إيجارات مصر… ارتفاعات قياسية تستنزف الدخل المحدود

4
إيجارات مصر... ارتفاعات قياسية تستنزف الدخل المحدود
إيجارات مصر... ارتفاعات قياسية تستنزف الدخل المحدود

أحمد عبده

أفريقيا برس – مصر. تصاعدت الشكاوى في محافظة الإسكندرية شمالي مصر، من ارتفاع غير مسبوق لإيجارات الشقق السكنية بالتزامن مع دخول فصل الصيف وتوافد المصطافين، فضلاً عن ارتفاع الطلب بسبب تزايد أعداد السودانيين الفارين إلى مصر، في حين يؤكد خبراء ووسطاء عقاريون أن ارتفاع قيمة الدولار الأميركي في مقابل الجنيه المصري، وزيادة معدلات التضخم؛ إضافة إلى تراجع حركة البناء بالمحافظة الساحلية نتيجة شروط البناء الجديدة، من بين الأسباب التي فاقمت الأزمة، ودفعت أصحاب الوحدات السكنية إلى المبالغة في تقدير قيمة الإيجار، مع ارتفاع أسعار العقارات بشكل عام.

وبحسب وسطاء عقارات بالإسكندرية، فقد شهدت إيجارات الشقق السكنية ارتفاعاً قياسياً بسبب الطلب غير المسبوق في مختلف الأحياء، ووصلت الزيادة في بعض المناطق إلى الضعف، في حين تقدر نسب ارتفاع الإيجار اليومي بـ 50 في المائة، الأمر الذي يتسبب في صعوبات كبيرة خلال البحث عن مسكن بإيجار يتناسب مع معدلات الرواتب، ما يهدد استقرار عشرات آلاف الأسر.

وأظهرت جولة ميدانية تزامنت مع مراجعة الإعلانات المنشورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن قيمة إيجار شقة مكونة من غرفتين تبدأ من 4 إلى 7 آلاف جنيه شهرياً، وأكثر من 10 آلاف جنيه (325 دولارا تقريباً) للشقة المكونة من ثلاث غرف، فيما تتراوح إيجارات الشقق ذات المساحات الواسعة بين 20 و35 ألف جنيه حسب موقعها، وتتباين أسعار الإيجار اليومي للشقق المفروشة بين 800 و3000 جنيه حسب مساحة وتجهيز الشقة، وقربها من شاطئ البحر.

يقف المحاسب الأربعيني أسامة عمر، في أحد شوارع الإسكندرية، ينظر بحسرة إلى البيوت المحيطة، فعلى الرغم من وجود ملايين الشقق في ثاني أكبر مدن مصر، إلا أنه لا يجد شقة صغيرة يجمع فيها شتات أسرته منذ قرر صاحب العقار الذي كان يقطن فيه عدم تجديد عقد الإيجار إلا بضعف القيمة التي كان يدفعها في السابق، بينما هو لا يستطيع فعل ذلك لأن قيمة الإيجار الجديد تقارب إجمالي راتبه الشهري.

يقول عمر إنه بعد عدة جولات ميدانية، والتواصل مع عشرات الوسطاء، اكتشف أن إيجارات جميع الشقق السكنية تضاعفت، الأمر الذي دفعه إلى البحث في مناطق بعيدة عن مركز المدينة، أو عشوائية. لم تفلح محاولاته إلا مع تقليص عدد الغرف، ليعثر على شقة يمكنه دفع إيجارها، لكنها في مكان بعيد عن مقر عمله وعن مدارس أبنائه.

قيمة إيجارات المساكن تضاعفت عدة مرات خلال الأعوام الأخيرة

ويؤكد السيد حسن، وهو صاحب مكتب لنقل البضائع، 51 سنة، أن الإيجارات تضاعفت عدة مرات مقارنة بالأعوام السابقة، وأرجع الأمر إلى جشع ملاك العقارات؛ واستغلال الوسطاء للموجة الأخيرة من السودانيين. يضيف: “أعيش في شقق بالإيجار منذ تزوجت قبل 15 عاماً، أتنقل من شقة إلى أخرى، وكان المؤجر يرفع القيمة بنسبة تدور حول 10 في المائة سنوياً، لكن المالك الأخير، ومن دون سابق إنذار، طلب مني تسليم الشقة بزعم احتياجه لها، ولم تفلح معه جميع محاولاتي للتجديد، ثم اكتشفت أنه اتفق مع سمسار عقارات بالمنطقة على تأجير الشقة للمصطافين، أو لأسر سودانية بأضعاف ما أدفعه، وعندما واجهته تعلل بارتفاع الأسعار بشكل عام، وأنه يحاول مجاراة قيمة الإيجارات في المنطقة”.

بدورها تقول اللاجئة السودانية خديجة محمد (36 سنة)، إنها تمكنت بصعوبة من العثور على شقة بسيطة مناسبة لأسرتها بعد أن تملكها الإحباط من ارتفاع الإيجارات المبالغ فيه، والتي كانت بشهادة السمسار، تفوق ضِعف أو ضعفي المعتاد في الإيجارات لشقق صغيرة مفروشة بمستوى متواضع.

وأضافت: “وصلت إلى محافظة الإسكندرية قبل شهر تقريباً قادمة من السودان برفقة 3 من أبنائي، وتخلف زوجي بسبب شرط الحصول على تأشيرة للذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و49 سنة، لكني صُدمت عندما سمعت من السماسرة أرقام إيجارات الوحدات السكنية، فما أملكه لا يؤمن لي سوى أشهر معدودة على أقصى تقدير، خاصة وأن السمسار يريد الحصول على قيمة إيجار شهر نظير جهوده”.

وتطالب المصرية سميرة عبيد، وهي ربة منزل خمسينية، بضرورة تدخل الحكومة للسيطرة على ارتفاع الأرقام، والحدّ من التسعير العشوائي للإيجارات الذي لا يتناسب مع مستوى أجور ومعاشات التقاعد التي تحصل عليها الغالبية العظمي من المصريين.

وتشير إلى وجود صعوبات عدة يواجهها المستأجر حالياً، من بينها الاشتراطات الجديدة التي وصفتها بأنها “ظالمة”، والتي بات يطلبها أصحاب العقارات قبل الموافقة على التأجير، إلى جانب الإيجار يطلبون دفع مبلغ تأمين بقيمة تصل إلى أكثر من شهري إيجار، بخلاف الاستعلام عن راتب ووظيفة المستأجر.

في المقابل، يبدي الوسيط العقاري محمد حمودة امتعاضه من أوضاع السوق العقاري الحالية، قائلاً: “عادة ما يشهد سوق العقارات إقبالاً ورواجاً كل عام مع دخول فصل الصيف، خاصة في شقق الإيجار، سواء تلك التي يتم استئجارها لمدة طويلة، أو الشقق المفروشة ذات فترات الإيجار القصير للمصطافين. حالياً، تشهد إيجارات الشقق السكنية في مختلف أحياء ومناطق الإسكندرية ارتفاعاً قياسياً بنسبة تصل إلى 100 في المائة في الإيجار الشهري، ونحو 50 في المائة للإيجار اليومي بسبب الطلب غير المسبوق على الشقق، لكن هذا الأمر يتسبب في صعوبات كبيرة للأهالي الذين يبحثون عن مسكن مناسب”.

تراجع حركة البناء نتيجة القيود الجديدة أحد أسباب تفاقم الأزمة

ويتابع حمودة: “الوسطاء العقاريون هم أكثر المتضررين من الأوضاع الحالية، فعملنا هو توفير الوحدات السكنية للمستأجرين، لكنها لم تعد متوفرة كما كان الأمر في السابق، والمتوفر حالياً يشهد مبالغة كبيرة الشديدة في تقييم الإيجار نتيجة نقص المعروض، ومع تزايد الطلب من قبل الإخوة السودانيين تفاقمت الأزمة”.

بدوره، يقول رئيس شعبة الاستثمار العقاري في الغرفة التجارية بالإسكندرية، علاء بسيوني، إن “قطاع التشييد يواجه تحديات كبيرة نتيجة موجة التضخم التي تؤثر على كل الأسعار بسبب الظروف الداخلية والخارجية، وتعويم الجنيه أمام الدولار، وكل ذلك تسبب في زيادات مستمرة في أسعار مواد البناء، والمواد الإنشائية، وعدم توافرها، وبالتالي ارتفاع تكلفة الإنشاءات، وأنتج هذا الوضع ارتفاعاً كبيراً في أسعار العقارات، ما يؤدي بالتبعية إلى ارتفاع قيمة إيجارات الشقق”.

ويؤكد بسيوني تراجع حركة التشييد في محافظة الإسكندرية بسبب اشتراطات البناء الجديدة، والتشدد في منح التراخيص بعد التعديلات القانونية الأخيرة، وهو ما تسبب في توقف عدد من أصحاب الشركات العقارية والمقاولين عن العمل لشعورهم بعدم جدوى علمهم، أو خشية عدم تحقيق أرباح. يضيف: “السوق محكوم بالعرض والطلب في ظل الاقتصاد الحر، وما يحدث طبيعي في ظل زيادة الطلب، سواء كان نتيجة استقبال الإخوة السودانيين أو غير ذلك، وأتوقع أن ترتفع أسعار العقارات مجدداً خلال الفترة المقبلة بنسبة لن تقل عن 50 في المائة”.

يوافقه الرأي عضو مجلس النواب، حسن خير الله، وهو رئيس لجنة المصالحة في مخالفات البناء بحي غرب الإسكندرية، والرئيس السابق للجنة الإسكان بالمجلس المحلي في المدينة، ويقول: “هناك عدة عوامل خارجة عن إرادة الفاعلين في السوق هي التي تسببت في ارتفاع أسعار العقارات والوحدات السكنية بنسبة تجاوزت 60 في المائة، من بينها القيود المشددة على البناء، وفرض اشتراطات صعبة، ما منع الشركات والعاملين في مجال البناء من المقاولين وغيرهم من البناء على الرغم من احتياج السوق إلى وحدات سكنية جديدة، فضلاً عن ارتفاع أسعار الأراضي بمعدل لم يشهده السوق العقاري في السابق، ومع ارتفاع الطلب مقابل محدودية المعروض، حدثت أزمة نقص شقق، وبالتالي ارتفعت إيجارات الشقق المعروضة”.

وتوقع خير الله أن تظل الإيجارات مرتفعة خلال عام 2023، وذلك في ظل عدم وجود بدائل، واستمرار معدلات التضخم في الارتفاع مع خفض قيمة الجنيه أمام الدولار الأميركي، وزيادة الطلب بوجه عام من المقيمين والوافدين من المصطافين والجاليات الأجنبية على تأجير أو شراء العقارات، مشيراً إلى أن “المتضرر الأكبر هو المواطن العادي، وخصوصاً الموظف الذي يعاني من تراجع قدرته الشرائية”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here