أفريقيا برس – مصر. قبل أيام من تدشين سد النهضة الإثيوبي الذي جرى اليوم الثلاثاء، تناولت بعض المنصات الإعلامية وثائق مسربة، قيل إنها لاتفاق جرى بين السودان وإثيوبيا، قبل 3 سنوات، يتضمن التنسيق التام بين الجانبين فيما يتعلق بالملء والتشغيل وتبادل المعلومات والبيانات، وفي الوقت ذاته تجاهل الاتفاق أي إشارة لمصر.
ما حقيقة هذا الاتفاق ولماذا جرى بعيدًا عن أعين القاهرة وما فائدته اليوم بعد تدشين السد.. وهل تخلت السودان عن مصالحها مع القاهرة مقابل الاتفاق مع إثيوبيا وهل يمكن أن تنضم مصر له ليصبح اتفاقًا ثلاثيًا بضمانات دولية وإقليمية؟
بداية، قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير صلاح حليمة: “نؤكد على أن الاتفاق الذي تم تسريب معلومات عنه بين السودان وإثيوبيا، إن صح الأمر حول سد النهضة، فإننا نؤكد أن هذا الاتفاق، الذي قيل إنه يخصّ التشغيل الفني لسد النهضة، لم يتم تفعيله على أرض الواقع بشكل كامل، لقد أظهرت التجربة أن أي إجراءات أحادية الجانب في هذا الملف تحمل في طياتها أضرارا جسيمة لدول المصب، لقد شهدنا فيضانات وأضرار طالت سدودا في السودان ومصر، مما يؤكد أن الاتفاقات التي لا تحترم المصالح المشتركة لدول حوض النيل لا يمكن أن تصمد”.
فرض الأمر الواقع
وأضاف: “لقد سلكت إثيوبيا طريق فرض الأمر الواقع ومخالفة الاتفاقيات ذات الصلة والقانون الدولي وإعلان المبادئ لعام 2015، هذا السلوك الأحادي الجانب يقوّض فرص التوصل إلى حل عادل ومنصف لقضية سد النهضة”.
وتابع حليمة: “لا يمكننا أن نغفل أن هذا ليس السلوك الأحادي الأول من نوعه، فقد شهدنا في عهد الرئيس السوداني الأسبق البشير، تواطؤا سودانيا أشد وطأة، حيث تم توقيع اتفاقات سرية لم تكن مصر على علم بها إلا بعد سنوات، وإن كان الاتفاق الحالي ينظم تدفق المياه وتبادل المعلومات، فإن توقيعه سرًا يمثل خطأ جسيما، لأنه لم يراعِ مصالح دولة المصب الأخرى”.
ويؤكد الدبلوماسي المصري أن” هذا التصرف من الجانب الإثيوبي يمتلك نوايا سيئة تجاه مصر، ويسعى لخلق وقيعة وتفرقة بين السودان ومصر، فيما يتعلق بمصالحهم المشتركة. يجب على دول المصب أن تلتزم بمصالحها المشتركة في إطار الاتفاقات القانونية والقانون الدولي وإعلان المبادئ”.
وأشار إلى أن “توقيت تسريب هذا الاتفاق يهدف إلى تفتيت الموقف المصري السوداني ومحاولة الوقيعة بينهما، لكننا نؤكد على وحدة الموقف السوداني والمصري ورؤيتهما المشتركة كدولتي مصب، وإدانتهما للممارسات الإثيوبية الأحادية وفرض الأمر الواقع، خاصة فيما يتعلق بعمليات الملء والتشغيل وبناء السد”.
واستطرد: “ما زالت مصر والسودان تؤكدان على ضرورة التخلي عن التصرفات الأحادية والتوجه نحو التوصل إلى اتفاق قانوني منصف وعادل لعملية الملء والتشغيل، وتجنب أي ضرر جسيم، وذلك طبقا للقانون الدولي وإعلان المبادئ الذي ينص على التوزيع المنصف والعادل للمياه وتجنب الضرر الجسيم”.
الوسطاء الدوليون
ودعا حليمة “كل الأطراف الفاعلة إلى بذل أقصى الجهود لفض هذا النزاع بالطرق السلمية، طبقا للقانون الدولي وإعلان المبادئ، هذا يتطلب من إثيوبيا العودة إلى رشدها وإعادة النظر في مواقفها، والتخلي عن سياسات التعنت وفرض الأمر الواقع، والالتزام بالاتفاقيات الدولية والقانون الدولي وإعلان المبادئ، وهذا يتطلب إرادة سياسية وحسن نية”.
ونوّه إلى أنه “قد يكون هناك دور لوسطاء دوليين مثل الولايات المتحدة الأمريكية، كما أعلن الرئيس ترامب استعداده للوساطة، شريطة ألا يكون لذلك مقابل سياسي يطلبه من مصر أو في المسار الثالث، اللجوء إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وإثارة الموضوع في إطار الفصلين السادس والسابع الخاصين بالدفاع الشرعي عن النفس، باعتبار أن الضرر الجسيم هو نوع من العدوان الذي يتعين دفعه قبل وقوعه ويعطي حق الدفاع الشرعي عن النفس”.
وقال حليمة: “لا شك أن الموقف المصري والسوداني يحظى بتأييد كافة الدول والمنظمات الإقليمية والدولية، بما فيها الأمم المتحدة، بضرورة التوصل لاتفاق قانوني ملزم منصف وعادل، وقد تضمن بيان الرئاسة الصادر من مجلس الأمن تأييدا للتوصل إلى هذا الاتفاق عندما عرض عليه الأمر في المرحلة الثانية، كما كان هناك إعلان بين الرئيس السيسي، وآبي أحمد في القاهرة، بضرورة التوصل إلى هذا الاتفاق في غضون 4 أشهر، لكن إثيوبيا كعادتها، تهربت وتدعي الآن أنها لم تدع مصر والسودان إلى مفاوضات”.
واختتم حليمة، بالقول: “نحن على استعداد لمثل هذه المفاوضات إذا توافرت حسن النية والإرادة السياسية، والتأكيد على أن ما يتم التوصل إليه هو اتفاق قانوني ملزم ومنصف وعادل، نعتقد أن هذا الاتفاق جاهز وموجود، وقد تم التفاوض عليه ويستند إلى مشروع اتفاق واشنطن أو مسار واشنطن في فترة ولاية ترامب الأولى”.
السودان وإثيوبيا
في المقابل، قال الدكتور أحمد المفتي، خبير الموارد المائية وعضو لجنة تفاوض مياه النيل السودانية: “قبل أيام، نشرت إحدى القنوات الفضائية العربية تصريحات أكدت من خلالها أنها اطّلعت على اتفاق بين السودان ومصر بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، والموقع بتاريخ 26 أكتوبر (تشرين الأول) 2022”.
وأضاف: “ديباجة الاتفاق أكدت على أن سلامة وتشغيل سد النهضة و سد الروصيرص السوداني مترابطان، و يستوجبان تنسيقا وثيقا وعملا مشتركا للتعامل مع الظروف الطبيعية وحالات الطوارئ، وأشار إلى أهم ما ورد في بنود الاتفاق، أن تلتزم إثيوبيا بإتمام ملء السد بشكل تدريجي خلال موسم الأمطار من كل عام، في (يوليو وأغسطس وسبتمبر وأكتوبر)، حتى يصل منسوب ارتفاع المياه إلى 625 مترا فوق سطح البحر، مع تقليص حجم التخزين في حال حدوث جفاف”.
وتابع المفتي: “الهدف من اجتماعات البلدين هو تبادل المعلومات وتعزيز الفهم المشترك حول إدارة الموارد المائية العابرة للحدود، بما يسهم في تحسين إدارة البنية التحتية المائية في حوض النيل بين إثيوبيا والسودان، حيث أن مستوى التشغيل الدائم لسد النهضة يكون بين 625 و640 مترا فوق سطح البحر”.
وأكد على ضرورة أن “تلتزم إثيوبيا بتصريف كميات ثابتة من المياه إلى السودان، لا تقل عن 300 متر مكعب في الثانية، بهدف ضمان استمرار تدفق النيل الأزرق والحفاظ على التوازن البيئي الطبيعي”.
آلية التنسيق المشتركة
وأشار الخبير السوداني إلى أن “تبادل البيانات بين الطرفين يتم بشكل منتظم، عبر تبادل بيانات شهرية تتعلق بـ التدفقات الداخلة والإطلاقات المائية، إضافة إلى بيانات الأرصاد الجوية عند سد النهضة و مؤشرات مرتبطة بجودة المياه، فضلا عن تبادل بيانات يومية حول مناسيب المياه والإطلاقات في كل من سد النهضة و سد الروصيرص السوداني”، لافتًا إلى أنه “يتم تبادل المعلومات بين الطرفين بشكل متزامن ويومي، وتحديد نقاط اتصال رسمية في وزارتي الموارد المائية بالبلدين، لتكون مسؤولة عن نقل وتسلم البيانات بصورة مستمرة”.
وشدد على أن “إنشاء آلية التنسيق المشتركة للسد والتي تتخذ قراراتها بتوافق الآراء، ويكون لها صلاحية حل أي خلافات تنشأ بين الطرفين حول تفسير أو تطبيق القواعد والإرشادات الفنية، مشيرا إلى أن الآلية تتولى جملة من المهام، في مقدمتها تسهيل التعاون والتنسيق، وتوحيد النهج في نظم جمع المعلومات والرصد، بحيث تعتبر تلك الآلية من الركائز الأساسية في الاتفاق، إذ تمنح الطرفين إطارا مؤسسيا دائما للتشاور وإدارة القضايا الفنية المتعلقة بالسد، كما يقول الاتفاق وفقا للمعلومات المسربة إنه تم الاتفاق على حزمة ترتيبات خاصة شددت على مسؤولية كل طرف عن سلامة سدوده، مع مراعاة مصالح مجتمعات دول المنبع والمصب”، مضيفًا أن “الطرفين يلتزمان بتحديث تدابير السلامة دوريا في السدين، ومشاركتها ومناقشتها بانتظام داخل الآلية الفنية”.
ولفت المفتي إلى أن “مهمة الآلية أنه عند رصد أي مشكلات في كمية أو جودة المياه يعتقد أنها ناجمة عن سد النهضة، تشكل حالة طارئة، وتتطلب استجابة فورية، يتعين إخطار الآلية فورا، وطلب عقد اجتماع عاجل لوضع إجراءات وقائية أو علاجية مناسبة، وفي حالة الطوارئ الناتجة عن توقف مفاجئ وغير مخطط لتوليد الكهرباء في سد النهضة، تلتزم إثيوبيا بإخطار نقطة الاتصال المعينة في السودان على الفور، لضمان التنسيق الميداني، وتقليل المخاطر على المنشآت المائية والمجتمعات الواقعة في دول المصب”، مشيرًا إلى أن “كل ما ذكر يهدف إلى رفع الجاهزية التشغيلية والحد من آثار الطوارئ المحتملة، عبر تنسيق فني مباشر بين البلدين، يضمن سرعة تبادل المعلومات واتخاذ القرارات اللازمة في الوقت المناسب”.
الموقف المصري
وأشار إلى أن “مصر أعلنت مؤخرا عن توجيه خطاب إلى مجلس الأمن الدولي بشأن تطورات سد النهضة الإثيوبي، أكدت فيه استعدادها لاتخاذ جميع التدابير للدفاع عن وجودها ومصالحها، وفي اعتقادي أن هذا الاتفاق خطوة في الاتجاه الصحيح، فيما يتعلق بمصالح السودان المائية، ويأمل في التصديق عليه من الأجهزة التشريعية في السودان وإثيوبيا، ونأمل في تطوير الاتفاق إلى إدارة مشتركة لسد النهضة تضمن باقي حقوق السودان المائية، وتطويره بعد ذلك إلى تكامل إقليمي بين الدول الثلاث، خاصة وأنه قد صدرت مؤخرا من الرئيس الإثيوبي تصريحات تدعم التكامل الإقليمي بين الدول الثلاث”.
واختتم المفتي، بالقول: “لا أرى ما يمنع أن تكون مصر جزءا من كل ذلك، لأن دخولها يزيل ما يمكن أن يبديه المجتمع الدولي من تحفظات على الاتفاق السوداني الإثيوبي، على اعتبار أنه لا يشمل كل الدول المعنية”.
الخيارات متاحة
بدوره، قال الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي العام والأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية بمصر، إن “تدشين إثيوبيا الرسمي لسد النهضة لا يعني انتهاء الخيارات المتاحة أمام مصر للحفاظ على حقوقها المائية التاريخية والقانونية”، مؤكدًا أن “القانون الدولي يوفر آليات فعالة لحماية هذه الحقوق”.
وأضاف: “مصر تملك خيارات قانونية متعددة، أبرزها اللجوء للقضاء الدولي لإثبات انتهاك إثيوبيا لمبدأ عدم الإضرار الجوهري والحقوق المائية المكتسبة، ولكن ذلك مرهون بموافقة إثيوبيا”، مشيرًا إلى أن “السوابق القضائية الدولية تدعم الموقف المصري خاصة في قضايا المجاري المائية العابرة للحدود”.
وأوضح الخبير أن “مصر تستطيع تفعيل الضغط الدبلوماسي من خلال المؤسسات الإقليمية والدولية لإجبار إثيوبيا على الالتزام بقواعد القانون الدولي للمياه”، مؤكدًا أن “اتفاقية الأمم المتحدة لاستخدام المجاري المائية الدولية تلزم إثيوبيا بالتشاور والتنسيق مع دول المصب”.
أوراق مصرية
ولفت مهران إلى أن “مصر تملك أوراقا اقتصادية قوية من خلال التأثير على مصادر التمويل الدولي للمشاريع الإثيوبية وربطها بضرورة التوصل لاتفاق عادل حول إدارة السد”، مشيرًا إلى أن “البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يدركان خطورة النزاعات المائية على الاستقرار الإقليمي”.
وأكد أن “الخيار الأهم يكمن في بناء تحالف دولي لحماية الحقوق المائية المكتسبة والضغط على إثيوبيا لقبول آلية تحكيم دولية ملزمة تضمن الحقوق المصرية”، مشيرًا إلى أن “العديد من الدول تواجه تحديات مماثلة مع دول المنبع”.
وشدد مهران على أن “مصر لن تقبل بالأمر الواقع وستستخدم كل الوسائل القانونية والدبلوماسية المتاحة لحماية أمنها المائي”، مؤكدًا أن “قضية المياه خط أحمر لا يمكن التفريط فيه تحت أي ظرف”.
وافتتح رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، اليوم الثلاثاء، مشروع “سد النهضة” الكبير رسميا، في حفل شهد حضور عدد من القادة الأفارقة البارزين.
ذكرت ذلك وكالة الأنباء الإثيوبية “إينا”، اليوم الثلاثاء، مشيرة إلى أن مراسم الافتتاح شارك فيها عدد من القادة الأفارقة، أبرزهم الرئيس الكيني وليام روتو، والرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله، والرئيس الصومالي حسن
ويعد سد النهضة أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ إثيوبيا، ويأتي تدشينه بعد سنوات من الجدل الإقليمي والدولي حول تداعياته على مياه نهر النيل.شيخ محمود، ورئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت.
وجهت مصر، اليوم الثلاثاء أيضا، خطابا إلى رئيس مجلس الأمن بشأن التطورات الأخيرة في النيل الأزرق، وإعلان إثيوبيا الانتهاء من تشغيل “سد النهضة”، وهي الخطوة التي اعتبرتها أحادية ومخالفة للقانون الدولي.
وأكدت وزارة الخارجية المصرية، ممثلة في وزيرها، بدر عبد العاطي، في بيان رسمي، أن “محاولات إضفاء شرعية زائفة على السد لا تغير من حقيقته كإجراء أحادي غير قانوني، لا يترتب عليه أي آثار قانونية على نظام حوض النيل الشرقي وفقا للقانون الدولي”، مشددة على أن “التصرفات الإثيوبية تمثل خرقا جديدا يضاف إلى سلسلة طويلة من الانتهاكات، بما في ذلك تجاهل البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن في 15 سبتمبر 2021”.
كما جددت مصر في بيانها رفضها القاطع لجميع الإجراءات الأحادية، التي تمس حقوق ومصالح دولتي المصب، مصر والسودان.
وأشار الخطاب إلى أن “القاهرة، منذ بدء المشروع الإثيوبي، التزمت بأقصى درجات ضبط النفس، ولجأت إلى الدبلوماسية والمنظمات الدولية، انطلاقا من إيمانها بأهمية التعاون وتحقيق المصالح المشتركة لشعوب دول النيل، في حين اختارت أديس أبابا التعنت والمماطلة وفرض الأمر الواقع بدوافع سياسية تهدف لحشد الداخل على حساب حقوق دول الجوار”.
وقالت إن “أي تصورات مغلوطة بأن القاهرة قد تغض الطرف عن مصالحها الوجودية في نهر النيل هي محض أوهام”.
وختمت مصر بالتأكيد أن “أي تصور بأن القاهرة قد تتنازل عن مصالحها الوجودية في نهر النيل هو وهم”، مشددة على تمسكها بتطبيق قواعد القانون الدولي، ورفضها التام لمحاولات إثيوبيا الانفراد بالتحكم في الموارد المائية، مع احتفاظها بحقها في اتخاذ كافة الإجراءات التي يكفلها القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة لحماية مصالح شعبها.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس