عن مفهوم “إسرائيل الكبرى” وأمن مصر القومي

1
عن مفهوم
عن مفهوم "إسرائيل الكبرى" وأمن مصر القومي

محمد عزام

أفريقيا برس – مصر. ليس عفوياً أو عشوائياً، أن يتلقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، نيابة عن زوجته سارة، الهدية هذه “قلادة أو تميمة لخريطة أرض الميعاد” من المذيع هذا شارون غال في تلك القناة i24، خلال ظهوره في مشهد يحتاج إلى تفكيك ويصح وصفه بالدعائي المرسوم بدقة، ضمن ثنايا ما لا يجوز وصفه بالحوار الصحافي، فقد انسجم الطرفان في ترديد سردية واحدة ولم يقاطع المذيع ضيفه معقباً أو مستدركاً، ترويجاً له وتمجيداً في أدائه داخلياً باعتباره الأكثر نجاحاً واستهدافاً من اليسار والمؤسسة القضائية، بينما خارجياً أبرز ما أهمنا عربياً، حديث أكبر رأس في دولة الاحتلال بعد عقود من السلام المفترض مع مصر والأردن والاتفاقيات الإبراهيمية اللاحقة عما يسميه بـ”المهمة التاريخية والروحية” و”الارتباط برؤية إسرائيل الكبرى”، وهو مفهوم عائم وغائم، وله تفسيرات وتعريفات متنوعة تاريخياً وسياسياً ودينياً وزمنياً، لكن شبه جزيرة سيناء المصرية تدخل في ثنايا معانيها التي تدور حول التمدد واحتلال كل ما يمكن من أراضي الجوار.

لهذا بعد هزيمة 1967، هيمن ذاك المفهوم على الإعلام العربي بقوة للإشارة إلى المناطق المحتلة مصرياً وأردنياً وفلسطينياً وسورياً، وإن كانت جذوره تسبق ذلك بكثير، فالبعض يعيده إلى مؤسس وزعيم ما سمي بـ”الحركة التصحيحية الصهيونية”، زئيف فلاديمير جابوتنسكي (1880-1940) المتأثر بغلاة الفاشيين، وسبق أن وصفه نتنياهو بمرشده الروحي، وكان مما يؤمن به، ما وصفه بـ “إسرائيل الكبرى” التي تضم فلسطين التاريخية وشرق نهر الأردن، وهو ما عبر عنه في قصيدة قال فيها “لنهر الأردن ضفتان؛ الضفة الأولى لنا والثانية لنا أيضاً”، بينما تحول الأمر مع رئيس الوزراء الأوّل، ديفيد بن غوريون باتجاه مصر، هذه المرة مبرراً الهجوم عليها في حرب 1956 المعروفة بالعدوان الثلاثي، أمام الكنيست بـ “إعادة مملكة داوود وسليمان إلى حدودها التوراتية”.

حكماً الحوارات مع رؤساء وقادة والدول تخضع لبروتوكولات صارمة وتنسيق مسبق وكل كلمة تُوزن، وحتى الإيماءة تُدرس، وفي بعض الحالات يرسل المحاور رؤوس أقلام لما سيتناوله، وربما حتى الأسئلة المفصلة، كما أميل إلى ذلك، في حالة المقابلة الأخيرة وهي من نوع الـSoft interviews، بل وحتى يمكن وصفها بـPR interview، أو لقاء ترويجي دعائي وظّفَ من خلاله رئيس الوزراء المنصة الإعلامية لنقل رسائل بعينها مستهدفاً جمهوراً أساسياً (Primary Audience)، في الحالة هذه هو اليمين الصهيوني الذي يعبر عنه وينتمي إليه المقدم شارون غال النائب السابق في الكنيست، وصاحب العديد من المواقف الفاشية المتطرفة المشابهة لنهج أبرز وجوهه السياسية الحالية إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وقد سبقهم غال نيابياً في عام 2015 بالتحريض على القيادات العربية مثل حنين زعبي والدفع بمشروع قانون لإعدام الأسرى الفلسطينيين.

أما سموتريتش فقد سبقه خلال العام الماضي وقال في وثائقي بثته قناة arte الفرنسية، للصحافيين جيرون سيسكبن ونيتسان بيرلمان، بعنوان “وزير الفوضى”، إن حدود إسرائيل الكبرى”، تشمل أراضي في الأردن وسورية ولبنان والعراق ومصر وحتى في المملكة العربية السعودية، إلى جانب الاستيطان الواسع في الأراضي الفلسطينية، وهو في ذلك ينطلق من رؤية تفصلها دراسة منشورة على موقع مركز التوراة والأرض التابع لتيار وحزب الصهيونية الدينية الذي يرأسه، واعتمدت على نصوص من قبيل “لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ نَهْرِ الْفُرَاتِ” (التكوين 15:18)، وهذا أول وعد إلهي لإبراهيم بخصوص الأرض، ويُذكر فيها حد غربي واضح “نهر مصر”، وحد شرقي “نهر الفرات”، وإن كان معظم المفسرين اليهود حددوا “نهر مصر” بأنه وادي العريش (وليس نهر النيل) ويعبر عن ذلك “وَأَجْعَلُ تُخُمَكَ مِنْ بَحْرِ سُوفٍ (القلزم/البحر الأحمر) إِلَى بَحْرِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَمِنَ الْبَرِّيَّةِ إِلَى النَّهْرِ…” (الخروج 23:31) وهنا تتوسع الحدود وتُذكر مرة أخرى: “بحر سوف” جنوباً (ربما خليج العقبة أو منطقة سيناء)، “بحر الفلسطينيين” – البحر المتوسط (غرباً)، “البرية” – جنوباً أو شرقاً، و”النهر” – مجدداً نهر الفرات (أقصى الشرق)، بينما في سفر التثنية – الفصل 1 و11 – تم تطوير الفكرة “هَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكُمُ الأَرْضَ… مِنَ الْبَرِّيَّةِ وَهذَا اللُّبْنَانِ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ نَهْرِ الْفُرَاتِ” (التثنية 1:7) و”كُلُّ مَوْضِعٍ تَطَؤُهُ أَخْدَامُ أَرْجُلِكُمْ يَكُونُ لَكُمْ، مِنَ الْبَرِّيَّةِ وَاللُّبْنَانِ، وَمِنَ النَّهْرِ نَهْرِ الْفُرَاتِ إِلَى الْبَحْرِ الغَرْبِيِّ يَكُونُ تُخُمَكُمْ” (التثنية 11:24).

وبالاعتماد على التوراة، فإنها تصف الحدود المثالية للأرض الموعودة، ومرة أخرى يظهر نهر الفرات في الشرق، والبحر في الغرب، ولبنان في الشمال، كما يقول الحاخام شموئيل أرئيل وهو من أبرز قادة هذا التيار ويدرس في أكاديميات ما قبل الخدمة العسكرية “يشيفوت هسدير”، فهذه المناطق يجب شرعاً احتلالها كلها لأن النصوص الدينية حسب زعمه، تحدد الهدف الجغرافي النهائي الذي ينبغي الوصول إليه، وهي ترسم أولويات التوسع بحيث تسبق السيطرة على الأرض الموعودة أي مشروع لاحتلال أراضٍ خارجها.

التفاسير الدينية عديدة، لكن الأخطر منها هو أن أفكار الصهيونية الدينية انتقلت من هامش المجتمع الإسرائيلي إلى مركزه بفعل نشوء وانتشار المدارس الدينية القومية التي شكلت قوة دافعة وراءها والمرتبطة بصحوة مسيحانية قومية ذات طابع راديكالي، تجاوزت حدود التيار نفسه، لتؤثر بشكل غير مباشر على التصورات العامة داخل المجتمع الإسرائيلي، بفعل التماهي بين الدين والقومية لدى فئات واسعة من الجمهور كما يقول اليعيازر دون يحيى في دراسة “المسيانية والسياسة: التحول الأيديولوجي للصهيونية الدينية”.

مصرياً كيف نقرأ ما سبق؟ لا يوجد أفضل من العلامة والمفكر جمال حمدان، مؤلف الكتاب المرجعي “سيناء في الاستراتيجية والسياسة والجغرافيا”، إذ يحدد معالم الأمن القومي المصري شرق البلاد، قائلاً: “من يسيطر على فلسطين يهدد خط دفاع سيناء الأول، ومن يسيطر على خط دفاع سيناء الأوسط يتحكم فى سيناء، من يسيطر على سيناء يتحكم فى خط دفاع مصر الأخير، كان هناك دائماً عدو يشكك بطريقة ما في مصرية سيناء ويطمع فيها بصورة ما، بالضم، بالسلخ، بالعزل”، وقد أعلن العدو عن نيته السيطرة الكاملة على القطاع، وألغى حدود مصر مع غزة أو ما كان يعرف بمحور صلاح الدين (فيلادلفي) دونما اكتراث لمعاهدة السلام، أي أن خط الدفاع الأول عن سيناء في حكم الساقط، وكما تؤكد مصادر مطلعة على صلة بجولات المفاوضات، فقد رفضت إسرائيل أي نقاش بخصوص العودة إلى ما الحدود السابقة للسابع من أكتوبر/ تشرين الأول، كما تمددت في جنوب لبنان وداخل الأراضي السورية وبالتالي لم يعد أمامنا في ظل حالة العجز الرسمي الراهنة سوى الأمل في ألا تتمكن إسرائيل الصهيونية الدينية من سحق المقاومة فهي آخر الحصون للدفاع عن دمشق والقاهرة.

ويل للعرب من شر قد اقترب.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here