تصاعد الفتور بين حفتر والقاهرة: قطيعة أم إعادة تموضع؟

2
تصاعد الفتور بين حفتر والقاهرة: قطيعة أم إعادة تموضع؟
تصاعد الفتور بين حفتر والقاهرة: قطيعة أم إعادة تموضع؟

أفريقيا برس – مصر. تجنّب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في زيارته موسكو للمشاركة في احتفالات الذكرى الـ80 لعيد النصر على النازية، عقد أي لقاء علني مع المشير خليفة حفتر رغم وجودهما المتزامن في العاصمة الروسية. وبحسب معلومات، تعمّدت القاهرة عدم ترتيب أي لقاء علني مباشر بين حفتر والسيسي، في مؤشر جديد على اتساع الهوة بين الطرفين، بعد سنوات من التنسيق العسكري والدعم السياسي شبه المطلق من مصر لحفتر.

وتفيد مصادر دبلوماسية مصرية مطلعة بأن آخر زيارة أجراها حفتر إلى القاهرة نهاية العام الماضي، والتقى فيها مسؤولين مصريين، في مقدمهم وزير المخابرات العامة اللواء عباس كامل. لكن اللقاءات في الفترة الأخيرة، وفق المصادر، اتّسمت بفتور واضح، في ظل تزايد الشكاوى المصرية من تحركات أحادية الجانب تقوم بها القيادة العامة للجيش الليبي، سواء في الإقليم أو على المستوى الدولي، من دون التنسيق مع القاهرة. وكان حفتر قد استقبل قبل أشهر مسؤولين عسكريين أميركيين، بينهم ضباط من القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، كما التقى نجله صدام حفتر مسؤولين فرنسيين وروساً، وأجرى زيارات غير معلنة إلى واشنطن وموسكو، ما أثار تحفظات مصرية واضحة. وتشير التقديرات إلى أن تلك التحركات تمت دون التشاور مع مصر، وهو ما اعتبرته القاهرة تجاوزاً لدورها التقليدي كراعٍ إقليمي للملف الليبي وفاعل أساسي في ترتيبات ما بعد الحرب.

التوتر بين القاهرة وبنغازي

وتمثّل أحد أبرز مصادر التوتر بين القاهرة وبنغازي في الموقف من الحرب الدائرة في السودان منذ 15 إبريل/ نيسان 2023. في حين دعمت مصر الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان باعتباره الممثل الشرعي للدولة السودانية، تم اتهام حفتر بلعب دور القناة الخلفية لمرور الدعم العسكري واللوجستي المقدم من الإمارات إلى قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). ووفق تقارير استخباراتية مسرّبة، ساهمت المناطق الخاضعة لسيطرة حفتر، خصوصاً عبر قاعدة الخادم الجوية في الجبل الأخضر، في عمليات الإمداد التي صبّت في مصلحة الدعم السريع، الأمر الذي اعتبرته القاهرة تحدياً مباشراً لموقفها الاستراتيجي في السودان، وخروجاً عن التوافق الأمني معها.

وقال مدير المركز الليبي للدراسات السياسية والاستراتيجية شريف عبد الله، إن “الملابسات الكاملة لزيارة كلٍّ من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والمشير خليفة حفتر إلى موسكو ما زالت غير واضحة، خصوصاً فيما يتعلق بإمكانية وجود لقاء بين الطرفين، سواء كان معلناً أو غير معلن. ولم يصدر أي تأكيد رسمي من الجانبين بشأن عقد اجتماع ثنائي، ما يرجّح أن اللقاء لم يتم، أو على الأقل لم يُرد له أن يظهر للعلن”. وتابع: “ما خفي قد يكون أعظم، لكن ما هو ظاهر يشير إلى فتور واضح، وربما قطيعة، في العلاقة بين الدولة المصرية والقيادة العامة للجيش الليبي بقيادة حفتر. هذا الخلاف ليس جديداً، وقد تفاقم في الأشهر الأخيرة نتيجة مواقف متباينة في ملفات إقليمية، أبرزها الحرب في السودان، حيث وقفت القاهرة إلى جانب الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، فيما لعبت مناطق نفوذ حفتر دور المعبر في تمرير الدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، في تحدٍ صريح للرؤية المصرية”.

وأشار عبد الله إلى أن التوتر تفاقم أيضاً بسبب “تحركات حفتر ونجله صدام في دوائر القرار الدولية، لا سيما زياراتهم الأخيرة إلى الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا، ولقاءاتهم مع قادة القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، وقادة من الأسطول السادس الأميركي في البحر المتوسط، وكل ذلك جرى بعيداً عن التنسيق مع القاهرة”. وختم: “ما نرصده من مؤشرات يشي بوجود خلاف سياسي واستراتيجي كبير بين القيادة العامة شرق ليبيا، والدولة المصرية، التي كانت في وقت ما تُعد الحليف الأبرز لحفتر. ويبدو أن الأخير بات يتصرف بشكل مستقل تماماً، دون الرجوع إلى الجهات المصرية المعنية بملف ليبيا، سواء في وزارة الخارجية أو في المخابرات العامة والعسكرية”.

كلفة دعم حفتر

ورأى مراقبون أنه من وجهة نظر القاهرة، فإن استمرار دعم حفتر على ذات الوتيرة بات يحمّلها كلفة سياسية متزايدة، لا سيما في ظل سعيها لعدم الانحياز الكامل لأي طرف ليبي، واحتفاظها بعلاقات منفتحة وإن متوترة مع حكومة طرابلس. في هذا السياق، فإن عدم ترتيب لقاء رسمي مع حفتر في موسكو قد يكون بمثابة رسالة سياسية هادئة لكنها صارمة، بأن الدعم السابق لم يعد مضموناً أو مجانياً. وحول إعادة تموضع القاهرة في الملف الليبي، تنظر مصر إلى ليبيا كفرصة استراتيجية لتعزيز التعاون الاقتصادي والاستفادة من مشروعات إعادة الإعمار وتشغيل العمالة المصرية. وتسعى القاهرة إلى توسيع نطاق التعاون مع الحكومة الليبية في طرابلس، خصوصاً في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر والحاجة إلى فتح أسواق جديدة للعمالة والمنتجات المصرية. كما تستهدف مصر مشاركة فعالة في مشروعات إعادة إعمار ليبيا، إذ تم توقيع اتفاقيات تعاون بين البلدين تشمل مجالات عدة، من بينها البنية التحتية والطاقة والنقل. كما تم تشكيل مجلس أعمال مصري ليبي مشترك لتعزيز التعاون الاقتصادي وتسهيل دخول الشركات المصرية إلى السوق الليبي.

وتقدر الجهات المختصة في مصر أن السوق الليبي قادر على استيعاب نحو مليون عامل مصري، خصوصاً في مجالات البناء والتشييد والخدمات. وتُعد هذه الخطوة فرصة لتقليل معدلات البطالة في مصر وزيادة تحويلات المصريين من الخارج، مما يسهم في دعم الاقتصاد المصري. ومن خلال هذه الاستراتيجية، تسعى القاهرة إلى تحقيق توازن بين مصالحها الاقتصادية والسياسية، وتعزيز دورها في دعم استقرار ليبيا، بما يعود بالنفع على البلدين.

المصدر: العربي الجديد

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here