هرم البطالة المقلوب يدفع مهندسي مصر إلى الهجرة

4
هرم البطالة المقلوب يدفع مهندسي مصر إلى الهجرة
هرم البطالة المقلوب يدفع مهندسي مصر إلى الهجرة

أفريقيا برس – مصر. ترك مهندس الميكانيكا محمد مصطفى (34 سنة) عمله في مصر، وسافر إلى السعودية للعمل في واحدة من الشركات الخاصة، براتب يتجاوز عشرة أضعاف راتبه السابق، الذي كان خمسة آلاف جنيه (110 دولارات). ويقول إنه منذ تخرجه من الجامعة في عام 2011، ظل يسعى جاهداً إلى فرصة عمل توفر له حياة كريمة، خاصة بعدما اصطدم بواقع سوق العمل، وجرب أكثر من شركة قطاع خاص محلية.

تلقى مصطفى عرض عمل من شركة سعودية، فقرّر السفر على الفور، وبمجرد سفره، تبدلت حياته؛ إذ مكنته الطفرة المالية من حجز شقة سكنية بمقدم مالي كبير وأقساط ربع سنوية، كما تمكن من الزواج، واصطحب زوجته معه إلى السعودية، وكلها تفاصيل لم تكن لتتحقق إذا ما استمر بالعمل في مصر، مع راتب ضعيف يصعب معه تدبير تفاصيل حياته.

الطفرة المالية نفسها حدثت مع مهندس البترول حسين محمد (51 سنة)، إذ تبدلت تفاصيل حياته بمجرد أن سفره إلى العراق للعمل في واحدة من شركات البترول الأميركية بعد أن عمل لسنوات في شركة بترول محلية بمدينة الإسكندرية شمالي مصر، وبينما يؤكد أنّ راتبه كان “مقبولاً” وفق متوسط دخل عامة المصريين، لكن طفرة حلت عليه وعلى أسرته بعد السفر للعمل في العراق، إذ يتقاضى راتباً شهرياً كبيراً، بخلاف بدلات المخاطر والتأمين والتنقل وغيرها.

حدث نفس الشيء مع المهندس الأربعيني إبراهيم عبد المجيد، إذ زاد راتبه وتبدلت تفاصيل حياته بمجرد أن عقد الشركة التي يعمل بها في مصر شراكة مع مؤسّسة إماراتية لبناء وتطوير منتجات سياحية في مدينة العلمين على الساحل الشمالي المصري، ليتقاضى راتباً إضافياً مقابل المشاريع الإماراتية إلى جانب راتبه من الشركة المصرية. ويقول عبد المجيد: “حدثت نقلة نوعية كبرى في حياتي، فعلى سبيل المثال، حوّلت أولادي من المدارس الحكومية إلى مدارس دولية، واشتريت شقة جديدة وفرشتها بالكامل، وأصبحت أقضي مع أسرته إجازة الصيف في المنتجعات والقرى السياحية بالساحل الشمالي”.

ورغم أن المهندسين المصريين يتمتعون بسمعة مهنية، ويُعتبرون من الكفاءات المؤهلة عالمياً، إلّا أن هذا النزيف البشري يشير إلى خلل عميق بين حجم الاستثمار في التعليم الهندسي، وقدرة الاقتصاد المحلي على استيعاب هذه الطاقات وتقديرها مادياً ومهنياً. وأقرت الحكومة المصرية حداً أدنى لدخل الموظفين بقيمة نحو 7 آلاف جنيه (147 دولاراً)، ويرى الخبير الاقتصادي إلهامي المغربي أن هذا الرقم لا يتيح حد الكفاية الذي يوفر المتطلبات الأساسية اليومية لأي مواطن مصري، والذي يقدره، وفقاً لدراسات اقتصادية شارك في إعدادها، بنحو 12 ألف جنيه شهرياً (252 دولاراً)، ما يدفع أصحاب التخصصات العملية إلى الهجرة، أو البحث عن فرص عمل مؤقتة في دول الخليج العربي، ولا سيما أنّ القطاع الخاص المصري، غير قادر على توفير فرص العمل الكافية لنحو مليون ونصف مليون شاب يدخلون سوق العمل سنوياً.

وكشفت دراسة صادرة عن المركز المصري للدراسات الاقتصادية في عام 2024، أن سوق العمل المصريّة تعاني من تحديات هيكلية متجذرة تمنع خلق وظائف كافية وذات جودة، رغم تحقيق معدلات نمو اقتصادي موجبة. وكشفت الدراسة أن هناك فائضاً مزدوجاً في العرض والطلب على العمالة؛ فهناك خريجون بلا وظائف، وشركات بلا كفاءات مؤهلة”، ويرجع ذلك إلى فجوة المهارات بين ما تُنتجه الجامعات والمعاهد الفنية وبين ما تتطلبه السوق فعلياً، خاصة في قطاعات السياحة والصناعات الهندسية.

وحذّرت الدراسة من ما أطلقت عليه “هرم البطالة المقلوب”، إذ تسجل البطالة أعلى نسبها بين أصحاب المؤهلات الجامعية، بينما تقل بين العمالة منخفضة التعليم، ما يعكس عدم توافق بين مستوى التعليم ونوعية الوظائف المتاحة، وإلى جانب ذلك، ترتفع نسبة العمالة غير الرسمية والهشة اقتصادياً، ما يجعل شريحة واسعة من الشباب والنساء معرضة لفقدان الدخل أو التهميش الوظيفي في أي أزمة اقتصادية، وتؤدي هذه الظاهرة إلى زيادة معدلات الهجرة، خاصة بين أصحاب التخصصات الفنية والعلمية.

وتقول مديرة المركز المصري للدراسات الاقتصادية، عبلة عبد اللطيف، إن “سوق العمل المصريّة تتسم بالجمود الهيكلي، وبضعف قدرته على الاستجابة للصدمات الاقتصادية، الداخلية والخارجية، بسبب تداخل الأطر المؤسسية والتشريعية، وضعف التنسيق بين مؤسسات التعليم والتدريب وسوق العمل، كما أن السياسات الاقتصادية الحالية لا تركز بما يكفي على معالجة جذور الأزمة، بل تكتفي باستجابات مؤقتة”.

وتقترح عبد اللطيف معالجة التحديات المؤسسية والتعليمية أولويةً قصوى، من خلال ربط منظومة التعليم الفني والتدريب المهني باحتياجات السوق الحقيقية، وتحفيز القطاع الخاص للمشاركة في برامج التدريب داخل سوق العمل، وتشجيع الابتكار وريادة الأعمال، كما تدعوا إلى إصلاح شامل للتشريعات المنظمة للتوظيف والعمل، وضمان بيئة تشريعية مرنة تدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها المحرّك الأساسي لتوليد فرص العمل المستدامة.

وتُعتبر دول الخليج العربي، مثل السعودية والإمارات والكويت، الوجهة الأولى والأكثر شعبية بين المهندسين المصريين، كونها وجهة مثالية لتحقيق مكاسب مالية سريعة، ومستوى معيشياً مرتفع نسبياً على المدى القصير أو المتوسط، وتعتمد هذه الدول على الخبرات المصرية لسدّ احتياجات قطاعات البناء والنفط والغاز والبنية التحتية، وهي تقدم رواتب تنافسية تبلغ عدة أضعاف الرواتب في مصر.

في السعودية على سبيل المثال، تختلف رواتب المهندسين تبعاً للتخصص والخبرة والموقع الجغرافي، لكنها تُعد من بين الأعلى في منطقة الشرق الأوسط، فالمهندس المدني يتراوح راتبه ما بين 5000 ريال (1330 دولاراً) إلى 30 ألف ريال شهرياً، ويُعد مهندس البترول من بين الأعلى أجراً، إذ يتراوح راتبه بين 15 ألفاً و50 ألف ريال شهرياً، في حين يتقاضى مدير المشاريع ما بين 10 آلاف إلى 40 ألف ريال حسب حجم المشاريع وخبرته، بحسب موقع “أجاد للاستشارات الهندسية”.

وفي مسار المهندسين المصريين الثاني، وهو الهجرة، تُعد كندا نموذجاً لوجهة الهجرة الدائمة التي توفر الاستقرار وفرص التطوير المهني، وتشمل مزايا الهجرة إلى كندا الأمن الوظيفي والرواتب التنافسية، في ظلّ توفر فرص عمل مضمونة برواتب مرتفعة في مختلف التخصصات الهندسية، إلى جانب إمكانية الحصول على الإقامة الدائمة، ثم الجنسية، وحصول أفراد العائلة على الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية.

في الولايات المتحدة، تظهر دراسات بنك الاحتياطي الاتحادي لعام 2024، أن درجات الهندسة تحصد باستمرار أعلى تصنيفات الدخل، ويبلغ متوسط راتب المهندس الصناعي أو الميكانيكي بعد خمس سنوات من التخرج نحو 70 ألف دولار سنوياً، ويرتفع هذا المتوسط إلى نحو مئة ألف دولار سنوياً لمن هم في المرحلة العمرية بين 35 إلى 45 سنة، وفي تخصصات هندسة البيانات، تتراوح رواتب المهندسين بين 44 ألفاً و170 ألف دولار سنوياً.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here