الحرب الروسية الأوكرانية ترفع كلفة الخبز في مصر وأفريقيا

الحرب الروسية الأوكرانية ترفع كلفة الخبز في مصر وأفريقيا
الحرب الروسية الأوكرانية ترفع كلفة الخبز في مصر وأفريقيا

أفريقيا برس – مصر. منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، انتقلت الأزمة سريعاً من موانئ البحر الأسود إلى طوابير الخبز في أفريقيا، وعلى رأسها مصر، وخلقت هشاشة للغذاء في أفريقيا خلال السنوات الأربع الأخيرة من تطور “جبهة الغذاء” واستكشاف عواقبها على بعض أكبر بلدان العالم اعتماداً على الواردات.

وأوضح مركز الأبحاث الفرنسي في سياسات الزراعة والتجارة الغذائية “أغريكولتير ستراتيجي” (Agriculture Stratégies) كيف تحول القمح إلى عامل ضغط مباشر على ميزانيات الدول والأسر الفقيرة في القارة.

وأفاد بأنه عشية الحرب عام 2021، احتلت كل من روسيا وأوكرانيا موقعاً محورياً في التوازنات الجيواقتصادية الدولية، حيث شكلتا معاً ما يقرب من ربع صادرات القمح العالمية من حيث الحجم (13.6% و9.6% على التوالي). مشيراً إلى أنه في ما يخص أوكرانيا، في أعقاب استقلالها عن الاتحاد السوفييتي (1991)، أصبح القطاع الزراعي أحد محركات الانتعاش الاقتصادي للبلاد واندماجها في العولمة.

ونظراً إلى توجه الزراعة الأوكرانية بشكل كبير نحو التصدير، فقد شكلت 15% من الناتج المحلي الإجمالي الوطني و20% من فرص العمل قبل الحرب. وفي هذا الصدد، نقل المركز الفرنسي أن كييف احتلت مكانة محورية في التجارة الدولية للعديد من المنتجات الزراعية. وأما في ما يتعلق بالقمح على وجه الخصوص، تم تصدير أكثر من 70% من الإنتاج الأوكراني في عام 2020 خاصة إلى مصر وبقية دول شمال أفريقيا أو جنوب شرق آسيا.

التداعيات على مصر

وكشف في إصداره لعام 2025 الذي نشره أمس الأربعاء أن مصر التي تعتبر أكبر مستورد للقمح في العالم، كانت تحصل قبل الحرب الروسية الأوكرانية على نحو 80% من وارداتها من روسيا وأوكرانيا (حوالي 60% من روسيا و19% من أوكرانيا).

وأشار المركز إلى أن القمح ليس مجرد سلعة عادية في مصر، “فمنتجاته توفر قرابة 35% من السعرات الحرارية التي يستهلكها المصريون، في وقت يعيش فيه نحو ثلث الأسر تقريباً تحت خط الفقر”. محذراً من أن أي زيادة في أسعار القمح العالمية تتحول سريعاً إلى صداع مالي للدولة، وتهديد مباشر لقيمة الرغيف عند الأسر الفقيرة ومتوسطة الدخل.

وبحسب التقرير، فقد أدت صدمة الأسعار بعد 2022، وارتفاع كلفة الشحن والتأمين، إلى زيادة كبيرة في فاتورة استيراد القمح، في وقت تعاني فيه مصر أصلاً عجزاً في الميزان الخارجي وأزمة عملة. موضحاً أن “هذا الضغط المركب دفع الحكومة في يونيو/حزيران 2024، إلى رفع سعر الخبز البلدي (الرغيف) المدعم بنحو 300% تقريباً في أول زيادة من نوعها منذ عام 1989”.

وقال المركز إن “رفع سعر الخبز القرار لم يكن تقنياً فقط، بل مؤشر على أن الدولة لم تعد قادرة على تحمّل الفاتورة القديمة في ظل أسعار عالمية جديدة”. موضحاً أن “نقل ملف استيراد القمح العام لاحقاً من هيئة السلع التموينية إلى كيان جديد (مستقبل مصر) الخاضع للقوات الجوية”، في إشارة إلى تحويل “ملف الخبز” إلى قضية أمن قومي تُدار في نطاق أكثر انغلاقاً داخل الدولة، “يعكس حساسية الملف”.

أفريقيا في قلب عاصفة الحبوب

وعلى مستوى القارة، أظهر التقرير أن أفريقيا كلّها أصبحت في قلب العاصفة الغذائية. “فشمال أفريقيا هو أكبر إقليم مستورد للقمح في العالم، وتعتمد دوله على الخبز المدعم أداةً أساسية لحماية الاستقرار الاجتماعي، ما يعني أن أي ارتفاع في الأسعار العالمية يضغط مباشرة على الموازنات العامة”. في المقابل، تعاني العديد من دول أفريقيا جنوب الصحراء صدمة مزدوجة، تراوح ما بين غلاء الحبوب المستوردة من جهة، وارتفاع حاد في أسعار الأسمدة والوقود من جهة أخرى.

وأوضح التقرير أن روسيا وبيلاروسيا تسيطران على نحو 37% من تجارة “البوتاس” في العالم، وهو عنصر أساسي في صناعة الأسمدة. مع الحرب والعقوبات واضطراب سلاسل الإمداد، قفزت أسعار الأسمدة في القارة، واضطرت حكومات كثيرة إلى تقليص الدعم أو رفع الأسعار للمزارعين. وسجل التقرير أنه في نيجيريا مثلاً ارتفعت أسعار اليوريا (مركب كيميائي له استخدامات زراعية) بأكثر من 20% عام 2022، بينما تضاعف سعر الديزل تقريباً ثلاث مرات بين 2022 و2024، ما رفع كلفة النقل والري والتخزين. والنتيجة كانت “تضخماً غذائياً تجاوز 38% في 2024، مع زيادة تقدر بحوالي 30% في سعر الخبز خلال عام 2022 وحده”، في بلد يعتمد على استيراد أغلب احتياجاته من القمح، ويخصّص مليارات الدولارات سنوياً لاستيراده إلى جانب الوقود المكرر.

كما أشار التقرير إلى أن دول شرق أفريقيا واجهت وضعاً مشابهاً من جهة المستهلك النهائي، إذ ارتفعت كلفة سلة الغذاء الأساسية بنحو 22% بين يناير/كانون الثاني ومايو/أيار 2022، وبأكثر من 50% مقارنة بالعام السابق، وهو ما انعكس في زيادة أسعار الحبوب والزيوت والوقود في أسواق التجزئة، ورفع نسبة الأسر التي تنفق الجزء الأكبر من دخلها على الطعام.

وقال المركز إن الكرملين واصل استراتيجيته في تسليح السلع الزراعية، ولا سيما من خلال الاستهداف المنهجي للبنية التحتية للتصدير في أوكرانيا. في هذا السياق، أصبحت أفريقيا، التي تعتمد بشكل كبير على واردات الحبوب الروسية والأوكرانية وتواجه تزايداً في انعدام الأمن الغذائي، ميداناً للتنافس الدبلوماسي والغذائي.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here