عادل صبري
أفريقيا برس – مصر. بين ضغوط استيراد الغاز من تل أبيب وزيادة أعباء تكلفة الغاز المسال الوارد من واشنطن، تبحث مصر عن مخرج آمن من فخ الغاز الإسرائيلي-الأميركي، عبر دراسة الشراء من دولة قطر والسوق الفورية، بعد أن باتت على حافة معادلة صعبة.
فهي تحتاج إلى الغاز الإسرائيلي الذي يؤمن لها سدس احتياجاتها المحلية واستقرار الكهرباء يومياً، ويشغل مصنعي الإسالة شمال دلتا النيل، اللذين يأتيان بموارد كبيرة من الدولارات، وفي الوقت نفسه يجنبها الوقوع تحت قبضة موردي الغاز أو الدخول في التزامات مالية طويلة الأجل، ترفع كلفة الدين الخارجي الذي فاق 161 مليار دولار الشهر الماضي.
صعدت تل أبيب من ضغوطها على القاهرة، برفض الشركة الإسرائيلية “نيوميد” والأميركية “شيفرون”، المالكة لآبار حقل “ليفياثان” الواقع شرق ميناء العريش بالبحر المتوسط، مطلع الأسبوع الجاري، رفع الطاقة الإنتاجية للخط، وبدء تنفيذ اتفاقية الغاز العملاقة الموقعة بين الطرفين في يوليو/ تموز الماضي، بقيمة 35 مليار دولار، والتي تقضي بزيادة إجمالي الكميات الموردة لمصر بنحو 4.6 تريليونات قدم مكعبة حتى عام 2040. غير أن الأجواء السياسية في تل أبيب وتصاعد التوتر في العلاقات مع القاهرة، تجعلان مستقبل الاتفاق غير مضمون العواقب حتى الآن.
حسب بيانات رسمية من وزارة البترول المصرية والشركة الوطنية للغاز “إيجاس”، ارتفعت واردات الغاز الإسرائيلي من 750 مليون قدم مكعبة يومياً، إلى 1.1 مليار قدم مكعبة يومياً، اعتباراً من منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لتصل إلى الحدود القصوى المتفق عليها، في اتفاقية استيراد الغاز الموقعة عام 2019، والمعدلة عامي 2020 و2022، دون أن يمتد أثرها للاتفاق الجديد المبرم العام الجاري، والمؤجل تنفيذه بقرار من رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو حتى 31 ديسمبر/ كانون الأول 2025.
ألاعيب سياسية
حسب تقارير “ميس” المتخصصة في تتبع صفقات النفط والغاز بشرق المتوسط، وصحيفة “غلوبس” الاقتصادية الإسرائيلية، فإن إسرائيل تبحث عن رفع أسعار التصدير لمصر، واستغلال نسبة الزيادة في دعم المحروقات محلياً. بينما تؤكد مصادر رسمية أن الاتفاق تضمن بالفعل زيادة تفوق 25% من قيمة التوريد، قبل يوليو/ تموز الماضي، ليرتفع متوسط السعر من 5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية إلى 7.6 دولارات، طوال مدة التوريد، ليتناسب مع متوسط الأسعار العالمية السائدة، لصفقات توريد الغاز الطبيعي حتى نهاية 2026.
وصف خبير البترول والقيادي السابق بوزارة البترول المصرية سمير القرعيش ضغوط نتنياهو بأنها “ألاعيب سياسية، يستهدف بها تحويل قضية الغاز إلى ورقة شعبية، تساعده في النجاة من المحاكمة الداخلية، ومناكفة مصر حول تسعير الغاز، الذي جرى رفعه بالفعل منتصف الصيف الماضي”.
أضاف القرعيش أن توسع نتنياهو في استخدام الغاز ورقة ضغط سياسية وأمنية، اضطر مصر إلى توسيع استيراد الغاز المسال، الذي يأتي معظمه من الولايات المتحدة، رغم التكلفة الدولارية الضخمة عن الغاز الطبيعي، منوهاً إلى تزامن تلك الضغوط مع زيادة احتياجات الدولة من الغاز لتغطية السوق المحلية.
يؤكد خبراء طاقة سهولة حصول مصر على الغاز المسال من الأسواق الدولية وعلى رأسها غاز قطر من الدوحة، رغم تركز صفقاتها على عقود طويلة الأجل، التي لا تناسب رغبة مصر في مرونة أكبر في الدفع، وذلك في عام يشهد ضغوطاً مالية حادة، منوهين إلى أن توسع القاهرة في الشراء من السوق الفورية يعني التعرض لتقلبات الأسعار العالمية، التي تراوحت ما بين 11- 14 دولاراً للمليون وحدة حرارية بريطانية، بتكلفة تزيد عن المشترى من إسرائيل بنحو الضعف، ويعطل العمل بمصنعي الإسالة بمدينتي دمياط وإدكو ذات التكلفة الاستثمارية الهائلة، والتي تمكن مصر من إعادة تصدير الغاز الإسرائيلي بعد تسييله لأوروبا، وتحقيق هامش ربح جيد من عوائد البيع.
تشير تقديرات الشركة الوطنية للغاز التابعة لوزارة البترول، إلى حاجة البلاد إلى ما بين 120 إلى 125 شحنة غاز مسال (LNG) خلال عام 2026، في حين تعجلت وصول 20 شحنة إضافية قبل نهاية العام الجاري عبر مناقصات قصيرة الأجل.
واشنطن أصبحت أكبر مورد
تظهر بيانات وزارة الطاقة الأميركية، أن واشنطن أصبحت أكبر مورد للغاز المسال لمصر، بعد أن شكل الغاز الأميركي نحو 50% من الواردات المصرية، خلال العام المالي 2024/ 2025، مما جعل القاهرة ثاني أكبر مستورد للغاز المسال في العالم، بعد الاتحاد الأوروبي، حيث تستورد حالياً ما بين 3-4 ملايين طن سنوياً من منشآت التسييل الأميركية في لويزيانا وتكساس.
يتزامن توسع واشنطن في إمداد مصر بالغاز مع سياسة أميركية أوسع تستهدف فرض هيمنة طويلة المدى على أسواق الطاقة، اقترنت بالعقوبات الجديدة على فنزويلا والتضييق على صادرات الغاز الروسية والحد من قدرة إيران على بيع النفط، وسعيها إلى تحويل فائض إنتاجها من الغاز الصخري إلى أداة جيو-سياسية.
تشير بيانات وزارة الطاقة الأميركية إلى أن الولايات المتحدة ستصبح بحلول عام 2026 أكبر مصدر للغاز المسال في العالم، بقدرات تتجاوز 190 مليار متر مكعب سنوياً، بما يمنحها وزناً أكثر ثقلاً واستراتيجياً في علاقاتها مع أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، كما ستصبح المورد الأول للغاز في مصر للعام التالي على التوالي.
وفقاً لبيانات وزارة الطاقة الأميركية، التزمت واشنطن، بتقديم ضمانات بنكية بقيمة 4 مليارات دولار، عام 2026، تضمن تسهيلات مالية للشركات الأميركية التي تساعد مصر في مشروعات الطاقة والاستثمارات الاستراتيجية، ضمن صفقة تديرها مجموعة “هارتري بارتنرز” تصل قيمتها إلى 10 مليارات دولار في منطقة البحر المتوسط حتى عام 2027.
وفقاً لخبراء فإن الصراع الأميركي مع فنزويلا ورغبة واشنطن في منع روسيا وإيران من “التوغل” في العلاقات مع دول البحر المتوسط، لهما تأثير غير مباشر على قضية الغاز في مصر، حيث تسعى واشنطن إلى تعزيز دورها مصدراً بديلا للطاقة بدلاً من الأطراف الثلاثة، وتوفير التسهيلات المالية التي تغنيها عن اللجوء إلى مصادر رخيصة. ومع كون أوروبا ما زالت تبحث عن بديل نهائي للغاز الروسي، تتجه واشنطن لاستغلال كل فراغ جيوسياسي لتوسيع دورها، ما يجعل مصر جزءاً من معادلة أكبر بكثير من مجرد صفقة تجارية.
دفع إسرائل لتنفيذ الاتفاق
يؤكد خبير التمويل والاستثمار رشاد عبده أن الولايات المتحدة، تبدي اهتمامها الكبير بدفع إسرائيل لتنفيذ اتفاق الغاز مع مصر، باعتبارها مالكة لشركة “شيفرون” التي تحملت معظم استثمارات حقل “ليفياثان”، وتسعى إلى ضمان العائد على الاستثمار الذي لا يمكن تحقيقه، سوى ببيع الغاز لمصر حالياً، عبر شبكات الغاز البحرية والأرضية المرتبطة بمصر، بالإضافة إلى ضمان تصدير الغاز المسال لحلفائها في أوروبا للابتعاد عن الغاز الروسي.
وأضاف أن إعلان حكومة السودان مؤخراً عن رغبتها في منح روسيا قاعدتين عسكريتين في البحر الأحمر وامتياز البحث عن الغاز والبترول في السودان، يعزز من أهمية الدور المصري في الحفاظ على مصادر الطاقة، لتحقيق الاستقرار السياسي لمصر، لتظل شريكاً قوياً داعماً للاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط والبحر الأحمر.
وأشار عبده إلى أنه رغم حرص الرئيس الأميركي ترامب على زيادة إنتاج بلاده من الغاز، والهيمنة على سوق النفط العالمي، فإنه يدرك ضرورة توافر مصادر طاقة بديلة لحلفائه الأوروبيين، من شرق المتوسط، لتأمين الإمدادات الرخيصة والعاجلة، التي تغنيهم عن الغاز الروسي.
وأشار إلى أنه رغم دعم البيت الأبيض للسياسات الإسرائيلية، بغض النظر عن من يسكن داخله، سواء ترامب حالياً أو بايدن، فإن الولايات المتحدة حريصة على الضغط على إسرائيل لدفعها إلى تأمين احتياجات مصر من الغاز الإسرائيلي، مع دعم الاتفاقات التي تجري حالياً على استيراد الغاز القبرصي وتأمين اتفاقات استخراج الغاز بالمتوسط، والتي ما زالت معلقة بين مصر وتركيا وليبيا، ومنح كافة الأطراف مخططات الكشف عن الغاز التي بحثتها الشركات الأميركية، لتيسير المصالح التي تهم حلفائها بكل من مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي.
يشير عبده إلى أن نظر الأميركيين إلى أهمية دور مصر الإقليمي، في تأمين سلاسل الإمداد وقناة السويس، يظل أمراً تنفرد به القاهرة عن غيرها من حلفاء واشنطن، مما يجعلها أكثر حرصاً على دعم مصر اقتصادياً لتمارس هذا الدور وتحقق ما تراه مهماً لتحقيق مصالحها، ويوفر لها الاستثمارات اللازمة لمشروعات الطاقة التي تعد عصب الحياة، وكذلك التي تضمن زيادة الإنتاج الصناعي والزراعي والصادرات، بما يجعلها أكثر استقراراً اقتصادياً واجتماعياً، وبما يحقق مكاسب للمصريين والأهداف الأميركية، بعيدة المدى.
يشير الخبراء إلى أن بقاء مصر رهينة للغاز الإسرائيلي والأميركي، سيظل معلقاً بقدرتها على التوصل إلى تسعير مناسب وكميات طويلة الأجل من الغاز القطري، مع مراقبة الأسعار التي تميل إلى الانخفاض بعد عام 2026، وفقاً لتقديرات منظمة الطاقة الدولية، ورفع الإنتاج المحلي، والمقدر بنحو 250 مليون قدم يومياً عام 2026، وترشيد استهلاك الطاقة في محطات توليد الكهرباء والاستخدامات المختلفة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس





