عادل صبري
أفريقيا برس – مصر. وسط مطالب واسعة للمستثمرين في مصر بخفض سعر الفائدة لإخراج الاقتصاد من حالة الركود المزمن، يظل قرار لجنة السياسات النقدية التي تجتمع الخميس المقبل معلقًا على حبل مشدود بين أرقام متفائلة حول تحسن اقتصادي تستلزم الاتجاه نحو خفض كبير للفائدة، وأخرى متحفظة بسبب استمرار الأسباب ذاتها التي تحافظ مستويات التضخم المرتفعة، بما يؤثر بشدة على المستهلكين ومجتمع المال والأعمال.
وكشف تقرير البنك المركزي حول السياسة النقدية للربع الثاني عن عدم وضوح الرؤية أمام لجنة السياسات النقدية للاتجاه نحو خفض الفائدة، في ظل عدم انتهاء المعركة مع التضخم رغم تراجعه مؤخرًا. يرى المركزي في تقريره أن الاقتصاد بحاجة إلى تحولات هيكلية وتنسيق قوي مع السياسات المالية والقطاع الإنتاجي الحقيقي، لضمان التوازن الدقيق بين التضخم والنمو.
يرى خبراء اقتصاد أن الأزمة المالية، وعدم كفاءة الأداء الحكومي، واستمرار العدوان الإسرائيلي على غزة وتسببه بحالة الاضطراب الجيوسياسي، بالتزامن مع الحرب التجارية التي يشنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ستفرض على البنك المركزي أن يسير على حبل مشدود بين معدلات التضخم والفائدة، بما يحول دون توجهه إلى التيسير النقدي بالسرعة التي ينتظرها المستثمرون وسوق المال.
أكدت مصادر اقتصادية لـ”العربي الجديد” أن المركزي تلقى تحذيرًا من صندوق النقد الدولي، من أن الأموال الساخنة قد تغادر السوق المصري فور اتخاذ قرار بخفض كبير في أسعار الفائدة، وأنه في حالة التوجه إلى التيسير النقدي فإن أقصى تخفيض محتمل قد لا يتجاوز 200 نقطة أساس. من ناحية أخرى، يتوقع محللون في عدة بنوك رئيسية أن يتجه البنك المركزي إلى خفض سعر الفائدة بنحو 300 نقطة أساس (3%) في اجتماع لجنة السياسة النقدية يوم الخميس الأخير من الشهر الحالي، مدفوعًا برغبة واضحة من البنك المركزي بالاتجاه نحو التيسير النقدي، واستقرار الجنيه وتدفق العملة الصعبة، وسط التباطؤ الواضح بالتضخم، واستجابة الأسواق وتوجه بعض البنوك المركزية بالمنطقة، نحو خفض الفائدة.
تضارب حول خفض الفائدة
تأتي الأنباء المتضاربة حول توقعات خفض سعر الفائدة وسط تطلع المستثمرين المصريين إلى خفض أكبر لسعر الفائدة يتماشى مع معدلات التضخم المرتفعة، التي انخفضت في يوليو 2025 إلى 13.9% بالمناطق الحضرية مقابل 14.9% في يونيو الماضي، بينما سجل التضخم الأساسي ارتفاعًا من 11.4% في يونيو إلى 11.6% في يوليو 2025. يحذر تقرير البنك المركزي من التوجه نحو التيسير النقدي، رغم تراجع أسعار الفائدة بسرعة في شهري إبريل/نيسان ومايو/ أيار 2025، بمعدل تراكمي 325 نقطة أساس والتي توقفت في شهر يوليو الماضي، ليبقى سعر العائد عند 24% للإيداع و25% للإقراض و24.25% لسعر العملية الرئيسية، مبديًا مخاوفه من عودة الضغوط على الجنيه مع موجات تضخمية جديدة، مدفوعة بارتفاع أسعار بعض الخدمات المحلية واستمرار التوترات الجيوسياسية.
يؤكد المركزي في تقريره الفصلي أن استمرار خفض الفائدة سيعتمد على توازن دقيق بين دعم النمو والسيطرة على التضخم، خاصة مع بوادر اتساع في فجوة الناتج المحلي، مما قد يؤدي إلى تجدد الضغوط السعرية إذا تسارع النمو دون إنتاجية مقابلة. لفت تقرير المركزي إلى استمرار تأثير بعض العوامل السلبية، مثل تراجع إيرادات قناة السويس بنسبة 54.1% خلال النصف الأول من العام 2024-2025، نتيجة الاضطرابات في البحر الأحمر وانخفاض عدد السفن العابرة بنسبة 44.8%، منوهًا إلى أنها ضغوط تبطئ وتيرة التعافي في الإيرادات الدولارية.
يخفي التقرير بين سطوره إشارات واضحة على أن البنك المركزي لن يتسرع في خفض جديد للفائدة، ما لم يتيقن من استمرار الاتجاه النزولي للتضخم وتوازن النمو دون مخاطر، بما يشير إلى توافقه مع سياسات البنوك المركزية الكبرى التي تبنت مواقف حذرة خلال الأشهر الماضية، في ظل استمرار غموض الأسواق العالمية وتباطؤ حركة التجارة الدولية. يشير التقرير إلى أن الطريق نحو الاستقرار الكامل لا يزال طويلًا، ولأنه لا يمكن الاعتماد فقط على أدوات السياسة النقدية دون إصلاحات هيكلية بقطاعات التعليم والصحة والإنتاج المحلي والناتج الوطني الإجمالي.
يتوقع الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب في حديث مع “العربي الجديد” أن يحافظ البنك المركزي على معدل الفائدة الحالي، أو تخفيضها في حدود 100 نقطة في اجتماع لجنة السياسات النقدية يوم 28 أغسطس، على ألا تتراجع عن 200 نقطة مع الربع الأخير من العام، لاستمرار معاناة المواطنين من مستويات الأسعار المرتفعة، ومواجهة القطاع الخاص صعوبة في التوسع وسط منافسة غير عادلة مع كيانات تابعة للدولة تبقيه في منطقة الركود، ومواجهة تحديات هيكلية قائمة تضعف إنتاجيته دون حلول جذرية مع تغييب القاعدة الصناعية القوية، بما يحول دون نمو قوي وسريع للاقتصاد الحقيقي، وتبقيه معتمدًا بشكل مفرط على الواردات.
أداء الاقتصاد
يؤكد الخبير الاقتصادي أن البنك المركزي قدم صورة شديدة التفاؤل حول أداء الاقتصاد الكلي، فيما وصفه بـ”إنجازات غير مسبوقة” على مستوى الاحتياطات النقدية والسيطرة على التضخم وسعر الفائدة.
وعلى الرغم من أن هذه الرواية انسجمت مع خطاب الحكومة حول اجتياز الأزمة الاقتصادية، إلا أن قراءة معمقة تكشف عن فجوة واسعة بين الأرقام الرسمية والواقع الفعلي الذي يعيشه الاقتصاد المصري. إذ يروج البنك لإنجازات بأرقام جميلة “دفترية” أكثر من كونها تحولات عميقة في البنية الاقتصادية، فالاحتياطات النقدية قد تكون كبيرة، لكنها غير مستقرة، والتضخم يتراجع على الورق ولا يخفف العبء عن المستهلك، والاستثمارات تتدفق بالأرقام، ولكنها ليست استثمارات تولد فرص عمل وتبني قدرات وطنية حقيقية.
يوضح عبد المطلب في حديثه لـ”العربي الجديد” أن البنك المركزي يستند في ترويجه لنجاحاته إلى ارتفاع الاحتياطي النقدي مؤخرًا إلى مستويات 49.04 مليار دولار، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ مصر، ووفقًا للبيانات الرسمية فإن هذه الاحتياطات تمثل تقريبًا ضعف ما كان متاحًا قبل ثلاث سنوات، بما يعكس – وفقًا للرواية الرسمية – تحسنًا ملحوظًا في قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها الخارجية.
يبين الخبير الاقتصادي أن خلف هذا الرقم اللامع يكمن واقع آخر، وهو أن ما يقارب 40 مليار دولار من هذه الاحتياطيات تمثل قيمة “الأموال الساخنة” أي استثمارات قصيرة الأجل في أدوات الدين الحكومية، سرعان ما تغادر البلاد عند أي هزة في الأسواق العالمية أو الإقليمية. وهذا يعني أن الاحتياطي النقدي وإن بدا ضخمًا على الورق إلا أنه هش بطبيعته ومعرض للتبخر في أي لحظة من لحظات التوتر المالي.
يذكر عبد المطلب النقطة التي يفتخر بها البنك المركزي وهي السيطرة على التضخم، إذ تشير بياناته إلى أن المعدلات انخفضت من ذروة 20%-25% في الأعوام السابقة إلى حدود 15-16%.
وبالنسبة للبنك المركزي فإن ذلك يعد نجاحًا باهرًا في ظل الأوضاع العالمية المضطربة وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، بينما هذا التراجع في التضخم لا يعكس بالضرورة تحسنًا في مستويات الأسعار. فالمركزي، وفقًا للخبير، اعتمد على “سنة أساس جديدة” في حساباته بما سمح بإظهار معدلات تضخم أقل نسبيًا عند المقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وبمعنى آخر، فإن الانخفاض الظاهري يعود جزئيًا إلى أسلوب القياس وليس إلى تحسن هيكلي في الاقتصاد فقط. ومن هنا نرى أن التضخم في مصر ما زال مزمنًا، وأن التخفيف النسبي في معدلاته لا يعني أن الأسعار قد عادت إلى مستويات معقولة أو مقبولة للمستهلك المصري. يذكر الخبير الاقتصادي أن التفاؤل بوصول أموال ضخمة في شكل تدفقات استثمارية إلى السوق المصرية، التي يروج لها البنك المركزي، لا تمثل استثمارات جديدة في الصناعة أو الإنتاج، بل أقرب إلى “صفقات بيع أصول”.
ومن أبرزها ما جرى في رأس الحكمة، إذ جرى تخصيص مساحات شاسعة من الأراضي في إطار تسويات مرتبطة بالديون. وبالنسبة للبنك المركزي فإنها تمثل “تدفقات استثمارية” تحسن ميزان المدفوعات، لكنها في جوهرها مجرد نقل ملكيات من الدولة لأطراف أخرى، مقابل تخفيف جزء من الديون، وهو ما لا يُبنى عليه اقتصاد منتج أو مستدام.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس