعب أبي طالب في زمن النبي (عليه الصلاة والسلام)، فقال: “إن النبي (ص) حُبس وحوصر في شعاب مكة ثلاث سنوات، وكان جبريل بينزل عليه بالوحي، لا الصحابة والتابعين ساعتها قالوا له: جيبوا لنا ناكل، ولا المية تتفجر تحتنا، قعدوا 3 سنين لدرجة وصلوا أنهم يأكلوا ورق الشجر”.

هنا السيسي لا يتحدث عن الجوع العادي، الذي يطالب المصريين دوما بالصبر عليه، بل ويتحدث عن حرمان تام، ناتج عن حصارٍ من عدو كافر، وصل بالمحاصرين إلى أن يتناولوا معه ورق الأشجار!! يتفنن هو إذن في تجويع شعبه، وكأن برنامجه الرئاسي: من سيُجوّع المئة مليون؟!

في الأدب العربي، وُصف الجوع بالعذاب، وارتبط دوما بالنيران، في إشارة لاحتراق صاحبه، كما اتهمته الأمثال الشعبية بالكفر (الجوع كافر)، هكذا علمنا الآباء والأجداد.

لكن، فقط لدى السيسي، الجوع للمصريين هو الهدف الأسمى من بقائه في السلطة، ومنهجه الوحيد في حكم البلاد.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here