ثروت أباظة.. أدب في فخاخ السياسة

40

لا يُذكر اسم الكاتب المصري ثروت أباظة (1927 – 2002) الذي تمرّ اليوم ذكرى ميلاده، إلا وغطّت مواقفه السياسية المعارضة للحقبة الناصرية على ما كلّ سواها، على خلاف كتّاب آخرين قدّموا انتقادات أقسى لتلك المرحلة، وظلّت كتاباتهم موضع اهتمام نقدي وثقافي.

تشكّل الانتماءات العائلية لصاحب رواية “هارب من الأيام” (1956) خلفية أساسية لتناول سيرته، إذ ينتسب إلى أحد أبرز العائلات الشركسية التي ساهمت في بناء دولة محمد علي باشا، وحظي العديد من أبنائها بمناصب رفيعة ونفوذ اجتماعي كبير، وأقطعوا أراضٍ وثروات طائلة، فقدوها بعد مجئ “الضباط الأحرار” إلى السلطة عام 1952.

خسارة المكانة كانت العامل المباشر في إعادة التموضع السياسي خلال فترة مثّلت صعود العسكرتاريا في مصر، لكن حالة أباطة تبدو مختلفة بالنظر إلى مشاركة أسرته في الثقافة المصرية وانخراطهم الكامل في صياغة هوية وطنية، خاصة في كتابات المسرحي عزيز أباظة والصحافي فكري أباظة، ووالده السياسي والكاتب دسوقي أباظة.

الانعطافة الحادة في حياته كانت في منتصف الخمسينيات، حين قرّر أن يترك مهنة المحاماة ويتفرّغ للكتابة الأدبية والسيناريوهات للإذاعة، حيث تزامن ذلك مع نفور من سياسات الحكم الجديد وأولها رفضه لسياسات التأميم التي رأى أنها أحالت مؤسسات الاقتصاد المصري لعدد من الضباط غير الأكفاء ما تسبّب في تدهورها، وهو كلام لم يجاف الواقع إلى حد كبير.

لكن أباظة الذي لم ينل رضا المؤسسة الرسمية لم يعارضها في الوقت نفسه بشكل مباشر وحاد مثل حال معظم المثقفين المعارضين آنذاك، حتى أن روايته “شيء من الخوف” لم يسلّط عليها الضوء حتى تحوّلت إلى فيلم سينمائي يحمل العنوان ذاته من سناريو وحوار عبد الرحمن الأبنودي وإخراج حسين كمال عام 1969.

“زواج عتريس من فؤادة باطل” العبارة التي انتهى بها العمل، فسّرها البعض أنها تحيل إلى نظام عبد الناصر الذي مارس الظلم ضد البسطاء، لكن تلك التأويلات لم تخرج للعلن إلا مع مجيء السادات، مع محاولات حثيثة لعدد من صنّاع الفيلم نفيها، لكن أباظة ثبّت في لحظة تحوّلات كبرى عاشتها مصر، موقفه الثابت والرافض لسياسات الزعيم المصري الراحل (1918 – 1970) طوال عقدين من حكمه، ليقترن اسمه بالعبارة/ الصرخة الأشهر ضده في السينما المصرية.

بقدر ما هاجم صاحب “أوقات خادعة” (1975) النظام الناصري، فإنه كان أحد أشرس المعادين لجماعة “الإخوان المسلمين”، حيث عبّر عن ذلك في مقالات عديدة كتبها خلال تقلّده العديد من المناصب الثقافية الرسمية منذ السبعينيات وحتى التسعينيات. وبشكل عام، لم ينفصل أباظة عن الريف المصري الذي ولد ونشأ فيه وكتب معظم أعماله انحيازاً للفلاحين وانتصاراً لكرامتهم.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here