غضب قضاة مصريين بعد تخريج دفعة من الأكاديمية العسكرية

1
غضب قضاة مصريين بعد تخريج دفعة من الأكاديمية العسكرية
غضب قضاة مصريين بعد تخريج دفعة من الأكاديمية العسكرية

أفريقيا برس – مصر. شهدت الأوساط القضائية في مصر أخيراً حالة غضب واحتقان تُرجمت بتعليقات غاضبة من قبل قضاة مصريين على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك عقب تخريج دفعة جديدة من المعينين في النيابة العامة بعد استكمالهم دورة تأهيل عسكري بالأكاديمية العسكرية المصرية، استمرت ستة أشهر. شملت الدورة تدريبات على استخدام السلاح، ومهارات الاصطفاف، والرياضات العنيفة، إلى جانب محاضرات في الأمن القومي والشؤون الحربية.

تسبب مشهد تخريج الدفعة، في 24 يوليو/ تموز الماضي، الذي حضره وزير العدل، المستشار عدنان فنجري، والنائب العام، المستشار محمد شوقي عياد، في موجة غضب برزت على المجموعات الرسمية الخاصة بالقضاة على موقع فيسبوك، بعدما رأى كثيرون منهم أن هذه الدورات تمثل “انتهاكاً لاستقلال السلطة القضائية”، وتُحوّل القضاة إلى “عناصر أمنية”، وتضعهم في حالة تبعية رمزية ومعنوية للمنظومة العسكرية على حساب حيادهم ووقارهم.

شرط لا يقنع قضاة مصريين

يعود أصل هذه الموجة من الغضب إلى قرار أصدره مجلس الوزراء المصري بتاريخ 22 إبريل/ نيسان 2023، نص على استحداث شرط جديد وغير مسبوق للتعيين في جميع جهات وقطاعات وهيئات الدولة. الشرط هو حصول المعينين الجدد – بما في ذلك القضاة – على دورة تأهيل في الأكاديمية العسكرية بالقاهرة لمدة ستة أشهر. وهو شرط طُبق للمرة الأولى في ذلك العام، واستمر في التطبيق في عامي 2024 و2025. ورغم أن السلطات الحكومية لا تزال تصر على أن الهدف من هذا التأهيل هو “تعزيز الانضباط والوعي الأمني والانتماء الوطني”، فإن هذه التبريرات لم تُقنع قضاة مصريين كثيرين رأوا في الخطوة انتهاكاً لاستقلالهم المهني والرمزي، ومحاولة لإخضاع السلطة القضائية تدريجياً لهيمنة مؤسسات بعينها.

تهديد لاستقلالية القضاء

في هذا الصدد، اعتبر المستشار محمد ناجي دربالة، نائب رئيس محكمة النقض الأسبق وأحد أبرز رموز تيار استقلال القضاء في مصر، أن “الزج بالقضاة الجدد إلى دورات تأهيل عسكري ضمن شروط التعيين، يشكل إهانة مهنية وتاريخية لمنظومة القضاء المصري العريقة”. وتساءل: “هل نتصور أن من يؤهل للقيام بمسؤولية الفصل في دماء الناس وأموالهم وأعراضهم، يخضع لدورة إعداد عسكري تُنظم خارج أسوار القضاء؟”، مشدداً على أن “إعداد القضاة مسؤولية قضائية خالصة، ولا يجوز، لا قانوناً ولا أخلاقياً، أن تسند هذه المهمة إلى جهة تنفيذية أو أمنية مهما كانت طبيعتها”.

وحذّر دربالة من أن تمرير مثل هذه الاشتراطات على قضاة مصريين دون مقاومة من مجلس القضاء الأعلى أو الهيئات القضائية المعنية، “يُعد تفريطاً في استقلال القضاء”. وفي رأيه: “نحن أمام لحظة فارقة تستوجب موقفاً واضحاً من جميع القضاة الشرفاء”، معتبراً أن “الصمت هنا جريمة مهنية وتاريخية”. وتمثل الخطوة، وفق دربالة، “نقلة غير مسبوقة في مسار التدخل التنفيذي في الشأن القضائي منذ تأسيس القضاء الحديث في مصر عام 1883″، موضحاً أنه إذا استُكملت هذه الدورات وأُقر اجتيازها شرطاً لتعيين قضاة مصريين “فإن كل من يخضع لها يصبح موصوماً بخضوعه لمحتوى معرفي خارج المنظومة القضائية، وبالتالي تسقط عنه الأهلية الحقيقية لاستقلالية الحكم”.

أما رئيس مؤسسة دعم العدالة بالمركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة ناصر أمين، فوصف فرض دورات تدريبية عسكرية شرطاً للتعيين القضائي بأنه “جريمة” غير مسبوقة في حق السلطة القضائية، مشدداً على أن “ما يحدث حالياً يمثل أخطر تهديد لاستقلال القضاء منذ أكثر من سبعة عقود”. ويمثل اشتراط اجتياز هذه الدورات، وفق أمين، “مخالفة صريحة للدستور المصري، ولا سيما المواد 165 و166 و173، التي ترسخ مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء”، محذراً من أن “أي تدخل في تعيين أو تدريب أو تأهيل القضاة من قبل السلطة التنفيذية يُعد باطلاً دستورياً”.

من جانبه، رأى المحامي الحقوقي بالنقض والدستورية العليا، المستشار القانوني السابق لحركة استقلال جامعة عين شمس صالح حسب الله، أن “إقحام الأكاديمية العسكرية في عملية تأهيل القضاة يضرب في العمق المبادئ التي يقوم عليها القضاء المدني”. وأوضح أن “القضاء بطبيعته مدني مستقل، لا ينبغي أن يُربط بأي مرجعية أمنية أو عسكرية في بنيته أو تشكيله أو تأهيل أعضائه، لأن في ذلك إخلالاً مباشراً بمبدأ الحياد المفترض في القاضي”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here